الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل في فقه هذه القصة

فيها : جواز مكاتبة الإمام لأهل الردة إذا كان لهم شوكة ، ويكتب لهم ولإخوانهم من الكفار : سلام على من اتبع الهدى .

ومنها : أن الرسول لا يقتل ولو كان مرتدا ، هذه السنة .

ومنها : أن للإمام أن يأتي بنفسه إلى من قدم يريد لقاءه من الكفار .

ومنها : أن الإمام ينبغي له أن يستعين برجل من أهل العلم يجيب عنه أهل الاعتراض والعناد .

ومنها : توكيل العالم لبعض أصحابه أن يتكلم عنه ويجيب عنه .

تأويل رؤيا للنبي - صلى الله عليه وسلم - بأن الصديق يحبط أمر مسيلمة

ومنها : أن هذا الحديث من أكبر فضائل الصديق ، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - نفخ السوارين بروحه فطارا ، وكان الصديق هو ذلك الروح الذي نفخ مسيلمة وأطاره .

قال الشاعر :


فقلت له ارفعها إليك فأحيها بروحك واقتته لها قيتة قدرا



[ ص: 537 ] ومن هاهنا دل لباس الحلي للرجل على نكد يلحقه وهم يناله ، وأنبأني أبو العباس أحمد بن عبد الرحمن بن عبد المنعم بن نعمة بن سرور المقدسي المعروف بالشهاب العابر . قال : قال لي رجل : رأيت في رجلي خلخالا ، فقلت له : تتخلخل رجلك بألم ، وكان كذلك .

وقال لي آخر : رأيت كأن في أنفي حلقة ذهب ، وفيها حب مليح أحمر ، فقلت له : يقع بك رعاف شديد ، فجرى كذلك .

وقال آخر : رأيت كلابا معلقا في شفتي ، قلت : يقع بك ألم يحتاج إلى الفصد في شفتك ، فجرى كذلك .

وقال لي آخر : رأيت في يدي سوارا والناس يبصرونه ، فقلت له : سوء يبصره الناس في يدك ، فعن قليل طلع في يده طلوع . ورأى ذلك آخر لم يكن يبصره الناس ، فقلت له : تتزوج امرأة حسنة ، وتكون رقيقة . قلت : عبر له السوار بالمرأة لما أخفاه ، وستره عن الناس ، ووصفها بالحسن لحسن منظر الذهب وبهجته ، وبالرقة لشكل السوار .

والحلية للرجل تنصرف على وجوه . فربما دلت على تزويج العزاب لكونها من آلات التزويج ، وربما دلت على الإماء والسراري ، وعلى الغناء ، وعلى البنات ، وعلى الخدم ، وعلى الجهاز ، وذلك بحسب حال الرائي وما يليق به .

قال أبو العباس العابر : وقال لي رجل : رأيت كأن في يدي سوارا منفوخا لا يراه الناس ، فقلت له : عندك امرأة بها مرض الاستسقاء ، فتأمل كيف عبر له [ ص: 538 ] السوار بالمرأة ثم حكم عليها بالمرض لصفرة السوار ، وأنه مرض الاستسقاء الذي ينتفخ معه البطن .

قال : وقال لي آخر : رأيت في يدي خلخالا وقد أمسكه آخر ، وأنا ممسك له ، وأصيح عليه وأقول : اترك خلخالي ، فتركه ، فقلت له : فكان الخلخال في يدك أملس ؟ فقال : بل كان خشنا تألمت منه مرة بعد مرة ، وفيه شراريف ، فقلته له : أمك وخالك شريفان ، ولست بشريف ، واسمك عبد القاهر ، وخالك لسانه نجس رديء يتكلم في عرضك ، ويأخذ مما في يدك ، قال : نعم ، قلت : ثم إنه يقع في يد ظالم متعد ، ويحتمي بك ، فتشد منه ، وتقول خل خالي ، فجرى ذلك عن قليل .

قلت : تأمل أخذه الخال من لفظ " الخلخال " ، ثم عاد إلى اللفظ بتمامه حتى أخذ منه ، خل خالي ، وأخذ شرفه من شراريف الخلخال ، ودل على شرف أمه ، إذ هي شقيقة خاله ، وحكم عليه بأنه ليس بشريف ، إذ شرفات الخال الدالة على الشرف اشتقاقا هي في أمر خارج عن ذاته . واستدل على أن لسان خاله لسان رديء يتكلم في عرضه بالألم الذي حصل له بخشونة الخلخال مرة بعد مرة ، فهي خشونة لسان خاله في حقه .

واستدل على أخذ خاله ما في يديه بتأذيه به ، وبأخذه من يديه في النوم بخشونته . واستدل بإمساك الأجنبي للخلخال ، ومجاذبة الرائي على وقوع الخال في يد ظالم متعد يطلب منه ما ليس له . واستدل بصياحه على المجاذب له ، وقوله : خل خالي على أنه يعين خاله على ظالمه وبشد منه .

واستدل على قهره لذلك المجاذب له ، وأنه القاهر يده عليه على أنه اسمه عبد القاهر ، وهذه كانت حال شيخنا هذا ، ورسوخه في علم التعبير ، وسمعت عليه عدة أجزاء ، ولم يتفق لي قراءة هذا العلم عليه لصغر السن واخترام المنية له رحمه الله تعالى .

التالي السابق


الخدمات العلمية