الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        [ ص: 176 ] المانع الثالث : الرق . فإحرام العبد ينعقد بإذن سيده وبغير إذنه . فإن أحرم بإذنه ، لم يكن له تحليله ، سواء بقي نسكه صحيحا أو أفسده . ولو باعه والحالة هذه ، لم يكن للمشتري تحليله ، وله الخيار إن جهل إحرامه ، فإن أحرم بغير إذنه ، فالأولى أن يأذن له في إتمام نسكه . فإن حلله ، جاز على المذهب ، وبه قطع الجمهور . وحكى ابن كج وجها : أنه ليس له تحليله ؛ لأنه يلزمه بالشروع ، تخريجا من أحد القولين في الزوجة إذا أحرمت بحج التطوع ، وهذا شاذ منكر .

                                                                                                                                                                        قلت : قال الجرجاني في المعاياة : ولو باعه والحالة هذه ، فللمشتري تحليله كالبائع ، ولا خيار له . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        ولو أذن له في الإحرام ، فله الرجوع قبل الإحرام . فإن رجع ولم يعلم العبد ، فأحرم ، فله تحليله على الأصح . ولو أذن له في العمرة ، فأحرم بالحج ، فله تحليله ، ولو كان بالعكس ، لم يكن له تحليله . قاله في " التهذيب " . وظني أنه لا يسلم عن الخلاف .

                                                                                                                                                                        قلت : ذكر الدارمي في الصورتين وجهين ، لكن الأصح قول صاحب " التهذيب " . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        ولو أذن له في التمتع ، فله منعه من الحج بعد تحلله من العمرة ، وليس له تحليله عن العمرة ، ولا عن الحج ، بعد الشروع . ولو أذن في الحج أو التمتع ، فقرن ، لم يجز تحليله . ولو أذن أن يحرم في ذي القعدة ، فأحرم في شوال ، فله تحليله قبل دخول ذي القعدة ، وبعد دخوله ، فلا . وإذا أفسد العبد حجه بالجماع ، لزمه القضاء . وهل يجزئه القضاء في الرق ؟ فيه قولان كما سبق في الصبي : فإن قلنا : يجزئ ، لم يلزم السيد أن يأذن له فيه إن كان إحرامه الأول من غير إذنه ، وكذا إن كان بإذنه على الأصح . وكل دم لزمه بفعل محظور ، كاللباس ، والصيد ، أو بالفوات ، لم يلزم السيد بحال سواء أحرم بإذنه أم بغير إذنه [ ص: 177 ] . ثم العبد ، لا ملك له حتى يتحلل بذبح . فإن ملكه السيد ، فعلى القديم : يملك ، فيلزم إخراجه . وعلى الجديد ، لا يملك ، ففرضه الصوم ، وللسيد منعه منه في حال الرق إن كان أحرم بغير إذنه ، وكذا بإذنه على الأصح ؛ لأنه لم يأذن في موجبه . ولو قرن ، أو تمتع بغير إذن سيده ، فحكم دم القران والتمتع حكم دماء المحظورات . وإن قرن أو تمتع بإذنه ، فهل يجب الدم على السيد ؟ الجديد : أنه لا يجب . وفي القديم قولان ، بخلاف ما لو أذن له في النكاح ، فإن السيد يكون ضامنا للمهر على القديم قولا واحدا ؛ لأنه لا بدل للمهر ، وللدم بدل ، وهو الصوم ، والعبد من أهله . وعلى هذا ، لو أحرم بإذن السيد ، فأحصر وتحلل ، فإن قلنا : لا بدل لدم الإحصار ، صار السيد ضامنا على القديم قولا واحدا . وإن قلنا : له بدل ، ففي صيرورته ضامنا له في القديم ، قولان . وإذا لم نوجب الدم على السيد ، فالواجب على العبد الصوم ، وليس لسيده منعه منه على الأصح ، لأذنه في سببه . ولو ملك السيد هديا ، وقلنا : يملكه ، أراقه ، وإلا ، لم تجز إراقته . ولو أراقه السيد عنه فهو على هذين القولين . ولو أراق عنه بعد موته ، جاز قولا واحدا ؛ لأنه حصل اليأس من تكفيره . والتمليك بعد الموت ، ليس بشرط . ولهذا ، لو تصدق عن ميت جاز . ولو عتق العبد قبل صومه ووجد هديا ، فعليه الهدي إن اعتبرنا في الكفارة حال الأداء أو الأغلظ . وإن اعتبرنا حال الوجوب ، فله الصوم . وهل له الهدي ؟ قولان .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        حيث جوزنا للسيد تحليله ، أردنا أنه يأمره بالتحلل ، لا أنه يستقل بما يحصل [ ص: 178 ] به التحلل ، إذ غايته أن يستخدمه ويمنعه المضي ، ويأمره بفعل المحظورات ، أو يفعلها به ، ولا يرتفع الإحرام بشيء من هذا . وإذا جاز للعبد تحليله ، جاز للعبد التحلل . ثم إن ملكه السيد هديا ، وقلنا : يملك ، ذبح ونوى التحلل ، أو حلق ونوى التحلل ، وإلا فطريقان . أحدهما : أنه كالحر ، فيتوقف تحلله على وجود الهدي ، إن قلنا : لا بدل لدم الإحصار ، أو على الصوم ، إن قلنا : له بدل . كل هذا على أحد القولين . وعلى أظهرهما : لا يتوقف ، بل يكفيه نية التحلل والحلق إن قلنا : نسك . والطريق الثاني ، القطع بهذا القول الثاني . وهذا الطريق ، هو الأصح عند الأصحاب ، لعظم المشقة في انتظار العتق ، ولأن منافعه لسيده ، وقد يستعمله في محظورات الإحرام .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        أم الولد ، والمدبر ، والمعلق عتقه بصفة ، ومن بعضه حر ، كالقن . ولو أحرم المكاتب بغير إذن المولى ، فقيل : في جواز تحليله قولان ، كمنعه من سفر التجارة . وقيل : له تحليله قطعا ؛ لأن للسيد منفعة في سفر التجارة .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        ينعقد نذر الحج من العبد وإن لم يأذن له السيد على الأصح ، فيكون في ذمته . فلو أتى به في حال الرق ، هل يجزئه ؟ وجهان .

                                                                                                                                                                        [ قلت : الأصح . يجزئه . والله أعلم . ]

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية