الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
معلومات الكتاب

الارتقاء بالعربية في وسائل الإعلام

نور الدين بليبل

استهلال

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:

فلقد أرخى الإعلام سدوله على الحياة المعاصرة، وأضحى يتبوأ مكانة مهمة لدى إنسان اليوم، إذ أصبح يشارك -وبقوة- في تعميم الدرايات والخبرات، وأنماط العيش، والأنباء، وينشرها عبر الآفاق، وعلى أوسع نطاق، وأسرع وقت، مما أتاح للأفكار والمعارف أن تمتد بجذورها عميقا في أمصار تبعد كثيرا عن موطنها الأول.

وتعد وسائل الإعلام والاتصال -في الوقت الراهن- من الأدوات المثلى لفرض ديمومة هيمنة الحضارات القوية، ولغات أقوامها، وأسلوب حياتهم، فهي تمتلك قدرات هائلة شديدة التنوع، تمكنها من إحداث التأثيرات المنشودة.

ومن المعلوم أن داخل كل عملية إعلام تشكل اللغة المستخدمة، وطريقة توظيفها، الركيزة الأساس لنجاح أو فشل السياق الاتصالي، وذلك باعتبارها الوسيلة الأكثر تأهيلا لتبليغ الأفكار والانفعالات والرغبات والتصورات والقيم.

في عصر العولمة الذي نلج ساحاته مرغمين، غير مخيرين، يبرز [ ص: 41 ] الصراع اللغوي جليا، حيث يحتل السعي من أجل الذات، والمنافحة من أجل مواكبة مستجدات الدهر الراكضة، صدارة المواجهات.

ومن نافلة القول: إن العولمة الثقافية، هي في حقيقة الأمر تؤسس لهيمنة ثقافة الأمم الأكثر تقدما وتصنيعا، وترضي تجارهم في المقام الأول، كما تغذي روح التسلية المفرطة لدى الناس كافة، وكذلك تسعى لصنع بديل حضاري ذي قوة يبتز التعدد الثقافي واللغوي.

من أجل ذلك كله، تكتسي مسألة النهوض باللغة العربية وتأكيد وجودها أهمية قصوى، ويمكن أن يتم عبر المؤسسة التعليمية، والمجامع اللغوية، بيد أن المؤسسات الإعلامية، تتبوأ الريادة في هذا المجال، لأنها ببساطة الأكثر اتصالا بالناس، والأكثر ملازمة لهم، والأكثر عدة وعددا.

لا أخفي، أن نشر قائمة اللغات التي ستزول خلال هذا القرن، حرض في رغبة البحث عن دور الإعلام في النهوض باللغة العربية، بنوع من التوسع والتركيز، غير أن الأمر من ناحية الاهتمام والبحث والتدريس، يعود إلى ما قبل ذلك بسنوات عدة، ولاعتبارات كثيرة، من أهمها ما يأتي:

-غيرتي العارمة على لغتنا العربية، التي هي لسان القرآن [ ص: 42 ] الكريم، وعنوان ووعاء حضارتنا.

- الأسلوب السيئ الذي تكتب أو تذاع به النصوص بالعربية في وسائل إعلامنا.

- أثر اللغة الإعلامية، في إثراء الزاد اللغوي للناس.

- جعل اللغة العربية للصحفيين ذلولا، وعلى الرغم من ذلك لم يمشوا في مناكبها.

إن من المتعارف عليه، أن اللغة الإعلامية ترتكز على وتدين اثنين: الأول يخص فن التحرير على ضوء الجنس الإعلامي (الخبر، الافتتاحية، التعليق، الاستطلاع، التحقيق ) والوسيلة الإعلامية (صحيفة، إذاعة، تلفاز ) .

والثاني: يتصل بطبيعة وخصائص اللغة المستخدمة في العملية الاتصالية.. وعلى الرغم من ذلك، يجري -أحيانا- توظيفها مع الإخلال بأصولها وقواعدها الثابتة، وعدم المحافظة على سلامتها.

ربما يتساءل سائل: كيف السبيل إلى ترقية اللغة العربية بواسطة الإعلام؟

من الجلي أن الإجابة قد تأخذ شكل صيغ عدة يقتضيها الحال، وقد عرضتها على النحو التالي: [ ص: 43 ]

إن لغة الإعلام، على الرغم من خصوصيتها وتميزها عن أنواع النثر اليومي، إلا أن وسطيتها -أي موقعها بين النثر العلمي والأدبي ولغة الحديث اليومي- تمنحها قوة الاستخدام، وحسن التبليغ، وشساعة الانتشار، وطول الملازمة.

ومن نافلة القول: إن لغة الإعلام تتراوح بين النصوص الموغلة في البساطة (الخبر، التقرير) والنصوص الأشد تعقيدا (التحقيق، الحديث الصحفي) ، حيث تتيح بذلك الفرصة للباحث الكبير والتلميذ الغض، للنهل من نبعها وانتقاء أنسب أساليبها.

وهكذا يمكن للإعلام أن يخدم اللغة العربية، ويرقيها بطرق شتى، من ذلك مثلا:

صقل لسان جمهورها وتهذيبه، من خلال ترقية اللهجات العامية والتأسيس للغة مشتركة موحدة، وهنا يمكن للإذاعة والتلفاز أن يلعبا دورا لا يستهان به في هذا المجال.

وكذلك يشكل تعامل وسائل الإعلام مع المصطلحات الجديدة أهمية قصوى في حياة الأمة العلمية والثقافية، إذ إن عملية توظيف المصطلح الحديث الوافد، أضحت تثير جدلا محتدما بين أنصار تأكيد الذات وزمرة الانفتاح الكلي على مستجدات العصر. [ ص: 44 ] والصحافة من خلال توظيفها للمصطلحات، تعمل على خدمة هذا الطرف أو ذاك.

هذه الدراسة لم تتوقف عند تخوم ظاهرة الإعلام واللغة، بل حاولت الغوص في التفاصيل، واقتراح جملة من الحلول للأوضاع القائمة، وذلك من أجل المساهمة الفعالة في الأخذ بالأسباب لترقية العربية، وجعلها اللغة الأولى على مستوى الحديث اليومي والنصوص المكتوبة.

كما أفردت الدراسة حيزا مهما من مادتها لفنيات الكتابة الصحفية وفق المعايير العالمية، وذلك من أجل إثارة الانتباه إلى ضرورة التحكم الجيد في فنون التبليغ والبيان والإقناع، لتحقيق الأهداف المتوخاة كافة.

ولا أختم دون الإشارة إلى أن الأسلوب الصحفي، هو شأن الإعلاميين وأهل اللغة معا، إذ لا يمكن أن نتوقع نتائج ذوات بال، إذا ترك الأمر للمحاولات الفردية، التي تعوزها الصلابة في كثير من الأحيان.

والله نسأل أن يوفقنا إلى الخير والسداد، ويهيء لنا من أمرنا رشدا. [ ص: 45 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية