الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
مسألة :

" من منابت شعر الرأس إلى ما انحدر من اللحيين والذقن وإلى أصول الأذنين " .

لأن الرأس ما عليه الشعر ، وهو المشروع مسحه ، فما دون المنابت هو من الوجه ، وهذا معتبر بغالب الناس ، فأما الأقرع الذي ينبت الشعر في بعض جبهتيه أو الأجلح الذي انحسر الشعر عن مقدم رأسه فلا عبرة بهما بل يجب على الأقرع غسل الشعر النابت على الوجه ، وغسل ما تحته إن كان يصف البشرة ، وقوله إلى ما انحدر من اللحيين والذقن ، فاللحيان هما العظمان اللذان في أسفل الوجه قد اكتنفاه وعليهما تثبت أكثر اللحية .

والذقن مجتمع اللحيين ، فيجب غسل البشرة إن كانت ظاهرة ، وغسل ما عليها من الشعر وما استرسل من اللحية عن اللحيين والذقن وعنه لا يجب غسل ما خرج عن محاذاة البشرة طولا وعرضا كما لا يجب مسح ما [ ص: 183 ] استرسل من الرأس ؛ ولأن الفرض كان على البشرة قبل النبات فلما نبت الشعر انتقل الفرض إليه فما لم يحاذ البشرة لم ينتقل إليه شيء ، والصحيح الأول ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما من عبد يغسل وجهه كما أمره الله تعالى إلا خرت خطايا وجهه من أطراف لحيته مع الماء " ؛ ولأنه ثابت في المحل المغسول فتبعه ، وإن طال كالظفر إذا خرج عن حد الأصبع .

ولأن اللحية تشارك الوجه في معنى التوجه والمواجهة والوجاهة ، بخلاف الذوائب فإنها لا تشارك الرأس في الترأس والارتفاع ، ولذلك كان غسل اللحية مشروعا ومسح الذوائب مكروها ، وقد ذكر أصحابنا وغيرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا قد غطى لحيته في الصلاة فقال : " اكشف عن وجهك فإن اللحية من الوجه " . وقوله من الأذن إلى الأذن يعني به من وتد الأذن أصلها دون فرعها فلم تدخل الأذنان في الوجه ، فأما البياض بين الأذنين والعذار فمن الوجه .

قال الأصمعي والمفضل بن سلمة ما جاوز وتد الأذن من العارض والعارضان من الوجه ؛ ولأنه قبل نبات الشعر كان يجب غسله إجماعا وكذلك بعده ؛ ولأن فيه معنى التوجه والمواجهة والوجاهة ؛ ولأن حكم الموضحة يثبت في [ ص: 184 ] عظمه ، وهي لا تثبت إلا في رأس أو وجه ، وليس من الرأس فيكون من الوجه . فأما الشعور النابتة في الوجه ؛ فإن كانت تصف البشرة وجب غسلها ، وغسل ما تحتها كما كان يجب قبل نبات الشعر ; لأنه ما دام يظهر فهو ظاهر لا يشق إيصال الماء إليه . وإن لم تصف البشرة لم يجب إلا غسل ظاهرها فقط سواء في ذلك شعر الحاجبين والشاربين والعنفقة والعذار واللحية ، هذا هو المنصوص ؛ لأنه يشق إيصال الماء إليها ؛ ولأنه لم ينقل عنه أنه غسل باطن اللحية ، قال أحمد : وقد سئل أيما أعجب إليك ، غسل اللحية أو تخليلها ، فقال : " غسلها ليس من السنة " وقيل يجب غسل باطن ما سوى اللحية ، وكذلك لحية المرأة ؛ وإن كان كثيفا ؛ لأن إيصال الماء لا يشق غالبا ، والصحيح الأول ؛ لأن الفرض بعد الستر انتقل إلى الظاهر ؛ ولأن في إيجاب غسل باطنها مشقة وتطريقا للوسواس كاللحية ، والذي يدخل في الوجه من الشعور الحاجبان وأهداب العينين والشاربان والعنفقة والعذار والعارضان .

والعذار : هو الشعر النابت على العظم النابي محاذيا صماخ الأذن مرتفعا إلى الصدغ ومنحطا إلى العارض ، والعارض : هو النابت على اللحيين إلى الذقن ، وقال الأصمعي : ما جاوز وتد الأذن فهو عارض ، فأما التحذيف والصدغ والتحذيف : هو ما ارتفع عن العذار آخذا إلى طرف اللحيين ، والنزعة ما انحسر عنه الشعر من الرأس متصاعدا . والصدغ هو ما ارتفع من العذار إلى فوق مشيا إلى فرع الأذن ودونه قليلا ، وهو يظهر في حق الغلام قبل نبات لحيته ففيها ثلاثة أوجه : أحدها : يجب غسلهما ؛ لأنهما داخلان في تدوير الوجه فدخلا في حده ، وإن كان شعرهما متصلا بشعر الرأس كما أن [ ص: 185 ] النزعتين لما دخلا في حد الرأس كانتا منه وإن خليا من الشعر ، والثاني : لا يجب ؛ لأن هذا الشعر متصل بشعر الرأس ابتداء ، فكأنه منه كسائره . والثالث : يجب غسل التحذيف خاصة ؛ لأنه يعتاد أخذه دون أخذ الصدغ ؛ ولأن محله يجب غسله لو لم يكن عليه شعر ؛ فكذلك إذا كان عليه ، ويستحب غسل داخل العين إذا أمن الضرر في أحد الوجهين ; لأن ابن عمر كان يفعله ، ولا يستحب في الآخر وهو أشبه ؛ لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ؛ ولأنه مظنة تخوف الضرر في الجملة مع تكرار الوضوء .

التالي السابق


الخدمات العلمية