الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          مقدمة

          ما الذي أصاب " العقل المسلم " فصده عن المضي في الدرب إلى غايته؟ كيف ضربه العقم، بعد ذلك التوهج والإبداع اللذين أشعلت فتيلهما كلمات الله وتعاليم رسوله صلى الله عليه وسلم ؟

          ما هـو طريق الخلاص؟ وكيف يستعيد هـذا العقل (المأزوم ثقته بنفسه فيحقق حضوره التاريخي بعد غياب القرون الطوال؟ ما الذي أراد الإسلام أن يقوله وهو يعيد تشكيل العقل العربي، ويدفع به إلى العالم طاقة حركية فذة، وقدرة متميزة على الابتكار والعطاء؟ [ ص: 23 ]

          وهل يتسنى للإيمان أن يقف في المعركة وحيدا أعزل؟

          ما هـي النقلات الكبيرة التي حققها هـذا الدين فشكل بها العقل الجديد؟ وما هـي القدرات التي منحها الإيمان للإنسان المسلم فمكنه من ملاحقة هـذه النقلات والتحقق بها؟

          وما هـو حجم الدور الذي أداه هـذا العقل المؤمن على مستوى الأفكار والحضارات؟

          بأية صيغة صمم الهيكل الحضاري للرؤية الإسلامية..

          وما هـي ملامح وسمات المعطيات التي تمخضت عنه؟

          كيف يعثر المسلمون الضائعون اليوم على مفاتيح الخلاص..

          وكيف يقوم المجتمع (التكنولوجي) الإسلامي المرتجى؟ وكيف تكون الاستجابة التي ستبعث العملاق؟

          أسئلة كثيرة تدور في عقول المسلمين صباح مساء... يسعى هـذا البحث الموجز عنها قدر المستطاع...

          وأرجو ألا يخطر على بال القارئ أبدا أن يكون هـذا الكتاب ثمرة " لرد الفعل " إزاء إلحاح بعض الإسلاميين على الدور الذي يمكن أن تؤديه التربية الروحية والأخلاقية في مجابهة المشكلة..

          كما أرجو ألا يخطر على باله، كذلك، أن يكون الكتاب محسوبا على خط (العقلانية) التي تضع ( الإيمان ) في المرتبة الثانية أو الثالثة.. [ ص: 24 ]

          إن هـذه النظرة التجزيئية مرفوضة أساسا.. وإن التأكيد على ضرورة إعادة تشكيل العقل المسلم لا يعني أبدا التقليل من أن العوامل الأخرى، لا سيما وأن التجربة الإسلامية تتعامل مع الإنسان وحدة متوحدة، ونسيجا متشابك الخيوط، وتتأبى على التفكيك والتمزيق والانتقاء..

          ولكن.. لما كان العقل المسلم قد أصيب بكسور خطيرة في العصر الراهن، ولما كان الإسلام نفسه قد أولى العقل تلك الأهمية القصوى التي تكاد تكون بداهة من البداهات.. فإن النتيجة الطبيعية، غير المفتعلة، أن يكون (التأكيد) على إعادة التشكيل العقلي في إطار إسلامي، ضرورة ملحة وأمرا محتوما..

          إن المسلم هـو (نسيج وحده) عقلا وروحا وجسدا ووجدانا.. ولكن منطق الأولويات قد يقضي بالتأكيد على هـذا الجانب حينا، وعلى ذلك الجانب حينا آخر.. ولن يقول أحد بأن الدعوة في كلتا الحالتين تتمخض عن ردود الأفعال.. إنما هـي الرؤية الواقعية للمشكلة، والسعي الحكيم لإضاءتها وطرح الحلول المناسبة لها..

          ويبقى الإنسان المسلم (نسيج وحده) كما أراد له دينه أن يكون.. [ ص: 25 ]

          التالي السابق


          الخدمات العلمية