الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
التـرجيـح

فإذا تعذر الجمع بين الروايات، أو كان متكلفا، وإذا لم نستطع إعمال قاعدة النسخ لتعذر تحديد السابق منها واللاحق صرنا إلى الترجيح، وللترجيح وجوه كثيرة تتسع باتساع علم المرجح، وحسن النظر إلى المرجحات وتطبيقها على الروايات، ولذلك ليس للمرجحات حصر دقيق فقد عد الحازمي منها في كتابه "الاعتبار" خمسين وجها ثم قال: فهذا القدر كاف في ذكر الترجيحات، وثم وجوه كثيرة أضربنا عن ذكرها كيلا يطول به هـذا المختصر [1] .

وفي تدريب الراوي (وهو يتكلم عن ترجيحات الحازمي) : ووصلها غيره إلى أكثر من مائة، كما استوفى ذلك العراقي في نكته، وقد رأيتها منقسمة إلى سبعة أقسام:

الأول: الترجيح بحال الراوي

وذلك بوجوه: أحدها كثرة الرواة؛ لأن احتمال الكذب والوهم على الأكثر أبعد من احتماله على الأقل.

ثانيها: قلة الوسائط، أي علو الإسناد حيث الرجال الثقات؛ لأن احتمال الكذب والوهم فيه أقل.

ثالثها: فقه الراوي؛ سواء كان الحديث مرويا بالمعنى أو اللفظ؛ لأن الفقيه إذا سمع ما يمتنع حمله على ظاهره بحث عنه حتى يطلع على ما يزول به الإشكال، بخلاف العامي. [ ص: 79 ]

رابعها: علمه بالنحو؛ لأن العالم به يتمكن من التحفظ عن مواقع الزلل ما لا يتمكن منه غيره.

خامسها: علمه باللغة.

سادسها: حفظه، بخلاف من يعتمد على كتابه.

سابعها: أفضليته في أحد الثلاثة، بأن يكونا فقيهين، أو نحويين، أو حافظين، وأحدهما في ذلك أفضل من الآخر.

ثامنها: زيادة ضبطه، أي اعتناؤه بالحديث واهتمامه به.

تاسعها: شهرته، لأن الشهرة تمنع الشخص من الكذب كما تمنعه من ذلك التقوى.

عاشرها إلى العشرين:

كونه ورعا، أو حسن الاعتقاد أي غير مبتدع، أو جليسا لأهل الحديث، أو غيرهم من العلماء، أو أكثر مجالسة لهم، أو ذكرا، أو مشهور النسب، أو لا لبس في اسمه بحيث يشاركه فيه ضعيف، وصعب التمييز بينهما، أو له اسم واحد، ولذلك أكثر ولم يختلط، أو له كتاب يرجع إليه.

حادي عشريها: أن تثبت عدالته بالإخبار بخلاف من تثبت بالتزكية أو العمل بروايته، أو الرواية عنه إن قلنا بهما.

ثاني عشريها إلى سابع عشريها:

أن يعمل بخبره من زكاه، ومعارضه لم يعمل به من زكاه، أو يتفق على عدالته، أو يذكر سبب تعديله، أو يكثر مزكوه؛ أو يكونوا [ ص: 80 ] علماء، أو كثيري الفحص عن أحوال الناس.

ثامن عشريها:

أن يكون صاحب القصة، كتقديم خبر أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم في الصوم لمن أصبح جنبا على خبر الفضل بن العباس في منعه؛ لأنها أعلم منه.

أورد الإمام الطحاوي رواية أبي بكر بن عبد الرحمن يقول: " كنت أنا وأبي عند مروان بن الحكم ، وهو أمير المدينة ، فذكر أن أبا هـريرة رضي الله عنه كان يقول: من أصبح جنبا أفطر ذلك اليوم.

فقال مروان: أقسمت عليك لتذهبن إلى أمي المؤمنين، عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما ، فتسألهما عن ذلك.

قال: فذهب عبد الرحمن ، وذهبت معه حتى دخلنا على عائشة رضي الله عنها ، فسلم عليها عبد الرحمن ثم قال: يا أم المؤمنين، إنا كنا عند مروان، فذكر له أن أبا هـريرة رضي الله عنه كان يقول: من أصبح جنبا أفطر ذلك اليوم. فقالت عائشة رضي الله عنها : بئس ما قال أبو هـريرة، يا عبد الرحمن، أترغب عما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل؟.

فقال: لا والله.

قالت: فأشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يصبح جنبا من جماع غير احتلام [2] ، ثم يصوم ذلك اليوم. " [ ص: 81 ]

" قال: ثم خرجنا حتى دخلنا على أم سلمة رضي الله عنها فسألها عن ذلك فقالت كما قالت عائشة رضي الله عنها فخرجنا حتى جئنا إلى مروان ، فذكر له عبد الرحمن ما قالتا..

فقال مروان: أقسمت عليك يا أبا محمد، لتركبن دابتي، فإنها بالباب، فلتذهبن إلى أبي هـريرة رضي الله عنه بأرضه بالعقيق [3] فلتخبرنه بذلك.

فركب عبد الرحمن وركبت معه، حتى أتينا أبا هـريرة رضي الله عنه ، فتحدث معه عبد الرحمن ساعة، ثم ذكر ذلك له.

فقال أبو هـريرة رضي الله عنه : لا علم لي بذلك إنما أخبرنيه مخبر " .

وفي رواية أخرى عن يعلى بن عقبة قال: " أصبحت جنبا وأنا أريد الصوم، فأتيت أبا هـريرة رضي الله عنه فسألته فقال لي أفطر.

فأتيت مروان فسألته وأخبرته بقول أبي هـريرة رضي الله عنه فبعث عبد الرحمن بن الحارث إلى عائشة رضي الله عنها فسألها فقالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج لصلاة الفجر، ورأسه يقطر من جماع، ثم يصوم ذلك اليوم.

فرجع إلى مروان فأخبره فقال: إيت أبا هـريرة رضي الله عنه فأخبره، فأتاه فأخبره فقال: أما إني لم أسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم إنما حدثنيه الفضل، عن النبي صلى الله عليه وسلم " . [ ص: 82 ]

فموقف أبي هـريرة رضي الله عنه موقف المرجح لقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها فهما أعلم.

ونسب السماع إلى الفضل عن النبي صلى الله عليه وسلم . وهذا ما جعل البزار يعلق على رجوع أبي هـريرة عما كان يقول من ذلك بقوله في مسنده: ولا نعلم روى أبو هـريرة عن الفضل بن العباس إلا هـذا الحديث الواحد.

وقال البيهقي : ورواه البخاري مدرجا في روايته عن أبي اليمان عن شعيب عن الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن ، إلا أنه قال في حديثه: فقال: كذلك حدثني الفضل بن عباس وهو أعلم. وروى أنه قال: أخبرني بذلك أسامة بن زيد [4] . وقد صح رجوعه عن ذلك صريحا.

وأخرج البيهقي في سننه عن ابن أبي عروبة عن قتادة عن ابن المسيب : " أن أبا هـريرة رجع عن قوله قبل موته " وروى مثله عن عطاء ثم قال: قال ابن المنذر : أحسن ما سمعت في هـذا أن يكون ذلك محمولا على النسخ، وذلك أن الجماع كان في أول الإسلام محرما على الصائم في الليل بعد النوم كالطعام والشراب، فلما أباح الله الجماع إلى طلوع الفجر جاز للجنب إذا أصبح قبل أن يغتسل، أن يصوم ذلك اليوم لارتفاع الحظر، وكان أبو هـريرة يفتي بما سمعه من الفضل على الأمر الأول، ولم يعلم بالنسخ، فلما سمع من عائشة وأم سلمة صار إليه [5] . [ ص: 83 ]

فهذا كان منهج الصحابة في الرواية والفتوى؛ الدقة في نسبة القول إلى سامعه، والرجوع إلى الصواب في الفتوى دون الاستبداد في الرأي لأن الوصول إلى الحق غايتهم.

وأجيب بجواب ثان على رواية أبي هـريرة وفتواه، وهو حمله على من طلع الفجر عليه وهو يجامع فاستدام.

وجواب ثالث: أنه إرشاد إلى الأفضل وهو الاغتسال قبل الفجر، وتركه عليه الصلاة والسلام لذلك في حديث السيدة عائشة والسيدة أم سلمة لبيان الجواز.

يقول الإمام الزركشي : "واعلم أنه وقع خلاف في ذلك للسلف - أيضا - ثم استقر الإجماع على صحة صومه كما نقله ابن المنذر ، وكذلك الماوردي في الاحتلام [6] .

ونظر الإمام الطحاوي إلى رواية أبي هـريرة والروايات الأخرى ومنها عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها والسيدة أم سلمة رضي الله عنها وقال: "فذهب ذاهبون إلى ما روى أبو هـريرة رضي الله عنه من ذلك عن الفضل ، عن النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا به وقلدوه.

وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: يغتسل ويصوم يومه ذلك.

وذهبوا في ذلك إلى ما رويناه عن عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

ومنه: رواية أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هـشام يحدث عن [ ص: 84 ] أبيه قال: " دخلت على عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرتني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصبح جنبا، ثم يغتسل، ثم يغدو إلى المسجد ورأسه يقطر، ثم يصوم ذلك اليوم.

فأخبرته مروان ، فقال: إيت أبا هـريرة رضي الله عنه فأخبره بذلك.

فقلت: إنه لي صديق، فاعفني، فقال: عزمت عليك لتأتينه.

فانطلقت أنا وأبي إلى أبي هـريرة رضي الله عنه فأخبرت بذلك.

فقال أبو هـريرة رضي الله عنه : عائشة رضي الله عنها أعلم مني. "

وقال شعبة : وفي الصحيفة: " أعلم برسول الله صلى الله عليه وسلم مني. "

وبعد أن يستقصي الإمام الطحاوي الروايات بطرقها المتعددة عن أمي المؤمنين السيدة عائشة والسيدة أم سلمة يقول:

"قالوا: فلما تواترت الآثار بما ذكرنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجز لنا خلاف ذلك إلى غيره.

فكان من حجة أهل المقالة الأولى عليهم في ذلك أن قالوا: هـذا الذي روته أم سلمة وعائشة رضي الله عنهما إنما أخبرتا به عن فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأخبر الفضل في حديث أبي هـريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ما قد خالف ذلك.

فقد يجوز أن يكون حكم النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك على ما ذكرت عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما في حديثهما، ويكون حكم [ ص: 85 ] سائر الناس على ما ذكره الفضل ، عن النبي صلى الله عليه وسلم فيكون الخبران غير متضادين على ما يخرج عليه معاني الآثار.

فكان من الحجة للآخرين عليهم أن أبا هـريرة رضي الله عنه هـو الذي روى حديث الفضل، وقد رجع فتياه إلى قول عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما ، وعد ذلك أولى مما حدثه الفضل، عن النبي صلى الله عليه وسلم فهذا حجة في هـذا الباب.

وحجة أخرى: أنا قد وجدنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يدل على حكم الناس في ذلك -أيضا- كحكمه.

فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ( أن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو واقف على الباب وأنا أسمع يا رسول الله، إني أصبح جنبا وأنا أريد الصوم.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وأنا أصبح جنبا، وأنا أريد الصوم، فأغتسل وأصوم.

فقال: يا رسول الله، إنك لست مثلنا [7] قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر. فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: والله إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله، وأعلمكم بما أتقي. )


فلما كان جواب النبي صلى الله عليه وسلم لذلك السائل هـو إخباره عن فعل نفسه في ذلك ثبت بذلك أن حكمه في ذلك وحكم غيره سواء. [ ص: 86 ]

فهذا وجه هـذا الباب من طريق تصحيح معاني الآثار.

وأما وجهه من طريق النظر في ذلك، فإنا قد رأيناهم أجمعوا أن صائما لو نام نهارا فأجنب أن ذلك لا يخرجه عن صومه.

فأردنا أن ننظر أنه هـل يكون داخلا في الصوم وهو كذلك؟ أو يكون حكم الجنابة إذا طرأت على الصوم خلاف حكم الصوم إذا طرأ عليها؟.

فرأينا الأشياء التي تمنع من الدخول في الصوم من الحيض والنفاس، إذا طرأ ذلك على الصوم، أو طرأ عليه الصوم، فهو سواء.

ألا ترى أنه ليس لحائض أن تدخل في الصوم وهي حائض، وأنها لو دخلت في الصوم طاهرا، ثم طرأ عليها الحيض في ذلك اليوم، أنها بذلك خارجة من الصوم.

فكانت الأشياء التي تمنع من الدخول في الصوم، هـي الأشياء التي إذا طرأت على الصوم أبطلته.

وكانت الجنابة إذا طرأت على الصوم باتفاقهم جميعا، لم تبطله.

فالنظر على ما ذكرنا أن يكون كذلك إذا طرأ عليها الصوم لم تمنع من الدخول فيه، فثبت بذلك ما قد وافق ما روته أم سلمة وعائشة رضي الله عنهما ، وهذا قول أبي حنيفة ، وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى [8] . [ ص: 87 ]

تاسع عشريها: أن يباشر ما رواه.

الثلاثون: تأخر إسلامه، وقيل عكسه؛ لقوة أصالة المتقدم ومعرفته.

وقيل: إن تأخر موته إلى إسلام المتأخر لم يرجح بالتأخير؛ لاحتمال تأخر روايته عنه، وإن تقدم أو علم أن أكثر رواياته متقدمة على رواية المتأخر رجح.

الحادي والثلاثون إلى الأربعين:

كونه أحسن سياقا واستقصاء لحديثه. أو أقرب مكانا. أو أكثر ملازمة لشيخه، أو سمع من مشايخ بلده، أو مشافها مشاهدا لشيخه حال الأخذ. أو لا يجيز الرواية بالمعنى. أو الصحابي من أكابرهم، أو على رضي الله تعالى عنه وهو في الأقضية، أو معاذ وهو في الحلال والحرام، أو زيد وهو في الفرائض، أو الإسناد حجازي، أو من بلد لا يرضون التدليس .

- القسم الثاني: الترجيح بالتحمل وذلك بوجوه:

أحدها: الوقت. فيرجح منهم من لم يتحمل بحديث إلا بعد البلوغ على من كان بعض تحمله قبله، أو بعضه بعده؛ لاحتمال أن يكون هـذا مما قبله. والمتحمل بعده أقوى لتأهله للضبط.

ثانيها وثالثها: أن يتحمل بحدثنا والآخر عرضا، أو عرضا والآخر كتابة، أو مناولة أو وجادة. [ ص: 88 ]

- القسم الثالث: الترجيح بكيفية الرواية وذلك بوجوه:

أحدها: تقديم المحكي بلفظه على المحكي بمعناه، والمشكوك فيه على ما عرف أنه مروي بالمعنى.

ثانيها: ما ذكر فيه سبب وروده على ما لم يذكر فيه؛ لدلالته على اهتمام الراوي به حيث عرف سببه، وهذا سيتضح تفصيلا في هـذه الدراسة.

ثالثها: أن لا ينكره راويه ولا يتردد فيه.

رابعها إلى عاشرها: أن تكون ألفاظه دالة على الاتصال؛ كحدثنا وسمعت، أو اتفق على رفعه أو وصله، أو لم يختلف في إسناده، أو لم يضطرب لفظه، أو روي بالإسناد وعزى ذلك لكتاب معروف، أو عزيز والآخر مشهور.

- القسم الرابع: الترجيح بوقت الورود.

وذلك بوجوه:

أحدها وثانيها: بتقديم المدني على المكي، والدال على علو شأن المصطفى عليه الصلاة والسلام على الدال على الضعف كـ ( بدأ الإسلام غريبا ) ، ثم شهرته، فيكون الدال على العلو متأخرا.

ثالثها: ترجيح المتضمن للخفيف لدلالته على التأخر؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان يغلظ في أول أمره زجرا عن عادات الجاهلية، ثم مال للتخفيف، كذلك قال صاحب الحاصل والمنهاج، ورجح الآمدي وابن الحاجب [ ص: 89 ]

وغيرهما عكسه وهو تقديم المتضمن للتغليظ وهو الحق؛ لأنه صلى الله عليه وسلم جاء أولا بالإسلام فقط، ثم شرعت العبادات شيئا فشيئا.

رابعها: ترجيح ما تحمل بعد الإسلام على ما تحمل قبله، أو شك؛ لأنه أظهر تأخرا.

خامسها وسادسها: ترجيح غير المؤرخ على المؤرخ بتاريخ متقدم، وترجيح المؤرخ بمقارب بوفاته صلى الله عليه وسلم على غير المؤرخ، قال الرازي: والترجيح بهذه السنة، أي إفادتها للرجحان غير قوية.

- القسم الخامس: الترجيح بلفظ الخبر

وذلك بوجوه:

أحدها إلى الخامس والثلاثين: ترجيح الخاص على العام، والعام الذي لم يخصص على المخصص لضعف دلالته بعد التخصيص على باقي أفراده، والمطلق على ما ورد على سبب، والحقيقة على المجاز ، والمجاز المشبه للحقيقة على غيره، والشرعية على غيرها، والعرفية على اللغوية، والمستغنى على الإضمار، وما يقل فيه اللبس، وما اتفق على وضعه لمسماه، والمومي للعلة، والمنطوق، ومفهوم الموافقة على المخالفة، والمنصوص على حكمه مع تشبيهه بمحل آخر، والمستفاد عمومه من الشرط والجزاء، على النكرة المنفية. أو من الجمع المعرف على "من" و "ما"، أو من الكل وذلك من الجنس المعرف، وما خطابه تكليفي على الوضعي، وما حكمه معقول المعنى، وما قدم فيه ذكر العلة، أو دل الاشتقاق على حكمه، والمقارن [ ص: 90 ] للتهديد، وما تهديده أشد، والمؤكد بالتكرار، والفصيح وما بلغة قريش ، وما دل على المعنى المراد، بوجهين فأكثر وبغير واسطة، وما ذكر من معارضه كـ ( كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها. ) والنص والقول، وقول قارنه العمل، أو تفسير الراوي، وما قرن حكمه بصفة على ما قرن باسم، وما فيه زيادة.

القسم السادس: الترجيح بالحكم

وذلك بوجوه:

أحدها: تقديم الناقل على البراءة الأصلية على المقرر لها، وقيل عكسه.

ثانيها: تقديم الدال على التحريم على الدال على الإباحة. والوجوب.

ثالثها: تقديم الأحوط

رابعها: تقديم الدال على نفي الحد.

- القسم السابع: الترجيح بأمر خارجي

كتقديم ما وافقه ظاهر القرآن، أو سنة أخرى، أو ما قبل الشرع، أو القياس، أو عمل الأمة، أو الخلفاء الراشدين، أو معه مرسل آخر، أو منقطع، أو لم يشعر بنوع قدح في الصحابة، أو له نظير متفق على حكمه، أو اتفق على إخراجه الشيخان. [ ص: 91 ]

فهذه أكثر من مائة مرجح، وثم مرجحات أخر لا تنحصر ومثارها غلبة الظن [9] .

ولذلك فإن حسن الفهم للنصوص والأمن من الزلل في التعامل معها يقتضي هـذه السعة العلمية التي تضرب في كل اتجاه؛ولذلك قال الإمام النووي في النوع السادس والثلاثين من أنواع علوم الحديث وهو معرفة مختلف الحديث وحكمه: هـذا من أهم الأنواع ويضطر إلى معرفته جميع العلماء من الطوائف، وهو أن يأتي حديثان متضادان في المعنى ظاهرا فيوفق بينهما، أو يرجح أحدهما، وإنما يكمل له الأئمة الجامعون بين الحديث والفقه، والأصوليون الغواصون على المعاني، وصنف فيه الإمام الشافعي ، ولم يقصد رحمه الله استيفاءه، بل ذكر جملة ينبه بها على طريقه، ثم صنف فيه ابن قتيبة فأتى بأشياء حسنة وأشياء غير حسنة، لكون غيرها أقوى وأولى، وترك معظم المختلف، ومن جمع ما ذكرنا لا يشكل عليه إلا النادر في الأحيان [10] . [ ص: 92 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية