الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                المبحث الثالث : العادة المطردة هل تنزل منزلة الشرط ؟ قال في إجارة الظهيرية : [ ص: 307 ] المعروف عرفا كالمشروط شرعا ( انتهى ) .

                وقالوا : في الإجارات لو دفع ثوبا إلى خياط ; ليخيطه له أو إلى صباغ ; ليصبغه له ولم يعين له أجرة ، ثم اختلفا في الأجر وعدمه وقد جرت العادة بالعمل بالأجرة ; فهل ينزل منزلة شرط الأجرة ؟ فيه اختلاف قال الإمام الأعظم : لا أجرة له ، وقال أبو يوسف رحمه الله : إن كان الصابغ حريفا له أي معاملا له فله الأجر ، وإلا لا .

                وقال محمد رحمه الله : إن كان الصابغ معروفا بهذه الصنعة بالأجر ، وقيام حاله بها كان القول قوله ، وإلا فلا اعتبار للظاهر المعتاد .

                وقال الزيلعي ; والفتوى على قول محمد رحمه الله ( انتهى ) .

                ولا خصوصية لصابغ بل كل صانع نصب نفسه للعمل بأجرة فإن السكوت كالاشتراط ، ومن هذا القبيل نزول الخان ودخول الحمام والدلال كما في البزازية .

                ومن هذا القبيل المعد للاستغلال كما في الملتقط .

                ولذا قالوا : المعروف كالمشروط ، فعلى المفتى به صارت عادته كالمشروط صريحا ، وهنا مسألتان لم أرهما الآن ، يمكن تخريجهما على أن المعروف كالمشروط ، وفي البزازية المشروط عرفا كالمشروط شرعا .

                25 - منها : لو جرت عادة المقترض برد أزيد مما اقترض هل يحرم إقراضه تنزيلا لعادته بمنزلة الشرط ؟ ومنها لو بارز كافرا [ ص: 308 ] مسلم ، واطردت العادة بالأمان للكافر ، هل يكون بمنزلة اشتراط الأمان له فيحرم على المسلمين إعانة المسلم عليه ؟ وحين تأليف هذا المحل ورد علي سؤال فيمن آجر مطبخا لطبخ السكر وفيه فخار ، أذن للمستأجر في استعمالها فتلف ذلك ، وقد جرى العرف في المطابخ بضمانها على المستأجر 26 - فأجبت بأن المعروف كالمشروط فصار كأنه صرح بضمانها عليه .

                [ ص: 307 ]

                التالي السابق


                [ ص: 307 ] قوله : ومنها لو جرت عادة المقترض : الصواب أن يقال : الأولى أي من المسألتين اللتين لم يرهما هل يحرم إقراضه ؟ قيل : الذي يؤدي إليه نظر الفقيه أنه لا يحرم ; لأنه يحمل على المكافأة على المعروف وهو مندوب إليه شرعا حيث دفعه المقرض قرضا [ ص: 308 ] محضا فجازاه عليه ، ولم يشترط ودفعه المستقرض لا على وجه الربا ، ويظهر في الثانية حرمة الإعانة للعادة المطردة تأمل ، ومنها الصواب أن يقول : والثانية .

                ( 26 ) قوله : فأجبت بأن المعروف كالمشروط .

                قيل عليه : لا ينبغي بل لا يجوز أن يفتى بهذا أصلا ; لأن رواية الضمان على تقدير التصريح بالشرط إنما ذكرت على سبيل إرخاء العنان مع الشافعي القائل بالضمان في الحديث ، وإلا فقال أبدا .

                فقوله : أبدا تفيد العموم وشمول حال الشرط ، ومع ذلك صرح به وأقره ، فقال : ولو شرط فيهما الضمان ، وإنما الضمان بالتعدي .

                ونقل عن الينابيع ما ذكر عن البزازية أيضا ، وفيه الشرط لغو ولا تضمن ففي كل ذلك تأكيد للحكم وتحذير من أن يعمل بتلك الرواية المخالفة للدراية على تقدير التصريح بالشرط .

                وأما عند عدمه فجميع المتون والشروح تنادي بأنه قول مقبول لا مجروح .

                قال الإمام المعروف بقاضي خان في فتاويه : رجل أعار شيئا ، وشرط أن يكون المستعير ضامنا لما هلك في يده لم يصح هذا الضمان ، ولا يكون ضامنا عندنا ، ومثله في الخلاصة وغيره ( انتهى ) .

                هذا ، وما ذكره المصنف رحمه الله من الجواب مخالف لما ذكره نفسه في الفوائد الزينية : أنه لا يحل الإفتاء من القواعد والضوابط ، وإنما على المفتي حكاية النقل الصريح كما صرحوا به .




                الخدمات العلمية