الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ثم يغرف الماء بيديه فيغسل وجهه ثلاثا من منابت شعر رأسه إلى أصول أذنيه ومنتهى اللحية إلى ما أقبل من وجهه وذقنه " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا كما قال غسل الوجه أول الأعضاء الواجبة في الوضوء ، والدليل على وجوبه قوله تعالى : ياأيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم [ المائدة : 6 ] .

                                                                                                                                            وقال النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي : توضأ كما أمرك الله تعالى ، اغسل وجهك وذراعيك ، وامسح برأسك ، واغسل رجليك ، وتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فغسل وجهه وذراعيه ومسح برأسه وغسل رجليه ، وقال : " هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به " وأجمع المسلمون على وجوب غسله ، فإذا ثبت ذلك فحد الوجه مختلف في العبارة عنه فحده المزني هكذا فقال : من منابت شعر رأسه إلى أصول أذنيه ومنتهى اللحية إلى ما أقبل من وجهه وذقنه .

                                                                                                                                            وحكى الربيع ، عن الشافعي في كتاب الأم أن حد الوجه أوجز من هذا اللفظ وأوضح من هذا الحد فقال : حد الوجه من قصاص الشعر وأصول الأذنين إلى ما أقبل من الذقن واللحيين ، وقد حده بعض أصحابنا بغير هذين فقال : حده طولا من قصاص الشعر إلى الذقن وعرضا من الأذن إلى الأذن .

                                                                                                                                            [ ص: 108 ] فأما حد المزني ففاسد ؛ لأنه حد الوجه بالوجه ، وإذا كان الوجه محدودا بما وصفنا ، فالاعتبار بالغالب من أحوال الناس . فلو أن رجلا استعلى شعر رأسه حتى ذهب من مقدمه كالأجلح كان ذلك من رأسه ، ولو انحدر شعر رأسه حتى دخل في جبهته كالأغم كان من وجهه وأنشد الشافعي قول هدبة بن خشرم :


                                                                                                                                            فلا تنكحي إن فرق الدهر بيننا أغم القفا والوجه ليس بأنزعا

                                                                                                                                            فسمى موضع الغمم وجها وإن كان عليه شعر .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية