الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
ابن حمـزة وأسـباب الـورود

نجد ابن حمزة الحسيني الحنفي الدمشقي، بعد ذلك قد استوعب المنهج، والأمثلة التي قدمها البلقيني ، وقدمها السيوطي ، ويضيف إضافات تغرس اليقين في إمكانية استيعاب كتب السنة جميعها، في اختيار الأسباب، التي تربط بأحاديثها.

لقد انطلق ابن حمزة في عمله، من القاعدة السابقة، التي أرساها البلقيني والسيوطي، حتى نجد التطابق في استعماله للعبارات السابقة في هـذا الموضوع.

فمعرفة الأسباب عنده، من أجل أنواع علوم الحديث.

والذين ألفوا فيه، قد ذكرهم - كما سبق - فقال: "وقد ألف فيها أبو حفص العكبري كتابا، وذكر الحافظ ابن حجر أنه وقف منه على انتخاب، ولما لم أظفر في عصرنا بمؤلف مفرد في هـذا الباب، غير أوائل تأليف شرع فيه الحافظ السيوطي، ورتبه على الأبواب، فذكر فيه نحو مائة حديث.. واخترمته المنية قبل إتمام الكتاب، سنح لي أن أجمع في ذلك كتابا، تقربه عيون الطلاب، فرتبته على الحروف والسنن المعروف، وأضفت له تتمات تمس الحاجة إليها، وتحقيقات يعول عليها، وسميته: "البيان والتعريف في أسباب الحديث الشريف..". وأسباب الورود عنده كأسباب نزول القرآن الكريم.

والحديث الشريف عنده - في الورود على قسمين: ما له سبب قيل لأجله، وما لا سبب له. [ ص: 151 ]

والسبب عنده - كذلك - قد يذكر في الحديث، وقد لا يذكر السبب في الحديث، أو يذكر في بعض طرقه، فهو الذي ينبغي الاعتناء به، ويورد الأمثلة ذاتها [1] .

ويضيف ما أفاده الحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي ، من أن سبب الحديث، يأتي تارة في عصر النبوة، وتارة بعدها، وتارة يأتي بالأمرين.. ويقصد بما يكون بعد عصر النبوة، ما ورد عن الصحابة رضي الله عنهم ، فقد حفظوا الأقوال والأفعال، وحافظوا على الأطوار والأحوال، فيكون السبب في الورود عنهم، مبينا لما لم يعلم سببه عن النبي صلى الله عليه وسلم . كما عني في منهجه بتخريج أحاديثه من المعاجم والمسانيد، والكتب الستة، وابتدأ بحديث ( إنما الأعمال بالنيات ) .

وقدم لنا بهذا المنهج من الأحاديث، تسعة وثلاثين وثمانمائة وألف، بأسباب كثيرة. وقد حقق هـذا الكتاب في ثلاثة أجزاء، فضيلة الأستاذ الدكتور الحسيني هـاشم رحمه الله.

وهذا مثال، اشترك فيه مع السابقين، وقدمه على النحو الآتي: ( إذا أتى أحدكم الصلاة، والإمام على حال، فليصنع كما يصنع الإمام ) . أخرجه الترمذي والطبراني في الكبير، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه ، قال الترمذي: هـذا حديث غريب. [ ص: 152 ]

سببه: ما أخرج الطبراني عن معاذ ، قال: ( كان الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذا سبق أحدهم شيء من الصلاة سألهم، فأشاروا إليه بالذي سبق به، فيصلي ما سبق، ثم يدخل معهم في صلاتهم، فجاء معاذ والقوم قعود في صلاتهم، فقعد معهم، فلما سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال، فقضى ما سبق به، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اصنعوا ما صنع معاذ ) .

وفي رواية له ( عن معاذ: فقلت: لا أجده إلا لبث عليها، فكنت بحالهم التي وجدتهم عليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قد سن لكم معاذ، فاقتدوا به.. إذا جاء أحدكم وقد سبق بشيء من الصلاة، فليصل مع الإمام بصلاته، فإذا فرغ الإمام، فليتم ما سبقه به، والعمل على هـذا عند أهل العلم ) [2] .

وقد يذكر للحديث الواحد أكثر من سبب. [ ص: 153 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية