الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
الفصل الثانى: تحليل وتأسيس أسباب ورود الحديث

بداية التأليف في أسباب الورود

لقد كانت البداية، في محاكاة ما كتب في أسباب النزول للكتاب العزيز؛ لما وقف عليه العلماء من أهمية المعرفة بأسباب نزول آيات القرآن الكريم في فهم معاني الآيات الكريمة المرتبطة بأسباب لنزولها، فشرع بعض العلماء من أهل الحديث في تصنيف أسباب ورود الحديث بمنهج أسباب نزول آيات القرآن الكريم، يقول الإمام السيوطي : ... من أنواع علوم الحديث معرفة أسبابه، كأسباب نزول القرآن، وقد صنف فيه الأئمة كتبا في أسباب نزول القرآن، واشتهر منها كتاب الواحدي، ولي فيه تأليف جامع يسمى (لباب النقول في أسباب النزول) .

وأما أسباب الحديث: فألف فيه بعض المتقدمين، ولم نقف عليه، وإنما ذكروه في ترجمته، وذكره الحافظ أبو الفضل ابن حجر في شرح النخبة.

وقد أحببت أن أجمع فيه كتابا، فتتبعت جوامع الحديث، والتقطت منها نبذا، وجمعتها في هـذا الكتاب. والله الموفق والهادي للصواب [1] ويقصد السيوطي بذلك كتابه " اللمع في أسباب الحديث". [ ص: 94 ]

ويذكر جهد من سبقه في ذلك يقول شيخ الإسلام سراج الدين البلقيني [2] في كتابه: "محاسن الاصطلاح": "النوع التاسع والستون: معرفة أسباب الحديث، قال الشيخ أبو الفتح القشيري المشهور بابن دقيق العيد رحمه الله [3] في شرح العمدة في الكلام على حديث ( إنما الأعمال بالنيات ) في البحث التاسع: "شرع بعض المتأخرين من أهل الحديث في تصنيف أسباب الحديث، كما صنف في أسباب النزول للكتاب العزيز، فوقفت من ذلك على شيء يسير له، وحديث "إنما الأعمال بالنيات" يدخل في هـذا القبيل، وينضم إلى ذلك نظائر كثيرة لمن قصد تتبعه [4] .

وإذا كان الإمام السيوطي قد ذكر ما وقف عليه من نماذج سابقة "في أسباب الورود" - كما رأينا - فإنه أشار في الوقت نفسه إلى مصنفات مفقودة في هـذا الموضوع منها:

- تصنيف أبي حفص العكبري [5] . [ ص: 95 ]

- وتصنيف أبي حامد بن قتاده الجوباري [6] .

وذكر السيوطي قول الذهبي - بعد هـذا التصنيف -: ولم يسبق إلى ذلك [7] .

كما أشار صاحب مفتاح السعادة إلى وجود مصنفات في هـذا الفن لكنه لم يرها [8] .

وعلى ذلك فالمصنفات التي بين أيدينا في هـذا النوع من أنواع علوم الحديث، والتي يمكن أن نتعامل معها تحليلا ودراسة، هـي على هـذا الترتيب:

1- ما كتبه الحافظ البلقيني في كتابه محاسن الاصطلاح، وتضمين كتاب ابن الصلاح، والذي تتبع فيه مقدمة ابن الصلاح فقرة فقرة، فأعاد صياغتها تضمينا، ثم عقب عليها بفوائد وزيادات تفصل ما أجمل ابن الصلاح، وتستدرك ما فاته، وتناقش ما يرد على كلامه، حيثما بدا وجه اعتراض، ثم لما وصل في محاسنه إلى نهاية المقدمة، تابع تقديم أنواع خمسة من علوم الحديث لم يتكلم عنها ابن الصلاح " في مقدمته، ومنها النوع التاسع والستون: "معرفة أسباب الحديث". [ ص: 96 ]

والذي يجعلني أعد هـذا الصنيع، من المصنفات، أن الإمام البلقيني لم يتعامل مع هـذا النوع تعامله مع الأنواع الأخرى في ذكر قوانين الرواية، وما عرف من منهج مصطلح الحديث، ولكنه زاد على ذلك. تصنيفا لمجموعة من الأحاديث بأسبابها، مبينا كيف يكون التصنيف في هـذا النوع؛ فلم يكتف بمثال أو مثالين، وإنما قدم مجموعة من الروايات، تعد مثالا يحتذى في هـذا الموضوع.

2- "اللمع في أسباب الحديث"، أو "أسباب ورود الحديث" للحافظ جلال الدين السيوطي ، وقد قام بتحقيقه الدكتور يحيى إسماعيل ، في عمله للماجستير.

3- "البيان والتعريف في أسباب ورود الحديث الشريف" تأليف السيد الشريف إبراهيم بن محمد بن كمال الدين الشهير بابن حمزة الحسيني الدمشقي [9] ،وقد حققه وعلق عليه فضيلة الدكتور الحسيني عبد المجيد هـاشم رحمه الله.

التالي السابق


الخدمات العلمية