الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 477 ] فصل

في رجوع النبي صلى الله عليه وسلم من تبوك

وما هم المنافقون به من الكيد به
، وعصمة الله إياه

ذكر أبو الأسود في " مغازيه " عن عروة قال : ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم قافلا من تبوك إلى المدينة ، حتى إذا كان ببعض الطريق مكر برسول الله صلى الله عليه وسلم ناس من المنافقين ، فتآمروا أن يطرحوه من رأس عقبة في الطريق ، فلما بلغوا العقبة أرادوا أن يسلكوها معه ، فلما غشيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر خبرهم فقال : (من شاء منكم أن يأخذ ببطن الوادي فإنه أوسع لكم ، وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم العقبة وأخذ الناس ببطن الوادي إلا النفر الذين هموا بالمكر برسول الله صلى الله عليه وسلم ، لما سمعوا بذلك استعدوا وتلثموا ، وقد هموا بأمر عظيم ، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حذيفة بن اليمان وعمار بن ياسر فمشيا معه ، وأمر عمارا أن يأخذ بزمام الناقة ، وأمر حذيفة أن يسوقها ، فبينا هم يسيرون إذ سمعوا وكزة القوم من ورائهم قد غشوه ، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر حذيفة أن يردهم ، وأبصر حذيفة غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع ومعه محجن ، واستقبل وجوه رواحلهم ، فضربها ضربا بالمحجن ، وأبصر القوم وهم متلثمون ولا يشعر إلا أن ذلك فعل المسافر ، فأرعبهم الله سبحانه حين أبصروا حذيفة ، وظنوا أن مكرهم قد ظهر عليه ، فأسرعوا حتى خالطوا الناس ، وأقبل حذيفة حتى أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما أدركه قال : اضرب الراحلة يا حذيفة ، وامش أنت يا عمار ، فأسرعوا حتى استووا بأعلاها ، فخرجوا من العقبة ينتظرون الناس ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لحذيفة : هل عرفت من هؤلاء الرهط أو الركب أحدا ؟ قال حذيفة : عرفت راحلة فلان وفلان ، وقال : كانت ظلمة الليل ، وغشيتهم ، وهم متلثمون ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هل علمتم ما كان شأن الركب وما أرادوا ؟ قالوا : لا والله يا رسول الله ، قال : فإنهم مكروا ليسيروا معي حتى إذا اطلعت في العقبة طرحوني منها ، قالوا : أولا تأمر بهم يا رسول الله إذا فنضرب أعناقهم ؟ قال : أكره أن [ ص: 478 ] يتحدث الناس ويقولوا : إن محمدا قد وضع يده في أصحابه ، فسماهم لهما وقال اكتماهم ) .

وقال ابن إسحاق في هذه القصة : (إن الله قد أخبرني بأسمائهم وأسماء آبائهم ، وسأخبرك بهم إن شاء الله غدا عند وجه الصبح ، فانطلق حتى إذا أصبحت فاجمعهم ، فلما أصبح قال : ادع عبد الله بن أبي ، وسعد بن أبي سرح ، وأبا خاطر الأعرابي ، وعامرا ، وأبا عامر ، والجلاس بن سويد بن الصامت ، وهو الذي قال : لا ننتهي حتى نرمي محمدا من العقبة الليلة ، وإن كان محمد وأصحابه خيرا منا إنا إذا لغنم وهو الراعي ، ولا عقل لنا وهو العاقل ، وأمره أن يدعو مجمع بن حارثة ، ومليحا التيمي ، وهو الذي سرق طيب الكعبة وارتد عن الإسلام وانطلق هاربا في الأرض ، فلا يدرى أين ذهب ، وأمره أن يدعو حصن بن نمير الذي أغار على تمر الصدقة فسرقه ، وقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ويحك ما حملك على هذا ؟ فقال : حملني عليه أني ظننت أن الله لا يطلعك عليه ، فأما إذا أطلعك الله عليه وعلمته فأنا أشهد اليوم أنك رسول الله ، وإني لم أومن بك قط قبل هذه الساعة ، فأقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عثرته وعفا عنه ، وأمره أن يدعو طعيمة بن أبيرق ، وعبد الله بن عيينة ، وهو الذي قال لأصحابه : اسهروا هذه الليلة تسلموا الدهر كله ، فوالله ما لكم أمر دون أن تقتلوا هذا الرجل ، فدعاه [ ص: 479 ] فقال : ويحك ما كان ينفعك من قتلي لو أني قتلت ؟ فقال عبد الله : فوالله يا رسول الله لا نزال بخير ما أعطاك الله النصر على عدوك ، إنما نحن بالله وبك ، فتركه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : ادع مرة بن الربيع ، وهو الذي قال : نقتل الواحد الفرد فيكون الناس عامة بقتله مطمئنين ، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ويحك ما حملك على أن تقول الذي قلت ؟ فقال : يا رسول الله إن كنت قلت شيئا من ذلك إنك لعالم به ، وما قلت شيئا من ذلك ، فجمعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهم اثنا عشر رجلا ، الذين حاربوا الله ورسوله وأرادوا قتله ، فأخبرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقولهم ومنطقهم وسرهم وعلانيتهم ) ، وأطلع الله سبحانه نبيه على ذلك بعلمه ، ومات الاثنا عشر منافقين محاربين لله ولرسوله ، وذلك قوله عز وجل : ( وهموا بما لم ينالوا ) [ التوبة : 74 ]

وكان أبو عامر رأسهم ، وله بنوا مسجد الضرار ، وهو الذي كان يقال له الراهب ، فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم الفاسق ، وهو أبو حنظلة غسيل الملائكة ، فأرسلوا إليه ، فقدم عليهم ، فلما قدم عليهم أخزاه الله وإياهم ، فانهارت تلك البقعة في نار جهنم

التالي السابق


الخدمات العلمية