الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                [ ص: 141 ] وقال : - فصل : قال الله تعالى : { ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه } وقال تعالى : { قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى } وقال تعالى : { الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى } وقال تعالى : { هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى } و " الحسنى " : المفضلة على الحسنة والواحد الأحاسن .

                ثم هنا " ثلاثة أقوال " : إما أن يقال : ليس له من الأسماء إلا الأحسن ولا يدعى إلا به ; وإما أن يقال : لا يدعى إلا بالحسنى ; وإن سمي بما يجوز - وإن لم يكن من الحسنى - وهذان قولان معروفان .

                وإما أن يقال : بل يجوز في الدعاء والخبر . وذلك أن قوله : { ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها } وقال : { ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى } أثبت له الأسماء الحسنى وأمر بالدعاء بها . فظاهر هذا : أن له جميع الأسماء الحسنى .

                [ ص: 142 ] وقد يقال : جنس " الأسماء الحسنى " بحيث لا يجوز نفيها عنه كما فعله الكفار وأمر بالدعاء بها وأمر بدعائه مسمى بها ; خلاف ما كان عليه المشركون من النهي عن دعائه باسمه " الرحمن " . فقد يقال : قوله { فادعوه بها } أمر أن يدعى بالأسماء الحسنى وأن لا يدعى بغيرها ; كما قال : { ادعوهم لآبائهم } فهو نهي أن يدعوا لغير آبائهم .

                ويفرق بين دعائه والإخبار عنه فلا يدعى إلا بالأسماء الحسنى ; وأما الإخبار عنه : فلا يكون باسم سيئ ; لكن قد يكون باسم حسن أو باسم ليس بسيئ وإن لم يحكم بحسنه . مثل اسم شيء وذات وموجود ; إذا أريد به الثابت وأما إذا أريد به " الموجود عند الشدائد " فهو من الأسماء الحسنى وكذلك المريد والمتكلم ; فإن الإرادة والكلام تنقسم إلى محمود ومذموم فليس ذلك من الأسماء الحسنى بخلاف الحكيم والرحيم والصادق ونحو ذلك فإن ذلك لا يكون إلا محمودا .

                وهكذا كما في حق الرسول حيث قال : { لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا } فأمرهم أن يقولوا يا رسول الله يا نبي الله كما خاطبه الله بقوله : { يا أيها النبي } { يا أيها الرسول } لا يقول يا محمد يا أحمد يا أبا القاسم وإن كانوا يقولون في الإخبار - كالأذان ونحوه - : أشهد أن محمدا رسول الله كما قال تعالى { محمد رسول الله } وقال : { ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد } وقال : { ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله } .

                [ ص: 143 ] فهو سبحانه : لم يخاطب محمدا إلا بنعت التشريف : كالرسول والنبي والمزمل والمدثر ; وخاطب سائر الأنبياء بأسمائهم مع أنه في مقام الإخبار عنه قد يذكر اسمه . فقد فرق سبحانه بين حالتي الخطاب في حق الرسول وأمرنا بالتفريق بينهما في حقه ; وكذلك هو المعتاد في عقول الناس إذا خاطبوا الأكابر من الأمراء والعلماء والمشايخ والرؤساء لم يخاطبوهم ويدعوهم إلا باسم حسن ; وإن كان في حال الخبر عن أحدهم يقال : هو إنسان وحيوان ناطق وجسم ومحدث ومخلوق ومربوب ومصنوع وابن أنثى ويأكل الطعام ويشرب الشراب .

                لكن كل ما يذكر من أسمائه وصفاته في حال الإخبار عنه : يدعى به في حال مناجاته ومخاطبته ; وإن كانت أسماء المخلوق فيها ما يدل على نقصه وحدوثه وأسماء الله ليس فيها ما يدل على نقص ولا حدوث ; بل فيها الأحسن الذي يدل على الكمال وهي التي يدعى بها ; وإن كان إذا أخبر عنه يخبر باسم حسن أو باسم لا ينفي الحسن ولا يجب أن يكون حسنا .

                وأما في الأسماء المأثورة فما من اسم إلا وهو يدل على معنى حسن فينبغي تدبر هذا للدعاء وللخبر المأثور وغير المأثور الذي قيل لضرورة حدوث المخالفين - للتفريق بين الدعاء والخبر وبين المأثور الذي يقال - أو تعريفهم لما لم يكونوا به عارفين وحينئذ فليس كل اسم ذكر في مقام يذكر في مقام بل يجب التفريق .

                التالي السابق


                الخدمات العلمية