الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              4613 [ ص: 27 ] (باب منه)

                                                                                                                              وهو في النووي ، في (الباب المتقدم) .

                                                                                                                              (حديث الباب)

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم النووي ، ص95 ،96 ج16 ، المطبعة المصرية

                                                                                                                              (عن أسير بن جابر ، قال : كان عمر بن الخطاب ، إذا أتى عليه أمداد أهل اليمن : سألهم أفيكم أويس بن عامر ؟ حتى أتى على أويس ، فقال : أنت أويس بن عامر ؟ قال : نعم . قال : من مراد ، ثم من قرن ؟ قال : نعم . قال : فكان بك برص ، فبرأت منه ، إلا موضع درهم ؟ قال : نعم . قال : لك والدة ؟ قال : نعم .

                                                                                                                              قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول : "يأتي عليكم : أويس بن عامر ، مع أمداد أهل اليمن ، من مراد ، ثم من قرن . كان به برص ، فبرأ منه ، إلا موضع درهم . له والدة ، هو بها بر . لو أقسم على الله ، لأبره . فإن استطعت أن يستغفر لك : فافعل" فاستغفر لي . فاستغفر له .

                                                                                                                              فقال له عمر : أين تريد ؟ قال : الكوفة . قال : ألا أكتب لك إلى عاملها ؟ قال : أكون في غبراء الناس : أحب إلي .

                                                                                                                              قال : فلما كان من العام المقبل : حج رجل من أشرافهم ، فوافق عمر ، فسأله عن أويس ؟ قال : تركته رث البيت ، قليل المتاع . قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول : "يأتي عليكم : أويس [ ص: 28 ] بن عامر ، مع أمداد أهل اليمن ، من مراد ، ثم من قرن . كان به برص ، فبرأ منه ، إلا موضع درهم . له والدة ، هو بها بر . لو أقسم على الله ، لأبره . فإن استطعت أن يستغفر لك : فافعل" فأتى أويسا ، فقال : استغفر لي . قال : أنت أحدث عهدا بسفر صالح ، فاستغفر لي .

                                                                                                                              قال : استغفر لي . قال : أنت أحدث عهدا بسفر صالح ، فاستغفر لي .

                                                                                                                              قال : لقيت عمر ؟ قال : نعم . فاستغفر له . ففطن له الناس ، فانطلق على وجهه . قال أسير : وكسوته بردة . فكان كلما رآه إنسان ، قال : من أين لأويس ، هذه البردة ؟
                                                                                                                              ) .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن أسير بن جابر) : بضم الهمزة ، وفتح السين .

                                                                                                                              ويقال : "أسير بن عمرو" . ويقال : "يسر" بضم الياء .

                                                                                                                              (قال : كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه ؛ إذا أتى عليه أمداد أهل اليمن : سألهم : أفيكم أويس بن عامر ؟) كذا رواه مسلم هنا . وهو المشهور .

                                                                                                                              وقال ابن ماكولا : ويقال : "أويس بن عمرو" . قالوا : وكنيته : "أبو عمرو" وقيل : قتل بصفين .

                                                                                                                              وروي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، قال : نادى مناد -يوم صفين- : [ ص: 29 ] أفي القوم أويس القرني ؟ ، فوجد في القتلى ، من أصحاب علي رضي الله عنهم .

                                                                                                                              (حتى أتى على أويس ، فقال : أنت أويس بن عامر ؟ قال : نعم . قال : من مراد ، ثم من قرن ؟ قال : نعم) .

                                                                                                                              فهو "القرني" ، من "بني قرن" بفتح القاف والراء . وهي بطن من مراد . وهو "قرن بن رومان بن ناحية بن مراد" .

                                                                                                                              وقال الكلبي : "ومراد" اسمه : جابر بن مالك ، بن أدد ، بن صحب ، بن يعرب ، بن زيد ، بن كهلان ، بن سبأ .

                                                                                                                              وهذا هو الصواب ، ولا خلاف فيه .

                                                                                                                              وفي صحاح الجوهري : أنه منسوب إلى "قرن المنازل" : الجبل المعروف "ميقات الإحرام" لأهل نجد .

                                                                                                                              قال النووي : وهذا غلط فاحش .

                                                                                                                              (قال : فكان بك برص ، فبرئت منه ، إلا موضع درهم ؟ قال : نعم . قال : لك والدة ؟ قال : نعم . قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، يقول : يأتي عليكم : أويس بن عامر ، مع أمداد أهل اليمن) : هم الجماعة الغزاة ، الذين يمدون جيوش الإسلام في الغزو . واحدهم : "مدد" .

                                                                                                                              [ ص: 30 ] (من مراد ، ثم من قرن . كان به برص ، فبريء منه . إلا موضع درهم . له والدة ، هو بها بر . لو أقسم على الله ، لأبره ، فإن استطعت أن يستغفر لك : "فافعل" فاستغفر لي . فاستغفر له . فقال له عمر : أين تريد ؟ قال : الكوفة . قال : ألا أكتب لك إلى عاملها ؟ قال : أكون في غبراء الناس ، أحب إلي) بفتح الغين ، وسكون الباء ، وبالمد . أي : ضعافهم ، وصعاليكهم ، وأخلاطهم : الذين لا يؤبه لهم . وهذا : من إيثار الخمول ، وكتم حاله .

                                                                                                                              (قال : فلما كان من العام القابل : حج رجل من أشرافهم ، فوافق عمر "رضي الله عنه" ، فسأله عن أويس ؟ قال : تركته رث البيت ، قليل المتاع) .

                                                                                                                              "الرثاثة ، والبذاذة" بمعنى . وهو حقارة المتاع ، وضيق العيش .

                                                                                                                              (قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، يقول : "يأتي عليكم : أويس بن عامر ، مع أمداد من أهل اليمن ، من مراد ، ثم من قرن ، كان به برص ، فبرئ منه ، إلا موضع درهم . له والدة ، هو بها بر . لو أقسم على الله ، لأبره ، فإن استطعت أن يستغفر لك : فافعل" .

                                                                                                                              [ ص: 31 ] فأتى أويسا ، فقال : استغفر لي . قال : أنت أحدث عهدا بسفر صالح ، فاستغفر لي . قال : استغفر لي . قال : أنت أحدث عهد بسفر صالح ، فاستغفر لي . قال : لقيت عمر ؟ قال : نعم . فاستغفر له . ففطن له الناس ، فانطلق على وجهه . قال أسير : وكسوته بردة ، فكان كلما رآه إنسان ، قال : من أين لأويس هذه البردة ؟) .

                                                                                                                              قال النووي في قصة أويس هذه : معجزات ظاهرة ، لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . ومنقبة باهرة ، لأويس .

                                                                                                                              وفيه : استحباب طلب الدعاء والاستغفار : من أهل الصلاح ، وإن كان الطالب أفضل منهم .

                                                                                                                              وفيه : فضل بر الوالدين ، وفضل العزلة ، وإخفاء الأحوال ، وكتم السر الذي بينه وبين الله ، عز وجل . ولا يظهر منه شيء يدل لذلك .

                                                                                                                              قال : وهذه طريق العارفين ، وخواص الأولياء . انتهى .

                                                                                                                              قلت : وفيه دليل على أن أويسا من التابعين ، ومن خيرهم ، وأنه كان مستجاب الدعوة ، وأنه لو أقسم على الله تعالى لأبره .




                                                                                                                              الخدمات العلمية