الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              4605 باب قول النبي صل الله عليه وآله وسلم : "لا تأتي مائة سنة وعلى الأرض نفس منفوسة ، ممن هو عليها"

                                                                                                                              وعبارة النووي : (باب بيان معنى قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : "على رأس مائة سنة ، لا يبقى نفس منفوسة ، ممن هو موجود الآن") .

                                                                                                                              (حديث الباب)



                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم النووي ، ص89 ،90 ج16 ، المطبعة المصرية

                                                                                                                              (عن الزهري ؛ أخبرني سالم بن عبد الله ، وأبو بكر بن سليمان : أن عبد الله بن عمر ، قال : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم -ذات [ ص: 19 ] ليلة- صلاة العشاء ، في آخر حياته . فلما سلم ، قام فقال : "أرأيتكم ليلتكم هذه ؟ فإن على رأس مائة سنة منها : لا يبقى -ممن هو على ظهر الأرض- أحد" .

                                                                                                                              قال ابن عمر : فوهل الناس ، في مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، تلك ، فيما يتحدثون من هذه الأحاديث : عن مائة سنة . وإنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا يبقى -ممن هو اليوم على ظهر الأرض- أحد" . يريد بذلك : أن ينخرم ذلك القرن
                                                                                                                              ) .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ، قال : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم -ذات ليلة- صلاة العشاء ، في آخر حياته . فلما سلم ، قام فقال : أرأيتكم ليلتكم هذه ؟ فإن على رأس مائة سنة منها : لا يبقى -ممن هو على ظهر الأرض- أحد . قال ابن عمر : فوهل الناس) بفتح الهاء . أي : غلطوا . يقال : "وهل" بفتح الهاء "يهل" بكسرها ، "وهلا" ؛ كضرب يضرب ضربا . أي : غلط ، وذهب وهمه إلى خلاف الصواب .

                                                                                                                              وأما "وهلت" بكسرها "أهل" بفتحها "وهلا" كحذرت أحذر حذرا . فمعناه : فزعت . و"الوهل" بالفتح : الفزع .

                                                                                                                              [ ص: 20 ] (في مقالة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، تلك ، فيما يتحدثون من هذه الأحاديث : عن مائة سنة . وإنما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : "لا يبقى -ممن هو اليوم ، على ظهر الأرض- أحد" يريد بذلك : أن ينخرم ذلك القرن) أي : ينقطع ، وينقضي .

                                                                                                                              وفي رواية جابر ؛ أنه سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، قبل وفاته بشهر ، يقول : "ما من نفس منفوسة اليوم ، يأتي عليها مائة سنة ، وهي حية يومئذ" .

                                                                                                                              وفي رواية "أبي سعيد" مثله . لكن قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذلك ، لما رجع من تبوك .

                                                                                                                              قال النووي : هذه الأحاديث ، قد فسر بعضها بعضا .

                                                                                                                              وفيها : علم من أعلام النبوة .

                                                                                                                              والمراد : أن كل نفس -منفوسة- كانت تلك الليلة على الأرض : لا تعيش بعدها أكثر من مائة سنة . سواء قل عمرها قبل ذلك ، أم لا . وليس فيه نفي عيش أحد يوجد -بعد تلك الليلة- فوق مائة سنة .

                                                                                                                              ومعنى "نفس منفوسة" : أي مولودة .

                                                                                                                              وفيه : احتراز من الملائكة .

                                                                                                                              وقد احتج بهذه الأحاديث : من شذ من المحدثين ؛ فقال : الخضر "عليه السلام" ميت . والجمهور على حياته . . كما سبق في باب فضائله .

                                                                                                                              [ ص: 21 ] ويتأولون هذه الأحاديث ، على أنه كان على البحر ، لا على الأرض . أو أنها "عام مخصوص" . انتهى .

                                                                                                                              قلت : وما أبرد هذا التأويل : فإن "الأرض" : تشمل البر والبحر ، بلا شك . والبحر على وجه الأرض . وقد سبق في محله : أن الخضر "عليه السلام" لا دليل على حياته . ولا بد لتخصيص العام من مخصص ، يصلح للتخصيص . ولا مخصص هنا . وقد بسطنا القول على معنى حديث الباب ، في كتابنا : "دليل الطالب ، على أرجح المطالب" . فراجعه .




                                                                                                                              الخدمات العلمية