(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=36nindex.php?page=treesubj&link=28973فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=37فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=38قلنا اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=39والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) .
أزل : من الزلل ، وهو عثور القدم . يقال : زلت قدمه ، وزلت به النعل . والزلل في الرأي والنظر مجاز ، وأزال : من الزوال ، وأصله التنحية . والهمزة في كلا الفعلين للتعدية . الهبوط : هو النزول ، مصدر هبط ، ومضارعه يهبط ويهبط بكسر الباء وضمها ، والهبوط بالفتح : موضع النزول . وقال
المفضل : الهبوط : الخروج عن البلدة ، وهو أيضا الدخول فيها من الأضداد ، ويقال في انحطاط المنزلة مجازا ، ولهذا قال
الفراء : الهبوط : الذل ، قال
لبيد :
إن يغبطوا يهبطوا يوما وإن أمروا
بعض : أصله مصدر بعض يبعض بعضا ، أي قطع ، ويطلق على الجزء ، ويقابله كل ، وهما معرفتان لصدور الحال منهما في فصيح الكلام ، قالوا : مررت ببعض قائما ، وبكل جالسا ، وينوى فيهما الإضافة ، فلذلك لا تدخل عليهما الألف واللام ، ولذلك خطأوا
nindex.php?page=showalam&ids=14417أبا القاسم الزجاجي في قوله : ويبدل البعض من الكل ، ويعود الضمير على بعض إذا أريد به جمع ، مفردا ومجموعا . وكذلك الخبر والحال والوصف يجوز إفراده إذ ذاك وجمعه .
العدو : من العداوة ، وهي مجاوزة الحد ،
[ ص: 160 ] يقال : عدا فلان طوره : إذا جاوزه ، وقيل : العداوة ، التباعد بالقلوب من عدوي الجبل ، وهما طرفاه ، سميا بذلك لبعد ما بينهما ، وقيل : من عدا ، أي ظلم ، وكلها متقاربة في المعنى . والعدو يكون للواحد والاثنين والجمع ، والمذكر والمؤنث ، وقد جمع فقيل : أعداء ، وقد أنث فقالوا : عدوة ، ومنه : أي عدوات أنفسهن . وقال
الفراء : قالت العرب للمرأة : عدوة الله ، وطرح بعضهم الهاء . المستقر : مستفعل من القرار ، وهو اللبث والإقامة ، ويكون مصدرا وزمانا ومكانا ; لأنه من فعل زائد على ثلاثة أحرف ، فيكون لما ذكر بصورة المفعول ، ولذلك سميت الأرض : القرارة ، قال الشاعر :
جادت عليه كل عين ثرة فتركن كل قرارة كالدرهم
واستفعل فيه : بمعنى فعل ، استقر وقر بمعنى . المتاع : البلغة ، وهو مأخوذ من متع النهار : إذا ارتفع ، فينطلق على ما يتحصل للإنسان من عرض الدنيا ، ويطلق على الزاد وعلى الانتفاع بالنساء ، ومنه ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=24فما استمتعتم به منهن ) ، ونكاح المتعة ، وعلى الكسوة ، ( ومتعوهن ) ، وعلى التعمير (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=3يمتعكم متاعا حسنا ) ، قالوا : ومنه أمتع الله بك ، أي أطال الله الإيناس بك ، وكله راجع لمعنى البلغة .
الحين : الوقت والزمان ، ولا يتخصص بمدة ، بل وضع المطلق منه . تلقى : تفعل من اللقاء ، نحو تعدى من العدو ، قالوا : أو بمعنى استقبل ، ومنه : تلقى فلان فلانا استقبله . ويتلقى الوحي : أي يستقبله ويأخذه ويتلقفه ، وخرجنا نتلقى الحجيج : نستقبلهم ، وقال
الشماخ :
إذا ما راية رفعت لمجد تلقاها عرابة باليمين
وقال
القفال : التلقي : التعرض للقاء ، ثم يوضع موضع القبول والأخذ ، ومنه وإنك لتلقى القرآن ، تلقيت هذه الكلمة من فلان : أخذتها منه . الكلمة : اللفظة الموضوعة لمعنى ، والكلمة : الكلام ، والكلمة : القصيدة ، سميت بذلك لاشتمالها على الكلمة والكلام ، ويجمع بحذف التاء فيكون اسم جنس ، نحو : نبقة ونبق . التوبة : الرجوع ، تاب يتوب توبا وتوبة ومتابا ، فإذا عدي بعلى ضمن معنى العطف . تبع : بمعنى لحق ، وبمعنى تلا ، وبمعنى اقتدى . والخوف : الفزع ، خاف يخاف خوفا وتخوف تخوفا ، فأفزع ، ويتعدى بالهمز وبالتضعيف ، ويكون للأمر المستقبل . وأصل الحزن : غلظ الهم ، مأخوذ من الحزن : وهو ما غلظ من الأرض ، يقال : حزن يحزن حزنا وحزنا ، ويعدى بالهمزة وبالفتحة ، نحو : شترت عين الرجل ، وشترها الله ، وفي التعدية بالفتحة خلاف ، ويكون للأمر الماضي . الآية : العلامة ، ويجمع آيا وآيات ، قال
النابغة :
توهمت آيات لها فعرفتها لستة أعوام وذا العام سابع
ووزنها عند
الخليل nindex.php?page=showalam&ids=16076وسيبويه : فعلة ، فأعلت العين وسلمت اللام شذوذا والقياس العكس . وعند
nindex.php?page=showalam&ids=15080الكسائي : فاعلة ، حذفت العين لئلا يلزم فيه من الإدغام ما لزم في دابة ، فتثقل ، وعند
الفراء : فعلة ، فأبدلت العين ألفا استثقالا للتضعيف ، كما أبدلت في قيراط وديوان ، وعند بعض الكوفيين : فعلة : استثقل التضعيف فقلبت الفاء الأولى ألفا ; لانكسارها وتحرك ما قبلها ، وهذه مسألة ينهى الكلام عليها في علم التصريف . الصحبة : الاقتران ، صحب يصحب ، والأصحاب : جمع صاحب ، وجمع فاعل على أفعال شاذ ، والصحبة والصحابة : أسماء جموع ، وكذا صحب على الأصح خلافا للأخفش ، وهي لمطلق الاقتران في زمان ما .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=36فأزلهما الشيطان عنها ) : الهمزة : كما تقدم في ( أزل ) للتعدية ، والمعنى : جعلهما زلا بإغوائه وحملهما على أن زلا وحصلا في الزلة ، هذا أصل همزة التعدية . وقد تأتي بمعنى جعل أسباب الفعل ، فلا يقع إذ ذاك الفعل . تقول : أضحكت زيدا فما ضحك وأبكيته فما بكى ، أي جعلت له أسباب الضحك وأسباب البكاء فما ترتب على ذلك ضحكه ولا بكاؤه ، والأصل هو الأول ، وقال الشاعر :
كميت يزل اللبد عن حال متنه كما زلت الصفواء بالمتنزل
[ ص: 161 ] معناه فيما يشرح الشراح ، يزل اللبد : يزلقه عن وسط ظهره ، وكذلك قوله :
يزل الغلام الخف عن صهواته
أي يزلقه .
وقيل ( أزلهما ) أبعدهما . تقول : زل عن مرتبته ، وزل عني ذاك ، وزل من الشهر كذا ؛ أي : ذهب وسقط ، وهو قريب من المعنى الأول ; لأن الزلة هي سقوط في المعنى ، إذ فيها خروج فاعلها عن طريق الاستقامة ، وبعده عنها . فهذا جاء على الأصل من تعدية الهمزة . وقرأ
الحسن وأبو رجاء وحمزة : فأزالهما ، ومعنى الإزالة : التنحية . وروي عن
حمزة وأبي عبيدة إمالة فأزالهما .
والشيطان : هو إبليس بلا خلاف هنا . وحكوا أن
عبد الله قرأ ، فوسوس لهما الشيطان عنها ، وهذه القراءة مخالفة لسواد المصحف المجمع عليه ، فينبغي أن يجعل تفسيرا ، وكذا ما ورد عنه وعن غيره مما خالف سواد المصحف . وأكثر قراءات
عبد الله إنما تنسب
للشيعة . وقد قال بعض علمائنا : إنه صح عندنا بالتواتر قراءة
عبد الله على غير ما ينقل عنه مما وافق السواد ، فتلك إنما هي آحاد ، وذلك على تقدير صحتها ، فلا تعارض ما ثبت بالتواتر .
وفي كيفية توصل إبليس إلى إغوائهما حتى أكلا من الشجرة أقاويل : قال
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس والجمهور : شافههما بدليل ( وقاسمهما ) قيل :
nindex.php?page=treesubj&link=28798فدخل إبليس الجنة على طريق الوسوسة ابتلاء لآدم وحواء ، وقيل : دخل في جوف الحية . وذكروا كيف كانت خلقة الحية وما صارت إليه ، وكيف كانت مكالمة إبليس
لآدم . وقد قصها الله تعالى أحسن القصص وأصدقه في سورة الأعراف وغيرها . وقيل : لم يدخل إبليس الجنة ، بل كان يدنو من السماء فيكلمهما . وقيل : قام عند الباب فنادى ، وقيل : لم يدخل الجنة بل كان ذلك بسلطانه الذي ابتلي به آدم وذريته ، كقول النبي ، صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10371595إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم " . وقيل : خاطبه من الأرض ولم يصعد إلى السماء بعد الطرد واللعن ، وكان خطابه وسوسة ، وقد أكثر المفسرون في نقل قصص كثير في قصة
آدم وحواء والحية ، والله أعلم بذلك ، وتكلموا في كيفية حاله حين أكل من الشجرة ، أكان ذلك في حال التعمد ، أم في حال غفلة الذهن عن النهي بنسيان ، أم بسكر من خمر الجنة ، كما ذكروا عن
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب . وما أظنه يصح عنه ; لأن خمر الجنة ، كما ذكر الله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=47لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون ) إلا إن كانت الجنة في الأرض ، على ما فسره بعضهم ، فيمكن أن يكون خمرها بسكر . والذين قالوا بالعمد ، قالوا : كان النهي نهي تنزيه ، وقيل : كان معه من الفزع عند إقدامه ما صير هذا الفعل صغيرة . وقيل : فعله اجتهادا ، وخالف لأنه تقدم أن الإشارة إلى الشخص لا إلى النوع ، فتركها وأكل أخرى . والاجتهاد في الفروع لا يوجب العقاب . وقيل كان الأكل كبيرة ، وقيل : أتاهما إبليس في غير صورته التي يعرفانها ، فلم يعرفاه ، وحلف لهما أنه ناصح . وقيل : نسي عداوة إبليس ، وقيل : يجوز أن يتأول
آدم ( ولا تقربا ) أنه نهي عن القربان مجتمعين ، وأنه يجوز لكل واحد أن يقرب ، والذي يسلك فيما اقتضى ظاهره بعض مخالفة : تأويله على أحسن محمل ، وتنزيه الأنبياء عن النقائص . وسيأتي الكلام على ما يرد من ذلك ، وتأويله على الوجه الذي يليق ، إن شاء الله .
وفي ( المنتخب ) للإمام
nindex.php?page=showalam&ids=15199أبي عبد الله محمد بن أبي الفضل المرسي ما ملخصه : منعت الأمة
nindex.php?page=treesubj&link=28751_21376وقوع الكفر من الأنبياء ، عليهم الصلاة والسلام ، إلا الفضيلية من
الخوارج ، قالوا : وقد وقع منهم ذنوب ، والذنب عندهم كفر ، وأجاز
الإمامية إظهار الكفر منهم على سبيل التقية ، واجتمعت الأمة على عصمتهم من الكذب والتحريف فيما يتعلق بالتبليغ ، فلا يجوز عمدا ولا سهوا ، ومن الناس من جوز ذلك سهوا ، وأجمعوا على امتناع خطئهم في الفتيا عمدا واختلفوا في السهو . وأما أفعالهم فقالت
الحشوية : يجوز وقوع الكبائر منهم على جهة العمد . وقال أكثر
المعتزلة بجواز الصغائر عمدا إلا في القول ، كالكذب . وقال
الجبائي : يمتنعان عليهم إلا على جهة التأويل . وقيل :
[ ص: 162 ] يمتنعان عليهم ، إلا على جهة السهو والخطأ ، وهم مأخوذون بذلك ، وإن كان موضوعا عن أمتهم . وقالت
الرافضة : يمتنع ذلك على كل جهة . واختلف في وقت العصمة فقالت الرافضة : من وقت مولدهم ، وقال كثير من
المعتزلة : من وقت النبوة . والمختار عندنا : أنه لم يصدر عنهم ذنب حالة النبوة ألبتة ، لا الكبيرة ولا الصغيرة ; لأنهم لو صدر عنهم الذنب لكانوا أقل درجة من عصاة الأمة ، لعظيم شرفهم ، وذلك محال . ولئلا يكونوا غير مقبولي الشهادة ، ولئلا يجب زجرهم وإيذاؤهم ، ولئلا يقتدى بهم في ذلك ، ولئلا يكونوا مستحقين للعقاب ، ولئلا يفعلون ضد ما أمروا به ; لأنهم مصطفون ، ولأن إبليس استثناهم في الإغواء . انتهى ما لخصناه من المنتخب .
والقول في الدلائل لهذه المذاهب ، وفي إبطال ما ينبغي إبطاله منها مذكور في كتب أصول الدين .
عنها : الضمير عائد على الشجرة ، وهو الظاهر ; لأنه أقرب مذكور . والمعنى : فحملهما الشيطان على الزلة بسببها . وتكون ( عن ) إذ ذاك للسبب ، أي أصدر الشيطان زلتهما عن الشجرة كقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=82وما فعلته عن أمري ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=114وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه ) . وقيل : عائد على الجنة ; لأنها أول مذكور ، ويؤيده قراءة
حمزة وغيره : فأزالهما ، إذ يبعد فأزالهما الشيطان عن الشجرة . وقيل : عائد على الطاعة ، قالوا : بدليل قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=121وعصى آدم ربه ) ، فيكون إذ ذاك الضمير عائدا على غير مذكور ، إلا على ما يفهم من معنى قوله : ( ولا تقربا ) لأن المعنى : أطيعاني بعدم قربان هذه الشجرة . وقيل : عائد على الحالة التي كانوا عليها من التفكه والرفاهية والتبوء من الجنة ، حيث شاءا ، ومتى شاءا ، وكيف شاءا بدليل (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=35وكلا منها رغدا ) . وقيل : عائد على السماء وهو بعيد .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=36فأخرجهما مما كانا فيه ) من الطاعة إلى المعصية ، أو من نعمة الجنة إلى شقاء الدنيا ، أو من رفعة المنزلة إلى سفل مكانة الذنب ، أو رضوان الله ، أو جواره . وكل هذه الأقوال متقاربة . قال
المهدوي : إذا جعل ( أزلهما ) من : زل عن المكان ، فقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=36فأخرجهما مما كانا فيه ) توكيد . إذ قد يمكن أن يزولا عن مكان كانا فيه إلى مكان آخر من الجنة . انتهى . والأولى أن يكون بمعنى كسبهما الزلة لا يكون بإلقاء . قال
ابن عطية : وهنا محذوف يدل عليه الظاهر ، تقديره : فأكلا من الشجرة ، ويعني أن المحذوف يتقدر قبل قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=36فأزلهما الشيطان ) ، ونسب الإزلال والإزالة والإخراج لإبليس على جهة المجاز ، والفاعل للأشياء هو الله تعالى .
( وقلنا اهبطوا ) : قرأ الجمهور بكسر الباء ، وقرأ
أبو حيوة : ( اهبطوا ) بضم الباء ، وقد ذكرنا أنهما لغتان . والقول في : ( وقلنا اهبطوا ) مثل القول في : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=35وقلنا ياآدم اسكن ) . ولما كان أمرا بالهبوط من الجنة إلى الأرض ، وكان في ذلك انحطاط رتبة المأمور ، لم يؤنسه بالنداء ، ولا أقبل عليه بتنويهه بذكر اسمه والإقبال عليه بالنداء ، بخلاف قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=35وقلنا ياآدم اسكن ) والمخاطب بالأمر
آدم وحواء والحية ، قاله
أبو صالح عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، أو هؤلاء وإبليس ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، أو
آدم وإبليس ، قاله
مجاهد ، أو هما وحواء ، قاله مقاتل ، أو
آدم وحواء فحسب ، ويكون الخطاب بلفظ الجمع وإن وقع على التثنية نحو : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=78وكنا لحكمهم شاهدين ) ، ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=12590ابن الأنباري ، أو
آدم وحواء والوسوسة ، قاله
الحسن ، أو
آدم وحواء وذريتهما ، قاله
الفراء ، أو
آدم وحواء ، والمراد هما وذريتهما ، ورجحه
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري قال : لأنهما لما كانا أصل الأنس ومتشعبهم جعلا كأنهما الأنس كلهم . والدليل عليه قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=123قال اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو ) ، ويدل على ذلك قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=38فمن تبع هداي ) الآية ، وما هو إلا حكم يعم الناس كلهم . انتهى .
وفي قول
الفراء خطاب من لم يوجد بعد ; لأن ذريتهما كانت إذ ذاك غير موجودة . وفي قول من أدخل إبليس معهما في الأمر ضعف ; لأنه كان خرج قبلهما ، ويجوز على ضرب من التجوز . قال
كعب ووهب : أهبطوا جملة ونزلوا في بلاد متفرقة . وقال
مقاتل : أهبطوا متفرقين ،
[ ص: 163 ] فهبط إبليس ، قيل
بالأبلة ،
وحواء بجدة ،
وآدم بالهند ، وقيل :
بسرنديب بجبل يقال له : واسم . وقيل : كان غذاؤه جوز
الهند ، وكان السحاب يمسح رأسه فأورث ولده الصلع . وهذا لا يصح إذ لو كان كذلك لكان أولاده كلهم صلعا .
وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : أن الحية أهبطت
بنصيبين . وروى
الثعلبي :
بأصبهان ،
والمسعودي :
بسجستان ، وهي أكثر بلاد الله حيات . وقيل :
ببيسان . وقيل : كان هذا الهبوط الأول من الجنة إلى سماء الدنيا . وقيل : لما نزل
آدم بسرنديب من
الهند ومعه ريح الجنة ، علق بشجرها وأوديتها ، فامتلأ ما هناك طيبا ، فمن ثم يؤتى بالطيب من ريح
آدم عليه السلام . وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=11890أبو الفرج بن الجوزي في إخراجه كيفية ضربنا صفحا عن ذكرها ، قال : وأدخل
آدم في الجنة ضحوة ، وأخرج منها بين الصلاتين ، فمكث فيها نصف يوم ، والنصف خمسمائة عام ، مما يعد أهل الدنيا ، والأشبه أن قوله : ( اهبطوا ) أمر تكليف ; لأن فيه مشقة شديدة بسبب ما كانا فيه من الجنة ، إلى مكان لا تحصل فيه المعيشة إلا بالمشقة ، وهذا يبطل قول من ظن أن ذلك عقوبة ; لأن التشديد في التكليف يكون بسبب الثواب . فكيف يكون عقابا مع ما في هبوطه وسكناه الأرض من ظهور حكمته الأزلية في ذلك ، وهي نشر نسله فيها ليكلفهم ويرتب على ذلك ثوابهم وعقابهم في جنة ونار . وكانت تلك الأكلة سبب هبوطه ، والله يفعل ما يشاء . وأمره بالهبوط إلى الأرض بعد أن تاب عليه لقوله ثانية : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=36وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ) ، إن كان المخاطبون
آدم وحواء وذريتهما ، كما قال
مجاهد ، فالمراد ما عليه الناس من التعادي وتضليل بعضهم لبعض ، والبعضية موجودة في ذريتهما ; لأنه ليس كلهم يعادي كلهم ، بل البعض يعادي البعض ، وإن كان معهما إبليس أو الحية ، كما قاله
مقاتل ، فليس بعض ذريتهما يعادي ذرية
آدم ، بل كلهم أعداء لكل بني
آدم . ولكن يتحقق هذا بأن جعل المأمورون بالهبوط شيئا واحدا وجزئوا أجزاء ، فكل جزء منها جزء من الذين هبطوا ، والجزء يطلق عليه البعض فيكون التقدير : كل جنس منكم معاد للجنس المباين له .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج :
nindex.php?page=treesubj&link=28798إبليس عدو للمؤمنين وهم أعداؤه . وقيل معناه : عداوة نفس الإنسان له وجوارحه ، وهذا فيه بعد ، وهذه الجملة في موضع الحال ، أي اهبطوا متعادين ، والعامل فيها اهبطوا . فصاحب الحال الضمير في اهبطوا ، ولم يحتج إلى الواو لإغناء الرابط عنها ، واجتماع الواو والضمير في الجملة الاسمية الواقعة حالا أكثر من انفراد الضمير . وفي كتاب الله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=60ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة ) ، وليس مجيئها بالضمير دون الواو شاذا ، خلافا
للفراء ومن وافقه
nindex.php?page=showalam&ids=14423كالزمخشري . وقد روى
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه عن العرب كلمته فوه إلى في ، ورجع عوده على بدئه ، وخرجه على وجهين : أحدهما : أن ( عوده ) مبتدأ و ( على بدئه ) خبر ، والجملة حال ، وهو كثير في لسان العرب ، نظمها ونثرها ، فلا يكون ذلك شاذا . وأجاز
nindex.php?page=showalam&ids=17141مكي بن أبي طالب أن تكون الجملة مستأنفة ، إخبارا من الله تعالى بأن بعضهم لبعض عدو ، فلا يكون في موضع الحال ، وكأنه فر من الحال ; لأنه تخيل أنه يلزم من القيد في الأمر أن يكون مأمورا به ، أو كالمأمور . ألا ترى أنك إذا قلت : قم ضاحكا كان المعنى الأمر بإيقاع القيام مصحوبا بالحال ، فيكون مأمورا بها أو كالمأمور ; لأنك لم تسوغ له القيام إلا في حال الضحك وما يتوصل إلى فعل المأمور إلا به مأمور به ، والله تعالى لا يأمر بالعداوة ولا يلزم ما يتخيل من ذلك ; لأن الفعل إذا كان مأمورا به من يسند إليه في حال من أحواله ، لم تكن تلك الحال مأمورا بها ; لأن النسبة الحالية هي لنسبة تقييدية لا نسبة إسنادية . فلو كانت مأمورا بها إذا كان العامل فيها أمرا ، فلا يسوغ ذلك هنا ; لأن الفعل المأمور به إذا كان لا يقع في الوجود إلا بذلك القيد ولا يمكن خلافه ؛ لم يكن ذلك القيد مأمورا به ; لأنه ليس داخلا في حيز التكليف ، وهذه الحال من هذا النوع ، فلا يلزم أن يكون الله
[ ص: 164 ] أمر بها ، وهذه الحال من الأحوال اللازمة . وقوله : لبعض متعلق بقوله عدو ، واللام مقوية لوصول ( عدو ) إليه ، وأفرد ( عدو ) على لفظ ( بعض ) أو لأنه يصلح للجمع ، كما سبق ذكر ذلك عند الكلام على ( بعض ) وعلى ( عدو ) حالة الإفراد .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=36ولكم في الأرض مستقر ) : مبتدأ وخبر . لكم هو الخبر ، وفي الأرض متعلق بالخبر ، وحقيقته أنه معمول للعامل في الخبر ، والخبر هنا مصحح لجواز الابتداء بالنكرة ، ولا يجوز ( في الأرض ) أن يتعلق ب ( مستقر ) سواء كان يراد به مكان استقرار كما قاله
أبو العالية وابن زيد ، أو المصدر ، أي : استقرار ، كما قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي ; لأن اسم المكان لا يعمل ، ولأن المصدر الموصول لا يجوز بعضهم تقديم معموله عليه ، ولا يجوز في الأرض أن يكون خبرا ، ولكم متعلق ب ( مستقر ) لما ذكرناه ، أو في موضع الحال من مستقر ; لأن العامل إذ ذاك فيها يكون الخبر ، وهو عامل معنوي ، والحال متقدمة على جزأي الإسناد ، فلا يجوز ذلك ، وصار نظير : قائما زيد في الدار ، أو قائما في الدار زيد ، وهو لا يجوز بإجماع . مستقر : أي مكان استقراركم حالتي الحياة والموت ، وقيل : هو القبر ، أو استقرار ، كما تقدم شرحه .
( ومتاع ) : المتاع ما استمتع به من المنافع ، أو الزاد ، أو الزمان الطويل ، أو التعمير . ( إلى حين ) : إلى الموت ، أو إلى قيام الساعة ، أو إلى أجل قد علمه الله ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس . ويتعلق إلى بمحذوف ، أي : ومتاع كائن إلى حين ، أو بمتاع ، أي واستمتاع إلى حين ، وهو من باب الإعمال ، أعمل فيه الثاني ولم يحتج إلى إضمار في الأول ; لأن متعلقه فضلة ، فالأولى حذفه ، ولا جائز أن يكون من إعمال الأول ; لأن الأولى أن لا يحذف من الثاني ، والأحسن حمل القرآن على الأولى ، والأفصح لا يقال إنه لا يجوز أن يكون من باب الإعمال ، وإن كان كل من ( مستقر ومتاع ) يقتضيه من جهة المعنى بسبب أن الأول لا يجوز أن يتعلق به إلى حين ; لأنه يلزم من ذلك الفصل بين المصدر ومعموله بالمعطوف ، والمصدر موصول فلا يفصل بينه وبين معموله ; لأن المصدر هنا لا يكون موصولا ، وذلك أن المصدر منه ما يلحظ فيه الحدوث فيتقدر بحرف مصدري مع الفعل ، وهذا هو الموصول ، وإنما كان موصولا باعتبار تقديره بذلك الحرف الذي هو موصول بالفعل ، وإلا فالمصدر من حيث هو مصدر لا يكون موصولا ، ومنه ما لا يلحظ فيه الحدوث ، نحو قوله : لزيد معرفة بالنحو ، وبصر بالطب ، وله ذكاء ذكاء الحكماء ، فمثل هذا لا يتقدر بحرف مصدري والفعل ، حتى ذكر النحويون أن هذا المصدر إذا أضيف لم يحكم على الاسم بعده ، لا برفع ولا بنصب ، قالوا : فإذا قلت : يعجبني قيام زيد ، فزيد فاعل القيام تأويله يعجبني أن يقوم زيد ، وممكن أن زيدا يعرا منه القيام ، ولا يقصد فيه إلى إفادة المخاطب أنه فعل القيام فيما مضى ، أو يفعله فيما يستقبل ، بل تكون النية في الإخبار كالنية في : يعجبني خاتم زيد المحدود المعروف بصاحبه والمخفوض بالمصدر . على هذه الطريقة لا يقضى عليه برفع ، ولا يؤكد ، ولا ينعت ، ولا يعطف عليه إلا بمثل ما يستعمل مع المخفوضات الصحاح . انتهى .
فأنت ترى تجويزهم أن لا يكون موصولا مع المصدر الذي يمكن أن يكون موصولا ، وهو قولهم : يعجبني قيام زيد ، فكيف مع ما لا يجوز أن يكون موصولا نحو ما مثلنا به من قوله : له ذكاء ذكاء الحكماء ، وبصر بالطب ، ونحو ذلك ، فكذلك يكون مستقر ومتاع من قبيل ما لا يكون موصولا . ولا يمتنع أن يعمل في الجار والمجرور ، وإن لم يكن موصولا ، كما مثلنا في قوله : له معرفة بالنحو ; لأن الظرف والجار والمجرور يعمل فيهما روائح الأفعال ، حتى الأسماء الأعلام ، نحو قولهم : أنا أبو المنهال بعض الأحيان ، وأنا ابن ماوية إذ جد النقر ، وأما أن تعمل في الفاعل ، أو المفعول به فلا . وأما إذا قلنا بمذهب الكوفيين ، وهو أن المصدر إذا نون ، أو دخلت عليه الألف واللام ، تحققت له الاسمية وزال عنه تقدير الفعل ، فانقطع عن أن يحدث إعرابا ، وكانت قصته قصة زيد وعمرو والرجل والثوب ، فيمكن أيضا أن يخرج عليه قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=36مستقر ومتاع إلى حين ) ،
[ ص: 165 ] ولا يبعد على هذا التقدير تعلق الجار والمجرور بكل منهما ; لأنه يتسع فيهما ما لا يتسع في غيرهما ، ولأن المصدر إذ ذاك لا يكون بأبعد في العمل في الظرف أو المجرور من الاسم العلم ، ويمكن أن يفسر قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=36مستقر ومتاع إلى حين ) بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=25قال فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون ، وفي قوله : ( إلى حين ) دليل على عدم البقاء في الأرض ، ودليل على المعاد ، وفي هذه الآية التحذير عن مخالفة أمر الله بقصد أو تأويل ، وأن المخالفة تزيل عن مقام الولاية .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=36nindex.php?page=treesubj&link=28973فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=37فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=38قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=39وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) .
أَزَلَّ : مِنَ الزَّلَلِ ، وَهُوَ عُثُورُ الْقَدَمِ . يُقَالُ : زَلَّتْ قَدَمُهُ ، وَزَلَّتْ بِهِ النَّعْلُ . وَالزَّلَلُ فِي الرَّأْيِ وَالنَّظَرِ مَجَازٌ ، وَأَزَالَ : مِنَ الزَّوَالِ ، وَأَصْلُهُ التَّنْحِيَةُ . وَالْهَمْزَةُ فِي كِلَا الْفِعْلَيْنِ لِلتَّعْدِيَةِ . الْهُبُوطُ : هُوَ النُّزُولُ ، مَصْدَرُ هَبَطَ ، وَمُضَارِعُهُ يَهْبِطُ وَيَهْبُطُ بِكَسْرِ الْبَاءِ وَضَمِّهَا ، وَالْهَبُوطُ بِالْفَتْحِ : مَوْضِعُ النُّزُولِ . وَقَالَ
الْمُفَضَّلُ : الْهَبُوطُ : الْخُرُوجُ عَنِ الْبَلْدَةِ ، وَهُوَ أَيْضًا الدُّخُولُ فِيهَا مِنَ الْأَضْدَادِ ، وَيُقَالُ فِي انْحِطَاطِ الْمَنْزِلَةِ مَجَازًا ، وَلِهَذَا قَالَ
الْفَرَّاءُ : الْهَبُوطُ : الذُّلُّ ، قَالَ
لَبِيدٌ :
إِنْ يُغْبَطُوا يُهْبَطُوا يَوْمًا وَإِنْ أَمِرُوا
بَعْضٌ : أَصْلُهُ مَصْدَرُ بَعَضَ يَبْعَضُ بَعْضًا ، أَيْ قَطَعَ ، وَيُطْلَقُ عَلَى الْجُزْءِ ، وَيُقَابِلُهُ كُلُّ ، وَهُمَا مَعْرِفَتَانِ لِصُدُورِ الْحَالِ مِنْهُمَا فِي فَصِيحِ الْكَلَامِ ، قَالُوا : مَرَرْتُ بِبَعْضٍ قَائِمًا ، وَبِكُلٍّ جَالِسًا ، وَيُنْوَى فِيهِمَا الْإِضَافَةُ ، فَلِذَلِكَ لَا تَدْخُلَ عَلَيْهِمَا الْأَلِفُ وَاللَّامُ ، وَلِذَلِكَ خَطَّأُوا
nindex.php?page=showalam&ids=14417أَبَا الْقَاسِمِ الزَّجَّاجِيَّ فِي قَوْلِهِ : وَيُبْدَلُ الْبَعْضُ مِنَ الْكُلِّ ، وَيَعُودُ الضَّمِيرُ عَلَى بَعْضٍ إِذَا أُرِيدَ بِهِ جَمْعٌ ، مُفْرَدًا وَمَجْمُوعًا . وَكَذَلِكَ الْخَبَرُ وَالْحَالُ وَالْوَصْفُ يَجُوزُ إِفْرَادُهُ إِذْ ذَاكَ وَجَمْعُهُ .
الْعَدُوُّ : مِنَ الْعَدَاوَةِ ، وَهِيَ مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ ،
[ ص: 160 ] يُقَالُ : عَدَا فُلَانٌ طَوْرَهُ : إِذَا جَاوَزَهُ ، وَقِيلَ : الْعَدَاوَةُ ، التَّبَاعُدُ بِالْقُلُوبِ مِنْ عُدْوَيِ الْجَبَلِ ، وَهُمَا طَرَفَاهُ ، سُمِّيَا بِذَلِكَ لِبُعْدِ مَا بَيْنَهُمَا ، وَقِيلَ : مِنْ عَدَا ، أَيْ ظَلَمَ ، وَكُلُّهَا مُتَقَارِبَةٌ فِي الْمَعْنَى . وَالْعَدُوُّ يَكُونُ لِلْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ وَالْجَمْعِ ، وَالْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ ، وَقَدْ جُمِعَ فَقِيلَ : أَعْدَاءٌ ، وَقَدْ أُنِّثَ فَقَالُوا : عَدُوَّةٌ ، وَمِنْهُ : أَيْ عَدُوَّاتِ أَنْفُسِهِنَّ . وَقَالَ
الْفَرَّاءُ : قَالَتِ الْعَرَبُ لِلْمَرْأَةِ : عَدُوَّةُ اللَّهِ ، وَطَرَحَ بَعْضُهُمُ الْهَاءَ . الْمُسْتَقَرُّ : مُسْتَفْعَلٌ مِنَ الْقَرَارِ ، وَهُوَ اللُّبْثُ وَالْإِقَامَةُ ، وَيَكُونُ مَصْدَرًا وَزَمَانًا وَمَكَانًا ; لِأَنَّهُ مِنْ فِعْلٍ زَائِدٍ عَلَى ثَلَاثَةِ أَحْرُفِ ، فَيَكُونُ لِمَا ذُكِرَ بِصُورَةِ الْمَفْعُولَ ، وَلِذَلِكَ سُمِّيَتِ الْأَرْضُ : الْقَرَارَةُ ، قَالَ الشَّاعِرُ :
جَادَتْ عَلَيْهِ كُلُّ عَيْنٍ ثَرَّةٍ فَتَرَكْنَ كُلَّ قَرَارَةٍ كَالدِّرْهَمِ
وَاسْتَفْعَلَ فِيهِ : بِمَعْنَى فَعَلَ ، اسْتَقَرَّ وَقَرَّ بِمَعْنًى . الْمَتَاعُ : الْبُلْغَةُ ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ مَتَعَ النَّهَارُ : إِذَا ارْتَفَعَ ، فَيَنْطَلِقُ عَلَى مَا يَتَحَصَّلُ لِلْإِنْسَانِ مِنْ عَرَضَ الدُّنْيَا ، وَيُطْلَقُ عَلَى الزَّادِ وَعَلَى الِانْتِفَاعِ بِالنِّسَاءِ ، وَمِنْهُ ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=24فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ ) ، وَنِكَاحُ الْمُتْعَةِ ، وَعَلَى الْكُسْوَةِ ، ( وَمَتِّعُوهُنَّ ) ، وَعَلَى التَّعْمِيرِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=3يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا ) ، قَالُوا : وَمِنْهُ أَمْتَعَ اللَّهُ بِكَ ، أَيْ أَطَالَ اللَّهُ الْإِينَاسَ بِكَ ، وَكُلُّهُ رَاجِعٌ لِمَعْنَى الْبُلْغَةِ .
الْحِينُ : الْوَقْتُ وَالزَّمَانُ ، وَلَا يَتَخَصَّصُ بِمُدَّةٍ ، بَلْ وُضِعَ الْمُطْلَقُ مِنْهُ . تَلَّقَّى : تَفَعَّلَ مِنَ اللِّقَاءِ ، نَحْوَ تَعَدَّى مِنَ الْعَدْوِ ، قَالُوا : أَوْ بِمَعْنَى اسْتَقْبَلَ ، وَمِنْهُ : تَلَقَّى فُلَانٌ فُلَانًا اسْتَقْبَلَهُ . وَيَتَلَقَّى الْوَحْيَ : أَيْ يَسْتَقْبِلُهُ وَيَأْخُذُهُ وَيَتَلَقَّفُهُ ، وَخَرَجْنَا نَتَلَقَّى الْحَجِيجَ : نَسْتَقْبِلُهُمْ ، وَقَالَ
الشَّمَّاخُ :
إِذَا مَا رَايَةٌ رُفِعَتْ لِمَجْدٍ تَلَقَّاهَا عُرَابَةُ بِالْيَمِينِ
وَقَالَ
الْقَفَّالُ : التَّلَقِّي : التَّعَرُّضُ لِلِّقَاءِ ، ثُمَّ يُوضَعُ مَوْضِعَ الْقَبُولِ وَالْأَخْذِ ، وَمِنْهُ وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ ، تَلَقَّيْتُ هَذِهِ الْكَلِمَةَ مِنْ فُلَانٍ : أَخَذْتُهَا مِنْهُ . الْكَلِمَةُ : اللَّفْظَةُ الْمَوْضُوعَةُ لِمَعْنَى ، وَالْكَلِمَةُ : الْكَلَامُ ، وَالْكَلِمَةُ : الْقَصِيدَةُ ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الْكَلِمَةِ وَالْكَلَامِ ، وَيُجْمَعُ بِحَذْفِ التَّاءِ فَيَكُونُ اسْمَ جِنْسٍ ، نَحْوَ : نَبْقَةٍ وَنَبْقٍ . التَّوْبَةُ : الرُّجُوعُ ، تَابَ يَتُوبُ تَوْبًا وَتَوْبَةً وَمَتَابًا ، فَإِذَا عُدِّيَ بِعَلَى ضُمِّنَ مَعْنَى الْعَطْفِ . تَبِعَ : بِمَعْنَى لَحِقَ ، وَبِمَعْنَى تَلَا ، وَبِمَعْنَى اقْتَدَى . وَالْخَوْفُ : الْفَزَعُ ، خَافَ يَخَافُ خَوْفًا وَتَخَوَّفَ تَخَوُّفًا ، فَأَفْزَعَ ، وَيَتَعَدَّى بِالْهَمْزِ وَبِالتَّضْعِيفِ ، وَيَكُونُ لِلْأَمْرِ الْمُسْتَقْبَلِ . وَأَصْلُ الْحُزْنِ : غِلَظُ الْهَمِّ ، مَأْخُوذٌ مِنَ الْحُزْنِ : وَهُوَ مَا غَلُظَ مِنَ الْأَرْضِ ، يُقَالُ : حَزِنَ يَحْزَنُ حُزْنًا وَحَزَنًا ، وَيُعَدَّى بِالْهَمْزَةِ وَبِالْفُتْحَةِ ، نَحْوَ : شُتِرَتْ عَيْنُ الرَّجُلِ ، وَشَتَرَهَا اللَّهُ ، وَفِي التَّعْدِيَةِ بِالْفَتْحَةِ خِلَافٌ ، وَيَكُونُ لِلْأَمْرِ الْمَاضِي . الْآيَةُ : الْعَلَامَةُ ، وَيَجْمَعُ آيًا وَآيَاتٍ ، قَالَ
النَّابِغَةُ :
تَوَهَّمْتُ آيَاتٍ لَهَا فَعَرَفْتُهَا لِسِتَّةِ أَعْوَامٍ وَذَا الْعَامُ سَابِعُ
وَوَزْنُهَا عِنْدَ
الْخَلِيلِ nindex.php?page=showalam&ids=16076وَسِيبَوَيْهِ : فَعْلَةٌ ، فَأُعِلَّتِ الْعَيْنُ وَسَلِمَتِ اللَّامُ شُذُوذًا وَالْقِيَاسُ الْعَكْسُ . وَعِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=15080الْكِسَائِيِّ : فَاعِلَةٌ ، حُذِفَتِ الْعَيْنُ لِئَلَّا يَلْزَمُ فِيهِ مِنَ الْإِدْغَامِ مَا لَزِمَ فِي دَابَّةٍ ، فَتَثْقُلُ ، وَعِنْدَ
الْفَرَّاءِ : فَعْلَةٌ ، فَأُبْدِلَتِ الْعَيْنُ أَلِفًا اسْتِثْقَالًا لِلتَّضْعِيفِ ، كَمَا أُبْدِلَتْ فِي قِيرَاطٍ وَدِيوَانٍ ، وَعِنْدَ بَعْضِ الْكُوفِيِّينَ : فِعْلَةٌ : اسْتُثْقِلَ التَّضْعِيفُ فَقُلِبَتِ الْفَاءُ الْأُولَى أَلِفًا ; لِانْكِسَارِهَا وَتَحَرُّكِ مَا قَبْلَهَا ، وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ يُنْهَى الْكَلَامُ عَلَيْهَا فِي عِلْمِ التَّصْرِيفِ . الصُّحْبَةُ : الِاقْتِرَانُ ، صَحِبَ يَصْحَبُ ، وَالْأَصْحَابُ : جَمْعُ صَاحِبٍ ، وَجَمْعُ فَاعِلٍ عَلَى أَفْعَالٍ شَاذٌّ ، وَالصُّحْبَةُ وَالصَّحَابَةُ : أَسْمَاءُ جُمُوعٍ ، وَكَذَا صَحِبَ عَلَى الْأَصَحِّ خِلَافًا لِلْأَخْفَشِ ، وَهِيَ لِمُطْلَقِ الِاقْتِرَانِ فِي زَمَانٍ مَا .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=36فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا ) : الْهَمْزَةُ : كَمَا تَقَدَّمَ فِي ( أَزَلَّ ) لِلتَّعْدِيَةِ ، وَالْمَعْنَى : جَعَلَهُمَا زَلَّا بِإِغْوَائِهِ وَحَمَلَهَمَا عَلَى أَنْ زَلَّا وَحَصَلَا فِي الزَّلَّةِ ، هَذَا أَصْلُ هَمْزَةِ التَّعْدِيَةِ . وَقَدْ تَأْتِي بِمَعْنَى جَعَلَ أَسْبَابَ الْفِعْلِ ، فَلَا يَقَعُ إِذْ ذَاكَ الْفِعْلُ . تَقُولُ : أَضْحَكْتُ زَيْدًا فَمَا ضَحِكَ وَأَبْكَيْتُهُ فَمَا بَكَى ، أَيْ جَعَلْتُ لَهُ أَسْبَابَ الضَّحِكِ وَأَسْبَابَ الْبُكَاءِ فَمَا تَرَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ ضَحِكُهُ وَلَا بُكَاؤُهُ ، وَالْأَصْلُ هُوَ الْأَوَّلُ ، وَقَالَ الشَّاعِرُ :
كُمَيْتٍ يَزِلُّ اللِّبْدُ عَنْ حَالِ مَتْنِهِ كَمَا زَلَّتِ الصَّفْوَاءُ بِالْمُتَنَزِّلِ
[ ص: 161 ] مَعْنَاهُ فِيمَا يَشْرَحُ الشُّرَّاحُ ، يَزِلُّ اللِّبْدُ : يَزْلِقُهُ عَنْ وَسَطِ ظَهْرِهِ ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ :
يَزِلُّ الْغُلَامُ الْخُفَّ عَنْ صَهَوَاتِهِ
أَيْ يَزْلِقُهُ .
وَقِيلَ ( أَزَلَّهُمَا ) أَبْعَدَهُمَا . تَقُولُ : زَلَّ عَنْ مَرْتَبَتِهِ ، وَزَلَّ عَنِّي ذَاكَ ، وَزَلَّ مِنَ الشَّهْرِ كَذَا ؛ أَيْ : ذَهَبَ وَسَقَطَ ، وَهُوَ قَرِيبٌ مِنَ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ ; لِأَنَّ الزَّلَّةَ هِيَ سُقُوطٌ فِي الْمَعْنَى ، إِذْ فِيهَا خُرُوجُ فَاعِلِهَا عَنْ طَرِيقِ الِاسْتِقَامَةِ ، وَبُعْدُهُ عَنْهَا . فَهَذَا جَاءَ عَلَى الْأَصْلِ مِنْ تَعْدِيَةِ الْهَمْزَةِ . وَقَرَأَ
الْحَسَنُ وَأَبُو رَجَاءٍ وَحَمْزَةُ : فَأَزَالَهُمَا ، وَمَعْنَى الْإِزَالَةِ : التَّنْحِيَةُ . وَرُوِيَ عَنْ
حَمْزَةَ وَأَبِي عُبَيْدَةَ إِمَالَةُ فَأَزَالَهُمَا .
وَالشَّيْطَانُ : هُوَ إِبْلِيسُ بِلَا خِلَافٍ هُنَا . وَحَكَوْا أَنَّ
عَبْدَ اللَّهِ قَرَأَ ، فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا ، وَهَذِهِ الْقِرَاءَةُ مُخَالِفَةٌ لِسَوَادِ الْمُصْحَفِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ تَفْسِيرًا ، وَكَذَا مَا وَرَدَ عَنْهُ وَعَنْ غَيْرِهِ مِمَّا خَالَفَ سَوَادَ الْمُصْحَفِ . وَأَكْثَرُ قِرَاءَاتِ
عَبْدِ اللَّهِ إِنَّمَا تُنْسَبُ
لِلشِّيعَةِ . وَقَدْ قَالَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا : إِنَّهُ صَحَّ عِنْدَنَا بِالتَّوَاتُرِ قِرَاءَةُ
عَبْدُ اللَّهِ عَلَى غَيْرِ مَا يُنْقَلُ عَنْهُ مِمَّا وَافَقَ السَّوَادَ ، فَتِلْكَ إِنَّمَا هِيَ آحَادٌ ، وَذَلِكَ عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهَا ، فَلَا تُعَارِضُ مَا ثَبَتَ بِالتَّوَاتُرِ .
وَفِي كَيْفِيَّةِ تَوَصُّلِ إِبْلِيسَ إِلَى إِغْوَائِهِمَا حَتَّى أَكَلَا مِنَ الشَّجَرَةِ أَقَاوِيلُ : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنُ مَسْعُودٍ nindex.php?page=showalam&ids=11وَابْنُ عَبَّاسٍ وَالْجُمْهُورُ : شَافَهَهُمَا بِدَلِيلِ ( وَقَاسَمَهُمَا ) قِيلَ :
nindex.php?page=treesubj&link=28798فَدَخَلَ إِبْلِيسُ الْجَنَّةَ عَلَى طَرِيقِ الْوَسْوَسَةِ ابْتِلَاءً لِآدَمَ وَحَوَّاءَ ، وَقِيلَ : دَخَلَ فِي جَوْفِ الْحَيَّةِ . وَذَكَرُوا كَيْفَ كَانَتْ خِلْقَةُ الْحَيَّةِ وَمَا صَارَتْ إِلَيْهِ ، وَكَيْفَ كَانَتْ مُكَالَمَةُ إِبْلِيسَ
لِآدَمَ . وَقَدْ قَصَّهَا اللَّهُ تَعَالَى أَحْسَنَ الْقَصَصِ وَأَصْدَقَهُ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ وَغَيْرِهَا . وَقِيلَ : لَمْ يَدْخُلْ إِبْلِيسُ الْجَنَّةَ ، بَلْ كَانَ يَدْنُو مِنَ السَّمَاءِ فَيُكَلِّمُهُمَا . وَقِيلَ : قَامَ عِنْدَ الْبَابِ فَنَادَى ، وَقِيلَ : لَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ بَلْ كَانَ ذَلِكَ بِسُلْطَانِهِ الَّذِي ابْتُلِيَ بِهِ آدَمُ وَذُرِّيَّتُهُ ، كَقَوْلِ النَّبِيِّ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10371595إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنِ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ " . وَقِيلَ : خَاطَبَهُ مِنَ الْأَرْضِ وَلَمْ يَصْعَدْ إِلَى السَّمَاءِ بَعْدَ الطَّرْدِ وَاللَّعْنِ ، وَكَانَ خِطَابُهُ وَسْوَسَةً ، وَقَدْ أَكْثَرَ الْمُفَسِّرُونَ فِي نَقْلِ قَصَصٍ كَثِيرٍ فِي قِصَّةِ
آدَمَ وَحَوَّاءَ وَالْحَيَّةِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِذَلِكَ ، وَتَكَلَّمُوا فِي كَيْفِيَّةِ حَالِهِ حِينَ أَكَلَ مِنَ الشَّجَرَةِ ، أَكَانَ ذَلِكَ فِي حَالِ التَّعَمُّدِ ، أَمْ فِي حَالِ غَفْلَةِ الذِّهْنِ عَنِ النَّهْيِ بِنِسْيَانٍ ، أَمْ بِسُكْرٍ مِنْ خَمْرِ الْجَنَّةِ ، كَمَا ذَكَرُوا عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=15990سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ . وَمَا أَظُنُّهُ يَصِحُّ عَنْهُ ; لِأَنَّ خَمْرَ الْجَنَّةِ ، كَمَا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=47لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ ) إِلَّا إِنْ كَانَتِ الْجَنَّةُ فِي الْأَرْضِ ، عَلَى مَا فَسَّرَهُ بَعْضُهُمْ ، فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ خَمْرُهَا بِسُكْرٍ . وَالَّذِينَ قَالُوا بِالْعَمْدِ ، قَالُوا : كَانَ النَّهْيُ نَهْيَ تَنْزِيهٍ ، وَقِيلَ : كَانَ مَعَهُ مِنَ الْفَزَعِ عِنْدَ إِقْدَامِهِ مَا صَيَّرَ هَذَا الْفِعْلَ صَغِيرَةً . وَقِيلَ : فَعَلَهُ اجْتِهَادًا ، وَخَالَفَ لِأَنَّهُ تَقَدَّمَ أَنَّ الْإِشَارَةَ إِلَى الشَّخْصِ لَا إِلَى النَّوْعِ ، فَتَرَكَهَا وَأَكَلَ أُخْرَى . وَالِاجْتِهَادُ فِي الْفُرُوعِ لَا يُوجِبُ الْعِقَابَ . وَقِيلَ كَانَ الْأَكْلُ كَبِيرَةً ، وَقِيلَ : أَتَاهُمَا إِبْلِيسُ فِي غَيْرِ صُورَتِهِ الَّتِي يَعْرِفَانِهَا ، فَلَمْ يَعْرِفَاهُ ، وَحَلِفَ لَهُمَا أَنَّهُ نَاصِحٌ . وَقِيلَ : نَسِيَ عَدَاوَةَ إِبْلِيسَ ، وَقِيلَ : يَجُوزُ أَنْ يَتَأَوَّلَ
آدَمُ ( وَلَا تَقْرَبَا ) أَنَّهُ نَهْيٌ عَنِ الْقُرْبَانِ مُجْتَمِعِينَ ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ لِكُلِّ وَاحِدٍ أَنْ يَقْرَبَ ، وَالَّذِي يُسْلَكُ فِيمَا اقْتَضَى ظَاهِرُهُ بَعْضَ مُخَالَفَةٍ : تَأْوِيلُهُ عَلَى أَحْسَنِ مَحْمَلٍ ، وَتَنْزِيهُ الْأَنْبِيَاءِ عَنِ النَّقَائِصِ . وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى مَا يَرِدُ مِنْ ذَلِكَ ، وَتَأْوِيلُهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَلِيقُ ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ .
وَفِي ( الْمُنْتَخَبِ ) لِلْإِمَامِ
nindex.php?page=showalam&ids=15199أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْفَضْلِ الْمُرْسِيِّ مَا مُلَخَّصُهُ : مَنَعَتِ الْأُمَّةُ
nindex.php?page=treesubj&link=28751_21376وُقُوعَ الْكُفْرِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ ، عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ، إِلَّا الْفَضِيلِيَّةَ مِنَ
الْخَوَارِجِ ، قَالُوا : وَقَدْ وَقَعَ مِنْهُمْ ذُنُوبٌ ، وَالذَّنْبُ عِنْدَهُمْ كُفْرٌ ، وَأَجَازَ
الْإِمَامِيَّةُ إِظْهَارَ الْكُفْرِ مِنْهُمْ عَلَى سَبِيلِ التَّقِيَّةِ ، وَاجْتَمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى عِصْمَتِهِمْ مِنَ الْكَذِبِ وَالتَّحْرِيفِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالتَّبْلِيغِ ، فَلَا يَجُوزُ عَمْدًا وَلَا سَهْوًا ، وَمِنَ النَّاسِ مِنْ جَوَّزَ ذَلِكَ سَهْوًا ، وَأَجْمَعُوا عَلَى امْتِنَاعِ خَطَئِهِمْ فِي الْفُتْيَا عَمْدًا وَاخْتَلَفُوا فِي السَّهْوِ . وَأَمَّا أَفْعَالُهُمْ فَقَالَتِ
الْحَشَوِيَّةُ : يَجُوزُ وُقُوعُ الْكَبَائِرِ مِنْهُمْ عَلَى جِهَةِ الْعَمْدِ . وَقَالَ أَكْثَرُ
الْمُعْتَزِلَةِ بِجَوَازِ الصَّغَائِرِ عَمْدًا إِلَّا فِي الْقَوْلِ ، كَالْكَذِبِ . وَقَالَ
الْجُبَّائِيُّ : يَمْتَنِعَانِ عَلَيْهِمْ إِلَّا عَلَى جِهَةِ التَّأْوِيلِ . وَقِيلَ :
[ ص: 162 ] يَمْتَنِعَانِ عَلَيْهِمْ ، إِلَّا عَلَى جِهَةِ السَّهْوِ وَالْخَطَأِ ، وَهُمْ مَأْخُوذُونَ بِذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَ مَوْضُوعًا عَنْ أُمَّتِهِمْ . وَقَالَتِ
الرَّافِضَةُ : يَمْتَنِعُ ذَلِكَ عَلَى كُلِّ جِهَةٍ . وَاخْتُلِفَ فِي وَقْتِ الْعِصْمَةِ فَقَالَتِ الرَّافِضَةُ : مِنْ وَقْتِ مَوْلِدِهِمْ ، وَقَالَ كَثِيرٌ مِنَ
الْمُعْتَزِلَةِ : مِنْ وَقْتِ النُّبُوَّةِ . وَالْمُخْتَارُ عِنْدَنَا : أَنَّهُ لَمْ يَصْدُرْ عَنْهُمْ ذَنْبٌ حَالَةَ النُّبُوَّةِ أَلْبَتَّةَ ، لَا الْكَبِيرَةَ وَلَا الصَّغِيرَةَ ; لِأَنَّهُمْ لَوْ صَدَرَ عَنْهُمُ الذَّنْبُ لَكَانُوا أَقَلَّ دَرَجَةٍ مِنْ عُصَاةِ الْأُمَّةِ ، لِعَظِيمِ شَرَفِهِمْ ، وَذَلِكَ مُحَالٌ . وَلِئَلَّا يَكُونُوا غَيْرَ مَقْبُولِي الشَّهَادَةِ ، وَلِئَلَّا يَجِبُ زَجْرُهُمْ وَإِيذَاؤُهُمْ ، وَلِئَلَّا يُقْتَدَى بِهِمْ فِي ذَلِكَ ، وَلِئَلَّا يَكُونُوا مُسْتَحِقِّينَ لِلْعِقَابِ ، وَلِئَلَّا يَفْعَلُونَ ضِدَّ مَا أَمَرُوا بِهِ ; لِأَنَّهُمْ مُصْطَفَوْنَ ، وَلِأَنَّ إِبْلِيسَ اسْتَثْنَاهُمْ فِي الْإِغْوَاءِ . انْتَهَى مَا لَخَّصْنَاهُ مِنَ الْمُنْتَخَبِ .
وَالْقَوْلُ فِي الدَّلَائِلِ لِهَذِهِ الْمَذَاهِبِ ، وَفِي إِبْطَالِ مَا يَنْبَغِي إِبْطَالُهُ مِنْهَا مَذْكُورٌ فِي كُتُبِ أُصُولِ الدِّينِ .
عَنْهَا : الضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى الشَّجَرَةِ ، وَهُوَ الظَّاهِرُ ; لِأَنَّهُ أَقْرَبُ مَذْكُورٍ . وَالْمَعْنَى : فَحَمَلَهُمَا الشَّيْطَانُ عَلَى الزَّلَّةِ بِسَبَبِهَا . وَتَكُونُ ( عَنْ ) إِذْ ذَاكَ لِلسَّبَبِ ، أَيْ أَصْدَرَ الشَّيْطَانُ زَلَّتَهُمَا عَنِ الشَّجَرَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=82وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=114وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ ) . وَقِيلَ : عَائِدٌ عَلَى الْجَنَّةِ ; لِأَنَّهَا أَوَّلُ مَذْكُورٍ ، وَيُؤَيِّدُهُ قِرَاءَةُ
حَمْزَةَ وَغَيْرِهِ : فَأَزَالَهُمَا ، إِذْ يَبْعُدُ فَأَزَالَهُمَا الشَّيْطَانُ عَنِ الشَّجَرَةِ . وَقِيلَ : عَائِدٌ عَلَى الطَّاعَةِ ، قَالُوا : بِدَلِيلِ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=121وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ ) ، فَيَكُونُ إِذْ ذَاكَ الضَّمِيرُ عَائِدًا عَلَى غَيْرِ مَذْكُورٍ ، إِلَّا عَلَى مَا يُفْهَمُ مِنْ مَعْنَى قَوْلِهِ : ( وَلَا تَقْرَبَا ) لِأَنَّ الْمَعْنَى : أَطِيعَانِي بِعَدَمِ قُرْبَانِ هَذِهِ الشَّجَرَةِ . وَقِيلَ : عَائِدٌ عَلَى الْحَالَةِ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا مِنَ التَّفَكُّهِ وَالرَّفَاهِيَةِ وَالتَّبَوُّءِ مِنَ الْجَنَّةِ ، حَيْثُ شَاءَا ، وَمَتَى شَاءَا ، وَكَيْفَ شَاءَا بِدَلِيلِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=35وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا ) . وَقِيلَ : عَائِدٌ عَلَى السَّمَاءِ وَهُوَ بَعِيدٌ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=36فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ ) مِنَ الطَّاعَةِ إِلَى الْمَعْصِيَةِ ، أَوْ مِنْ نِعْمَةِ الْجَنَّةِ إِلَى شَقَاءِ الدُّنْيَا ، أَوْ مِنْ رِفْعَةِ الْمَنْزِلَةِ إِلَى سُفْلِ مَكَانَةِ الذَّنْبِ ، أَوْ رِضْوَانِ اللَّهِ ، أَوْ جِوَارِهِ . وَكُلُّ هَذِهِ الْأَقْوَالُ مُتَقَارِبَةٌ . قَالَ
الَمَهْدَوِيُّ : إِذَا جُعِلَ ( أَزَلَّهُمَا ) مِنْ : زَلَّ عَنِ الْمَكَانِ ، فَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=36فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ ) تَوْكِيدٌ . إِذْ قَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَزُولَا عَنْ مَكَانٍ كَانَا فِيهِ إِلَى مَكَانٍ آخَرَ مِنَ الْجَنَّةِ . انْتَهَى . وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى كَسْبِهِمَا الزَّلَّةَ لَا يَكُونُ بِإِلْقَاءٍ . قَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : وَهُنَا مَحْذُوفٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ الظَّاهِرُ ، تَقْدِيرُهُ : فَأَكَلَا مِنَ الشَّجَرَةِ ، وَيَعْنِي أَنَّ الْمَحْذُوفَ يَتَقَدَّرُ قَبْلَ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=36فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ ) ، وَنَسَبَ الْإِزْلَالَ وَالْإِزَالَةَ وَالْإِخْرَاجَ لِإِبْلِيسَ عَلَى جِهَةِ الْمَجَازِ ، وَالْفَاعِلُ لِلْأَشْيَاءِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى .
( وَقُلْنَا اهْبِطُوا ) : قَرَأَ الْجُمْهُورُ بِكَسْرِ الْبَاءِ ، وَقَرَأَ
أَبُو حَيْوَةَ : ( اهْبُطُوا ) بِضَمِّ الْبَاءِ ، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُمَا لُغَتَانِ . وَالْقَوْلُ فِي : ( وَقُلْنَا اهْبِطُوا ) مِثْلُ الْقَوْلِ فِي : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=35وَقُلْنَا يَاآدَمُ اسْكُنْ ) . وَلَمَّا كَانَ أَمْرًا بِالْهُبُوطِ مِنَ الْجَنَّةِ إِلَى الْأَرْضِ ، وَكَانَ فِي ذَلِكَ انْحِطَاطُ رُتْبَةِ الْمَأْمُورِ ، لَمْ يُؤْنِسْهُ بِالنِّدَاءِ ، وَلَا أَقْبَلَ عَلَيْهِ بِتَنْوِيهِهِ بِذِكْرِ اسْمِهِ وَالْإِقْبَالِ عَلَيْهِ بِالنِّدَاءِ ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=35وَقُلْنَا يَاآدَمُ اسْكُنْ ) وَالْمُخَاطَبُ بِالْأَمْرِ
آدَمُ وَحَوَّاءُ وَالْحَيَّةُ ، قَالَهُ
أَبُو صَالِحٍ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ ، أَوْ هَؤُلَاءِ وَإِبْلِيسُ ، قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيُّ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ ، أَوْ
آدَمُ وَإِبْلِيسُ ، قَالَهُ
مُجَاهِدٌ ، أَوْ هُمَا وَحَوَّاءُ ، قَالَهُ مُقَاتِلٌ ، أَوْ
آدَمُ وَحَوَّاءُ فَحَسْبُ ، وَيَكُونُ الْخِطَابُ بِلَفْظِ الْجَمْعِ وَإِنْ وَقَعَ عَلَى التَّثْنِيَةِ نَحْوَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=78وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ ) ، ذَكَرَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12590ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ ، أَوْ
آدَمُ وَحَوَّاءُ وَالْوَسْوَسَةُ ، قَالَهُ
الْحَسَنُ ، أَوْ
آدَمُ وَحَوَّاءُ وَذُرِّيَّتُهُمَا ، قَالَهُ
الْفَرَّاءُ ، أَوْ
آدَمُ وَحَوَّاءُ ، وَالْمُرَادُ هُمَا وَذُرِّيَّتُهُمَا ، وَرَجَّحَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ قَالَ : لِأَنَّهُمَا لَمَّا كَانَا أَصْلَ الْأِنْسِ وَمُتَشَعَّبَهُمْ جُعِلَا كَأَنَّهُمَا الْأِنْسُ كُلُّهُمْ . وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=123قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ) ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=38فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ ) الْآيَةَ ، وَمَا هُوَ إِلَّا حُكْمٌ يَعُمُّ النَّاسَ كُلَّهُمْ . انْتَهَى .
وَفِي قَوْلِ
الْفَرَّاءِ خِطَابُ مَنْ لَمْ يُوجَدْ بَعْدُ ; لِأَنَّ ذُرِّيَّتَهُمَا كَانَتْ إِذْ ذَاكَ غَيْرُ مَوْجُودَةٍ . وَفِي قَوْلِ مَنْ أَدْخَلَ إِبْلِيسَ مَعَهُمَا فِي الْأَمْرِ ضَعْفٌ ; لِأَنَّهُ كَانَ خَرَجَ قَبْلَهُمَا ، وَيَجُوزُ عَلَى ضَرْبٍ مِنَ التَّجَوُّزِ . قَالَ
كَعْبٌ وَوَهْبٌ : أُهْبِطُوا جُمْلَةً وَنَزَلُوا فِي بِلَادٍ مُتَفَرِّقَةٍ . وَقَالَ
مُقَاتِلُ : أُهْبِطُوا مُتَفَرِّقِينَ ،
[ ص: 163 ] فَهَبَطَ إِبْلِيسُ ، قِيلَ
بِالْأُبُلَّةِ ،
وَحَوَّاءُ بِجَدَّةَ ،
وَآدَمُ بِالْهِنْدِ ، وَقِيلَ :
بِسَرَنْدِيبَ بِجَبَلٍ يُقَالُ لَهُ : وَاسِمٌ . وَقِيلَ : كَانَ غِذَاؤُهُ جَوْزَ
الْهِنْدِ ، وَكَانَ السَّحَابُ يَمْسَحُ رَأْسَهُ فَأَوْرَثَ وَلَدَهُ الصَّلَعَ . وَهَذَا لَا يَصِحُّ إِذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ أَوْلَادُهُ كُلُّهُمْ صُلْعًا .
وَرُوِيَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ : أَنَّ الْحَيَّةَ أُهْبِطَتْ
بِنَصِيبِينَ . وَرَوَى
الثَّعْلَبِيُّ :
بِأَصْبَهَانَ ،
وَالْمَسْعُودِيُّ :
بِسِجِسْتَانَ ، وَهِيَ أَكْثَرُ بِلَادِ اللَّهِ حَيَّاتٍ . وَقِيلَ :
بِبِيسَانَ . وَقِيلَ : كَانَ هَذَا الْهُبُوطَ الْأَوَّلَ مِنَ الْجَنَّةِ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا . وَقِيلَ : لَمَّا نَزَلَ
آدَمُ بِسَرَنْدِيبَ مِنَ
الْهِنْدِ وَمَعَهُ رِيحُ الْجَنَّةِ ، عَلِقَ بِشَجَرِهَا وَأَوْدِيَتِهَا ، فَامْتَلَأَ مَا هُنَاكَ طِيبًا ، فَمِنْ ثَمَّ يُؤْتَى بِالطِّيبِ مِنْ رِيحِ
آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ . وَذَكَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=11890أَبُو الْفَرَجِ بْنُ الْجَوْزِيِّ فِي إِخْرَاجِهِ كَيْفِيَّةً ضَرَبْنَا صَفْحًا عَنْ ذِكْرِهَا ، قَالَ : وَأُدْخِلَ
آدَمُ فِي الْجَنَّةِ ضَحْوَةً ، وَأُخْرِجَ مِنْهَا بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ ، فَمَكَثَ فِيهَا نِصْفَ يَوْمٍ ، وَالنِّصْفُ خَمْسُمِائَةِ عَامٍ ، مِمَّا يَعُدُّ أَهْلُ الدُّنْيَا ، وَالْأَشْبَهُ أَنَّ قَوْلَهُ : ( اهْبِطُوا ) أَمْرُ تَكْلِيفٍ ; لِأَنَّ فِيهِ مَشَقَّةً شَدِيدَةً بِسَبَبِ مَا كَانَا فِيهِ مِنَ الْجَنَّةِ ، إِلَى مَكَانٍ لَا تَحْصُلُ فِيهِ الْمَعِيشَةُ إِلَّا بِالْمَشَقَّةِ ، وَهَذَا يُبْطِلُ قَوْلَ مَنْ ظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ عُقُوبَةٌ ; لِأَنَّ التَّشْدِيدَ فِي التَّكْلِيفِ يَكُونُ بِسَبَبِ الثَّوَابِ . فَكَيْفَ يَكُونُ عِقَابًا مَعَ مَا فِي هُبُوطِهِ وَسُكْنَاهُ الْأَرْضَ مِنْ ظُهُورِ حِكْمَتِهِ الْأَزَلِيَّةِ فِي ذَلِكَ ، وَهِيَ نَشْرُ نَسْلِهِ فِيهَا لِيُكَلِّفَهُمْ وَيُرَتِّبَ عَلَى ذَلِكَ ثَوَابَهُمْ وَعِقَابَهُمْ فِي جَنَّةٍ وَنَارٍ . وَكَانَتْ تِلْكَ الْأَكْلَةُ سَبَبَ هُبُوطِهِ ، وَاللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ . وَأَمَرَهُ بِالْهُبُوطِ إِلَى الْأَرْضِ بَعْدَ أَنْ تَابَ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ ثَانِيَةً : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=36وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ) ، إِنْ كَانَ الْمُخَاطِبُونَ
آدَمَ وَحَوَّاءَ وَذُرِّيَّتَهُمَا ، كَمَا قَالَ
مُجَاهِدٌ ، فَالْمُرَادُ مَا عَلَيْهِ النَّاسُ مِنَ التَّعَادِي وَتَضْلِيلِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ ، وَالْبَعْضِيَّةُ مَوْجُودَةٌ فِي ذُرِّيَّتِهِمَا ; لِأَنَّهُ لَيْسَ كُلُّهُمْ يُعَادِي كُلَّهُمْ ، بَلِ الْبَعْضُ يُعَادِي الْبَعْضَ ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُمَا إِبْلِيسُ أَوِ الْحَيَّةُ ، كَمَا قَالَهُ
مُقَاتِلُ ، فَلَيْسَ بَعْضُ ذُرِّيَّتِهِمَا يُعَادِي ذُرِّيَّةَ
آدَمَ ، بَلْ كُلُّهُمْ أَعْدَاءٌ لِكُلِّ بَنِي
آدَمَ . وَلَكِنْ يَتَحَقَّقُ هَذَا بِأَنْ جَعَلَ الْمَأْمُورُونَ بِالْهُبُوطِ شَيْئًا وَاحِدًا وَجَزِّئُوا أَجْزَاءً ، فَكُلُّ جُزْءٍ مِنْهَا جُزْءٌ مِنَ الَّذِينَ هَبَطُوا ، وَالْجُزْءُ يُطْلَقُ عَلَيْهِ الْبَعْضُ فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ : كُلُّ جِنْسٍ مِنْكُمْ مُعَادٍ لِلْجِنْسِ الْمُبَايِنِ لَهُ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزَّجَّاجُ :
nindex.php?page=treesubj&link=28798إِبْلِيسُ عَدُوٌّ لِلْمُؤْمِنِينَ وَهُمْ أَعْدَاؤُهُ . وَقِيلَ مَعْنَاهُ : عَدَاوَةُ نَفْسِ الْإِنْسَانِ لَهُ وَجَوَارِحُهُ ، وَهَذَا فِيهِ بُعْدٌ ، وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ ، أَيِ اهْبِطُوا مُتَعَادِينَ ، وَالْعَامِلُ فِيهَا اهْبِطُوا . فَصَاحِبُ الْحَالِ الضَّمِيرُ فِي اهْبِطُوا ، وَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى الْوَاوِ لِإِغْنَاءِ الرَّابِطِ عَنْهَا ، وَاجْتِمَاعُ الْوَاوِ وَالضَّمِيرِ فِي الْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ الْوَاقِعَةِ حَالًا أَكْثَرُ مِنَ انْفِرَادِ الضَّمِيرِ . وَفِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=60وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ ) ، وَلَيْسَ مَجِيئَهَا بِالضَّمِيرِ دُونَ الْوَاوِ شَاذًّا ، خِلَافًا
لِلْفَرَّاءِ وَمَنْ وَافَقَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14423كَالزَّمَخْشَرِيِّ . وَقَدْ رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ عَنِ الْعَرَبِ كَلِمَتَهُ فُوهُ إِلَى فِيَّ ، وَرَجَعَ عُودُهُ عَلَى بَدْئِهِ ، وَخَرَّجَهُ عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ ( عُودُهُ ) مُبْتَدَأٌ وَ ( عَلَى بَدْئِهِ ) خَبَرٌ ، وَالْجُمْلَةُ حَالٌ ، وَهُوَ كَثِيرٌ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ ، نُظْمُهَا وَنَثْرُهَا ، فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ شَاذًّا . وَأَجَازَ
nindex.php?page=showalam&ids=17141مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَنْ تَكُونَ الْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةً ، إِخْبَارًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى بِأَنَّ بَعْضَهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ، فَلَا يَكُونُ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ ، وَكَأَنَّهُ فَرَّ مِنَ الْحَالِ ; لِأَنَّهُ تَخَيَّلَ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنَ الْقَيْدِ فِي الْأَمْرِ أَنْ يَكُونَ مَأْمُورًا بِهِ ، أَوْ كَالْمَأْمُورِ . أَلَا تَرَى أَنَّكَ إِذَا قُلْتَ : قُمْ ضَاحِكًا كَانَ الْمَعْنَى الْأَمْرُ بِإِيقَاعِ الْقِيَامِ مَصْحُوبًا بِالْحَالِ ، فَيَكُونُ مَأْمُورًا بِهَا أَوْ كَالْمَأْمُورِ ; لِأَنَّكَ لَمْ تُسَوِّغْ لَهُ الْقِيَامَ إِلَّا فِي حَالِ الضَّحِكِ وَمَا يُتَوَصَّلُ إِلَى فِعْلِ الْمَأْمُورِ إِلَّا بِهِ مَأْمُورٌ بِهِ ، وَاللَّهُ تَعَالَى لَا يَأْمُرُ بِالْعَدَاوَةِ وَلَا يَلْزَمُ مَا يُتَخَيَّلُ مِنْ ذَلِكَ ; لِأَنَّ الْفِعْلَ إِذَا كَانَ مَأْمُورًا بِهِ مَنْ يُسْنَدُ إِلَيْهِ فِي حَالٍ مِنْ أَحْوَالِهِ ، لَمْ تَكُنْ تِلْكَ الْحَالُ مَأْمُورًا بِهَا ; لِأَنَّ النِّسْبَةَ الْحَالِيَّةَ هِيَ لَنِسْبَةٍ تَقْيِيدِيَّةٍ لَا نِسْبَةٍ إِسْنَادِيَّةٍ . فَلَوْ كَانَتْ مَأْمُورًا بِهَا إِذَا كَانَ الْعَامِلُ فِيهَا أَمْرًا ، فَلَا يُسَوَّغُ ذَلِكَ هُنَا ; لِأَنَّ الْفِعْلَ الْمَأْمُورَ بِهِ إِذَا كَانَ لَا يَقَعُ فِي الْوُجُودِ إِلَّا بِذَلِكَ الْقَيْدِ وَلَا يُمْكِنُ خِلَافُهُ ؛ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْقَيْدُ مَأْمُورًا بِهِ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ دَاخِلًا فِي حَيِّزِ التَّكْلِيفِ ، وَهَذِهِ الْحَالُ مِنْ هَذَا النَّوْعِ ، فَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ
[ ص: 164 ] أَمَرَ بِهَا ، وَهَذِهِ الْحَالُ مِنَ الْأَحْوَالِ اللَّازِمَةِ . وَقَوْلُهُ : لِبَعْضٍ مُتَعَلِّقٌ بُقُولِهِ عَدُوٌّ ، وَاللَّامُ مُقَوِّيَةٌ لِوُصُولِ ( عَدُوٌّ ) إِلَيْهِ ، وَأَفْرَدَ ( عَدُوٌّ ) عَلَى لَفْظِ ( بَعْضُ ) أَوْ لِأَنَّهُ يُصْلِحُ لِلْجَمْعِ ، كَمَا سَبَقَ ذِكْرُ ذَلِكَ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى ( بَعْضُ ) وَعَلَى ( عَدُوٌّ ) حَالَةَ الْإِفْرَادِ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=36وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ ) : مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ . لَكُمْ هُوَ الْخَبَرُ ، وَفِي الْأَرْضِ مُتَعَلِّقٌ بِالْخَبَرِ ، وَحَقِيقَتُهُ أَنَّهُ مَعْمُولٌ لِلْعَامِلِ فِي الْخَبَرِ ، وَالْخَبَرُ هُنَا مُصَحِّحٌ لِجَوَازِ الِابْتِدَاءِ بِالنَّكِرَةِ ، وَلَا يَجُوزُ ( فِي الْأَرْضِ ) أَنْ يَتَعَلَّقَ بِ ( مُسْتَقَرٌّ ) سَوَاءً كَانَ يُرَادُ بِهِ مَكَانُ اسْتِقْرَارٍ كَمَا قَالَهُ
أَبُو الْعَالِيَةِ وَابْنُ زَيْدٍ ، أَوِ الْمَصْدَرُ ، أَيْ : اسْتِقْرَارٌ ، كَمَا قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيُّ ; لِأَنَّ اسْمَ الْمَكَانِ لَا يَعْمَلُ ، وَلِأَنَّ الْمَصْدَرَ الْمَوْصُولَ لَا يُجَوِّزُ بَعْضُهُمْ تَقْدِيمَ مَعْمُولِهِ عَلَيْهِ ، وَلَا يَجُوزُ فِي الْأَرْضِ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا ، وَلَكُمْ مُتَعَلِّقٌ بِ ( مُسْتَقَرٌّ ) لِمَا ذَكَرْنَاهُ ، أَوْ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ مُسْتَقَرٌّ ; لِأَنَّ الْعَامِلَ إِذْ ذَاكَ فِيهَا يَكُونُ الْخَبَرَ ، وَهُوَ عَامِلٌ مَعْنَوِيٌّ ، وَالْحَالُ مُتَقَدِّمَةٌ عَلَى جُزْأَيِ الْإِسْنَادِ ، فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ ، وَصَارَ نَظِيرَ : قَائِمًا زَيْدٌ فِي الدَّارِ ، أَوْ قَائِمًا فِي الدَّارِ زَيْدٌ ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ بِإِجْمَاعٍ . مُسْتَقَرٌّ : أَيْ مَكَانُ اسْتِقْرَارِكُمْ حَالَتَيِ الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ ، وَقِيلَ : هُوَ الْقَبْرُ ، أَوِ اسْتِقْرَارٌ ، كَمَا تَقَدَّمَ شَرْحُهُ .
( وَمَتَاعٌ ) : الْمَتَاعُ مَا اسْتُمْتِعَ بِهِ مِنَ الْمَنَافِعِ ، أَوِ الزَّادِ ، أَوِ الزَّمَانِ الطَّوِيلِ ، أَوِ التَّعْمِيرِ . ( إِلَى حِينٍ ) : إِلَى الْمَوْتِ ، أَوْ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ ، أَوْ إِلَى أَجَلٍ قَدْ عَلِمَهُ اللَّهُ ، قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ . وَيَتَعَلَّقُ إِلَى بِمَحْذُوفٍ ، أَيْ : وَمَتَاعٌ كَائِنٌ إِلَى حِينٍ ، أَوْ بِمَتَاعٍ ، أَيْ وَاسْتِمْتَاعٍ إِلَى حِينٍ ، وَهُوَ مِنْ بَابِ الْإِعْمَالِ ، أُعْمِلُ فِيهِ الثَّانِي وَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى إِضْمَارٍ فِي الْأَوَّلِ ; لِأَنَّ مُتَعَلِّقَهُ فَضْلَةٌ ، فَالْأَوْلَى حَذْفُهُ ، وَلَا جَائِزَ أَنْ يَكُونَ مِنْ إِعْمَالِ الْأَوَّلِ ; لِأَنَّ الْأَوْلَى أَنْ لَا يُحْذَفَ مِنَ الثَّانِي ، وَالْأَحْسَنُ حَمْلُ الْقُرْآنِ عَلَى الْأَوْلَى ، وَالْأَفْصَحُ لَا يُقَالُ إِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ الْإِعْمَالِ ، وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْ ( مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ ) يَقْتَضِيهِ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى بِسَبَبِ أَنَّ الْأَوَّلِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ إِلَى حِينٍ ; لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ الْفَصْلُ بَيْنَ الْمَصْدَرِ وَمَعْمُولِهِ بِالْمَعْطُوفِ ، وَالْمَصْدَرُ مَوْصُولٌ فَلَا يُفْصَلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَعْمُولِهِ ; لِأَنَّ الْمَصْدَرَ هُنَا لَا يَكُونُ مَوْصُولًا ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَصْدَرَ مِنْهُ مَا يُلْحَظُ فِيهِ الْحُدُوثُ فَيُتَقَدَّرُ بِحَرْفٍ مَصْدَرِيٍّ مَعَ الْفِعْلِ ، وَهَذَا هُوَ الْمَوْصُولُ ، وَإِنَّمَا كَانَ مَوْصُولًا بِاعْتِبَارِ تَقْدِيرِهِ بِذَلِكَ الْحَرْفِ الَّذِي هُوَ مَوْصُولٌ بِالْفِعْلِ ، وَإِلَّا فَالْمَصْدَرُ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَصْدَرٌ لَا يَكُونُ مَوْصُولًا ، وَمِنْهُ مَا لَا يُلْحَظُ فِيهِ الْحُدُوثُ ، نَحْوَ قَوْلِهِ : لِزَيْدٍ مَعْرِفَةٌ بِالنَّحْوِ ، وَبَصَرٌ بِالطِّبِّ ، وَلَهُ ذَكَاءٌ ذَكَاءُ الْحُكَمَاءِ ، فَمِثْلَ هَذَا لَا يُتَقَدَّرُ بِحَرْفٍ مَصْدَرِيٍّ وَالْفِعْلِ ، حَتَّى ذَكَرَ النَّحْوِيُّونَ أَنَّ هَذَا الْمَصْدَرَ إِذَا أُضِيفَ لَمْ يَحْكُمْ عَلَى الِاسْمِ بَعْدَهُ ، لَا بِرَفْعٍ وَلَا بِنَصْبٍ ، قَالُوا : فَإِذَا قُلْتَ : يُعْجِبُنِي قِيَامُ زَيْدٍ ، فَزَيْدٌ فَاعِلُ الْقِيَامِ تَأْوِيلُهُ يُعْجِبُنِي أَنْ يَقُومَ زَيْدٌ ، وَمُمْكِنٌ أَنَّ زَيْدًا يَعْرَا مِنْهُ الْقِيَامُ ، وَلَا يُقْصَدُ فِيهِ إِلَى إِفَادَةِ الْمُخَاطَبِ أَنَّهُ فَعَلَ الْقِيَامَ فِيمَا مَضَى ، أَوْ يَفْعَلُهُ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ ، بَلْ تَكُونُ النِّيَّةُ فِي الْإِخْبَارِ كَالنِّيَّةِ فِي : يُعْجِبُنِي خَاتَمُ زَيْدٍ الْمَحْدُودُ الْمَعْرُوفُ بِصَاحِبِهِ وَالْمَخْفُوضُ بِالْمَصْدَرِ . عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِرَفْعٍ ، وَلَا يُؤَكَّدُ ، وَلَا يُنْعَتُ ، وَلَا يُعْطَفُ عَلَيْهِ إِلَّا بِمِثْلٍ مَا يُسْتَعْمَلُ مَعَ الْمَخْفُوضَاتِ الصِّحَاحِ . انْتَهَى .
فَأَنْتَ تَرَى تَجْوِيزَهُمْ أَنْ لَا يَكُونَ مَوْصُولًا مَعَ الْمَصْدَرِ الَّذِي يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَوْصُولًا ، وَهُوَ قَوْلُهُمْ : يُعْجِبُنِي قِيَامُ زَيْدٍ ، فَكَيْفَ مَعَ مَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَوْصُولًا نَحْوَ مَا مَثَّلْنَا بِهِ مِنْ قَوْلِهِ : لَهُ ذَكَاءٌ ذَكَاءُ الْحُكَمَاءِ ، وَبَصَرٌ بِالطِّبِّ ، وَنَحْوَ ذَلِكَ ، فَكَذَلِكَ يَكُونُ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ مِنْ قَبِيلِ مَا لَا يَكُونُ مَوْصُولًا . وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَعْمَلَ فِي الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَوْصُولًا ، كَمَا مَثَّلْنَا فِي قَوْلِهِ : لَهُ مَعْرِفَةٌ بِالنَّحْوِ ; لِأَنَّ الظَّرْفَ وَالْجَارَّ وَالْمَجْرُورَ يَعْمَلُ فِيهِمَا رَوَائِحُ الْأَفْعَالِ ، حَتَّى الْأَسْمَاءُ الْأَعْلَامُ ، نَحْوَ قَوْلِهِمْ : أَنَا أَبُو الْمِنْهَالِ بَعْضَ الْأَحْيَانِ ، وَأَنَا ابْنُ مَاوِيَّةَ إِذْ جَدَّ النَّقْرُ ، وَأَمَّا أَنْ تَعْمَلَ فِي الْفَاعِلِ ، أَوِ الْمَفْعُولِ بِهِ فَلَا . وَأَمَّا إِذَا قُلْنَا بِمَذْهَبِ الْكُوفِيِّينَ ، وَهُوَ أَنَّ الْمَصْدَرَ إِذَا نُوِّنَ ، أَوْ دَخَلَتْ عَلَيْهِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ ، تَحَقَّقَتْ لَهُ الِاسْمِيَّةُ وَزَالَ عَنْهُ تَقْدِيرُ الْفِعْلِ ، فَانْقَطَعَ عَنْ أَنْ يُحْدِثَ إِعْرَابًا ، وَكَانَتْ قِصَّتُهُ قِصَّةَ زَيْدٍ وَعَمْرٍو وَالرَّجُلِ وَالثَّوْبِ ، فَيُمْكِنُ أَيْضًا أَنْ يَخْرُجَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=36مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ ) ،
[ ص: 165 ] وَلَا يَبْعُدُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ تَعَلُّقُ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ بِكُلٍّ مِنْهُمَا ; لِأَنَّهُ يَتَّسِعُ فِيهِمَا مَا لَا يَتَّسِعُ فِي غَيْرِهِمَا ، وَلِأَنَّ الْمَصْدَرَ إِذْ ذَاكَ لَا يَكُونُ بِأَبْعَدَ فِي الْعَمَلِ فِي الظَّرْفِ أَوِ الْمَجْرُورِ مِنَ الِاسْمِ الْعَلَمِ ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُفَسَّرَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=36مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ ) بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=25قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ ، وَفِي قَوْلِهِ : ( إِلَى حِينٍ ) دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ الْبَقَاءِ فِي الْأَرْضِ ، وَدَلِيلٌ عَلَى الْمَعَادِ ، وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ التَّحْذِيرُ عَنْ مُخَالَفَةِ أَمْرِ اللَّهِ بِقَصْدٍ أَوْ تَأْوِيلٍ ، وَأَنَّ الْمُخَالَفَةَ تُزِيلُ عَنْ مَقَامِ الْوِلَايَةِ .