الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

النظم التعليمية الوافدة في أفريقيا (قراءة في البديل الحضاري)

الدكتور / قطب مصطفى سانو

النظام التعليمي.. مبنى ومعنى

يذهب أكثر علماء المعاجم [1] إلى القول: بأن لفظة (النظام) تعني التأليف والاتساق، والجمع بين شيئين فأكثر. ومنه قولهم: نظم زيد اللؤلؤ إذا جمعه في السلك، ونظم عمرو أفكاره إذا ألف بين الكلمات والجمل، ورتب بين معانيها.. كما تعني لفظة النظام أيضا الطريقة والسيرة، ومن ذلك قولهم: ليس لأمره نظام، أي لا تستقيم طريقته، وليس له استقامة.. وربما استخدمت لفظة النظام للدلالة على جملة من القواعد والمبادئ التي توجه عملية ما، لكي تحقق أهدافا محددة، وهذا المعنى الأخير للفظة النظام يكاد يكون معنى اصطلاحيا مستفادا من المعنيين اللغويين السالفين، إذ أنه يقوم على الدمج بين التأليف والطريقة.

وأما النظام بالمعنى الاصطلاحي، فله عدة تعريفات، ولعل من أهمها تعريف ( بكلي BucKly ) الذي يقول: إن النظام عبارة عن كل مركب من العناصر أو المكونات المرتبطة بصفة مباشرة أو غير [ ص: 43 ] مباشرة بشبكة من العلاقات السببية، بحيث يرتبط كل مكون بعدد من المكونات الأخرى بطريقة ثابتة، ولفترة زمنية محددة. [2] .

فالنظام حسب هـذا التصور شيء مركب من عدد من أجزاء مترابطة متكاملة، بحيث يختص كل جزء منها بأداء وظيفة معينة، إضافة إلى وجود درجة من التآزر والتكامل بين الأجزاء المختلفة في أداء الوظائف المختلفة والمحددة لكل جزء.

وأما التعليم، فيعرفه بعض علماء التربية بأنه: (صناعة تهدف إلى إنتاج أعداد من القوى البشرية التي تعمل في قطاعات الحياة المختلفة، ومجالات الإنتاج المتعددة) [3] وأيا ما كان الأمر، فإن المعاني اللغوية والاصطلاحية لكلمتي النظام والتعليم كلها مرادة في هـذه الدراسة، ويمكننا أن نصوغ تصورنا للنظام التعليمي بأنه: مجموع المبادئ والقيم الكلية التي توجه العملية التعليمية، لتحقق أهدافا تصبو إليها مؤسسة تعليمية معينة، في بيئة معينة وفي عصر معين. [ ص: 44 ]

فهذا التصور للنظام التعليمي يقوم على مراعاة جملة من العناصر المهمة التي لا بد من توافرها في كل ما يصح أن نطلق عليه بأنه نظام تعليمي، وتلك العناصر هـي: [4]

أ - المرجعية : وهي عبارة عن الفلسفات والقيم والمبادئ العامة، التي تقوم عليها العملية التعليمية، والتي يستند إليها في صياغة الأهداف التعليمية، وتوجيه العملية بصورة عامة.

ب - الأهداف : ويراد بها استبصار سابق ومقدم لجملة من النتائج والغايات التي يمكن أن تتحقق في ظل الإمكانات المتاحة، وتمثل هـذه الأهداف النواة الأساس التي تتحرك فيها العملية التعليمية [5] .

جـ - البيئة : ويقصد بها الظروف التي تحيط بالشخصية المستهدفة بالتعليم، وبالمجتمع الذي يراد إحداث تغيير فيه، وتؤثر في شخصية المتعلم وفي بيئته، كما يؤثر المتعلم هـو الآخر في البيئة بعد تعلمه، وحيازته جملة من الأدوات والمعارف [6] . [ ص: 45 ]

فهذه هـي العناصر الأساس التي تتكون منها النظم التعليمية المختلفة، ولا نخال وجود أي نظام تعليمي خلو من هـذه العناصر؛ لأنها هـي التي تشكل بمجموعها أركانا ضرورية واجبة التوافر في النظم التعليمية.. وفي ضوء خصائص كل منها، يتم تصنيف النظم التعليمية بتصنيفات مختلفة.

فعنصر المرجعية -على سبيل المثال- يعتبر قاعدة أساس لتحديد توجه النظام التعليمي، وإبراز ملامحه.

وعنصر الأهداف يلعب دورا في تحديد مدى صلاحية النظام للاستمرارية والبقاء.

وأما عنصر البيئة، فيشكل القاعدة التي يستند إليها في تحديد ملاءمة النظام، ومواكبة ضروريات المجتمع وحاجاته.

إن مرمانا من هـذه التقدمة، هـو التوصل إلى وصف وتصنيف علميين دقيقين للنظم التعليمية السائدة في القارة الإفريقية، تمهيدا لتحليلها، فنقدها، ثم اقتراح بديل حي لها. ولئن كان من المفترض في النظام التعليمي أن تكون مرجعيته انعكاسا للفلسفات والقيم التي يعتنقها المتعلم، وكان الواجب في النظام استهداف تحقيق غايات [ ص: 46 ] سامية تتوافق مع مرجعيته من جهة، وتلبي ضروريات المتعلم وحاجاته الأساس، بل لئن كان المتوقع من النظام أن يصدر عن واقع المتعلم وظروفه القائمة بحيث يرتقي به نحو الأفضل، لئن كان كل ذلك متوقعا توافره في النظام التعليمي، فإن النظام التعليمي الذي لا يلقي لهذه العوامل بالا، ليس له من وصف سوى كونه نظاما غريبا وافدا، بمعنى: أن نظاما تعليميا يصدر عن مرجعية غير عاكسة للمبادئ والقيم التي يعتنقها المجتمع،واستهدافه تحقيق أهداف مجهولة للمجتمع، إضافة إلى تجاهله ظروف المجتمع وضرورياته، لا يعدو أن يكون نظاما تعليميا وافدا، يشكل بقاؤه عقبة في طريق أي تقدم أو تطور للمجتمعات التي يسود فيها هـذا النظام.

وبناء على هـذا، فإننا نستطيع أن نقول في اطمئنان: بأن النظم التعليمية السائدة في أكثر أرجاء القارة نظم وافدة غريبة، تحتاج إلى مراجعة جذرية، فمعالجة سريعة، قصد الارتقاء بالمجتمعات الإفريقية نحو حياة سعيدة هـانئة مستقرة. وبطبيعة الحال، إن وصفنا هـذه النظم التعليمية السائدة بكونها نظما وافدة، يقتضي البحث العلمي النزيه إثبات هـذا الادعاء بالأدلة العلمية المقنعة، عن طريق تحليل تلك النظم تحليلا دقيقا، وذلك ما سنأتي عليه في المبحث التالي، بإذنه تعالى. [ ص: 47 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية