الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ القول في صلاة القارئ خلف الأمي ]

                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي ، رحمه الله تعالى : " فإن أم أمي بمن يقرأ أعاد القارئ وإن ائتم به مثله أجزأه . ( قال المزني ) : قد أجاز صلاة من ائتم بجنب ، والجنب ليس في صلاة ، فكيف لا يجوز من ائتم بأمي والأمي في صلاة وقد وضعت القراءة عن الأمي ، ولم يوضع الطهر عن المصلي ؟ وأصله أن كلا مصل عن نفسه ، فكيف يجزئه خلف العاصي بترك الغسل ولا يجزئه خلف المطيع الذي لم يقصر وقد احتج بأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى قاعدا بقيام ، وفقد القيام أشد من فقد القراءة فتفهم ؟ ( قال المزني ) : القياس أن كل مصل خلف جنب ، وامرأة ، ومجنون ، وكافر يجزئه صلاته إذا لم يعلم بحالهم : لأن كل مصل لنفسه لا تفسد عليه صلاته بفسادها على غيره قياسا على أصل قول الشافعي في صلاة الخوف للطائفة الثانية ركعتها مع الإمام إذا نسي سجدة من الأولى ، وقد بطلت هذه الركعة الثانية على الإمام وأجزأتهم عنده ( قال ) : ولا يكون هذا أكثر ممن ترك أم القرآن ، فقد أجاز لمن صلى ركعة يقرأ فيها بأم القرآن وإن لم يقرأ بها إمامه وهو في معنى ما وصفت " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : أما الأمي في اللسان فهو : الباقي على أميته يعني : على خلقته الأولى لا يعلم شيئا ، وكل من جهل شيئا ولا يعلمه جاز أن يقال له : أمي من ذلك الشيء . لكن الذي أراد الشافعي بقوله : أمي ، هو الذي لا يحسن الفاتحة ، فلا يجوز أن يأتم به قارئ يحسن الفاتحة ، فإن ائتم به ، وكان عالما بحاله عند إحرامه فلا يختلف مذهب الشافعي أن صلاته باطلة وعليه الإعادة ، لفساد إحرامه مع علمه بحاله ، وإن لم يعلم بحاله حتى فرغ من الصلاة ففي وجوب الإعادة عليه ثلاثة أقاويل :

                                                                                                                                            أحدهما : وهو الصحيح ، وعليه نص في الجديد : أن صلاته باطلة وعليه الإعادة في صلاة الجهر والإسرار معا .

                                                                                                                                            [ ص: 331 ] والقول الثاني : وعليه نص في القديم أن عليه الإعادة في صلاة الجهر ، ولا إعادة عليه في صلاة الإسرار : لأنه أسقط في القديم القراءة على المأموم في صلاة الجهر ، وأوجبها في صلاة الإسرار .

                                                                                                                                            والقول الثالث : وهو مخرج على الجديد تعليله في القديم أنه لا إعادة عليه في صلاة الجهر والإسرار معا : لأنه علل في القديم ، فقال : لأن المأموم يأتي بفرض القراءة في صلاة يسر فيها ولا تلزمه القراءة في الصلاة التي يجهر فيها ، وهو في الجديد يرى وجوب القراءة على المأموم في صلاة الجهر والإسرار معا .

                                                                                                                                            فإن قيل : بصحة صلاة المأموم وسقوط الإعادة فيه : فوجهه ما ذكر المزني وهو أن الصلاة لما صحت خلف الجنب والجنب عاص لا طهارة له ، ولا يصح له شيء من أركان صلاته ، فالأمي الذي ليس بعاص وهو متطهر يصح منه جميع أركان صلاته ، إلا القراءة التي قد انتقل إلى بدلها أولى بالجواز ، ولأنه عاجز عن ركن من أركان الصلاة فجاز أن يكون إماما لمن هو قادر على ذلك الركن .

                                                                                                                                            أصله : ائتمام القائم بالقاعد وهذا نكتة هذا القول ، ولأن الإمام في صلاة الخوف لو نسي سجدة من الركعة الأولى حتى قام إلى الثانية ، ثم أحرمت الطائفة الثانية خلفه كان عمله في الثانية كلا عمل ، إلا السجدة يجهر بها الأولى ، وصحت للطائفة الثانية ركعتها ، وإن لم يعتد بالقراءة فيها ، فكذلك المصلي خلف أمي تصح صلاته ، لأن فقد قراءة الإمام لا تؤثر في صلاة المأموم .

                                                                                                                                            ووجه القول الثاني في بطلان الصلاة ووجوب الإعادة هو أظهر الأقاويل ، وأصحها رواية ابن مسعود البدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله عز وجل .

                                                                                                                                            وروى عمرو بن سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يؤمكم أقرؤكم " فكان ذلك شرطا فيها ، ولأن الإمام قد يتحمل القراءة عن المأموم إذا أدركه راكعا ، وقراءة السورة بعد الفاتحة وإذا كان أميا لم يصح تحمله ، لأنه ليس من أهل التحمل ، وإذا لم يصح تحمله لم تصح إمامته ، وبهذا المعنى فرقنا بين الأمي والجنب ، والقاعدة : لأن الطهارة والقيام لا يتحملها الإمام فلم يكن فقدهما قادحا في صلاة المأموم ، وأما إذا نسي سجدة من الأولى من صلاة الخوف ، ثم ذكرها في الثانية قائما اعتد بها للمأموم لأن الإمام من أهل القراءة ، وإن لم يقرأ ، والأمي ليس من أهل القراءة ، وليس العلة في بطلان الصلاة عدم القراءة ، وإنما العلة فيها أن الإمام ليس من أهلها ، ألا ترى لو كان الإمام قارئا فنسي القراءة جازت صلاة المأموم ، لأن إمامه من أهلها وإن لم يأت بها .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية