الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
سمات اللغة العربية

يشير الدكتور علي عبد الواحد وافي في كتابه " فقه اللغة " إلى أن اللغة العربية تتوافر على عاملين، لم يتوافرا لغيرها من اللغات السامية:

لقد احتفظت العربية بأكبر قدر من مقومات اللسان السامي الأول، وبقي فيها من تراث هذا اللسان ما تجردت منه أخواتها السامية، فتميزت عنها بفضل ذلك بخواص كثيرة، يرجع أهمها إلى الأمور الآتية:

1- أنها أكثر أخواتها احتفاظا بالأصوات السامية..

2- أنها أوسع أخواتها جميعا، وأدقها في قواعد النحو والصرف..

3- أنها أوسع أخواتها ثروة في أصول الكلمات والمفردات..

اللغة العربية، تتميز بغزارة في مفرداتها، ودقة في قواعدها، وسمو ومرونة في أساليبها، وثروة في آدابها وتراثها، وقدرة الإبانة عن مختلف نواحي التفكير والوجدان، ومن تلك السمات نذكر ما يأتي [1] :

1- أن فـي اللغـة العـربية من الـمقومات والدقة الصارمة والأسس ما يخولها لأن تكون قادرة على أخذ مكانها الصحيح في هذا العصر. [ ص: 54 ]

2- الألفاظ العربية هي أوزان موسيقية، والكلمات ذات الوزن الموسيقي الواحد لها دلالة معنوية محددة.

3- اللغة العربية هي اللغة الحية الوحيدة في العالم، التي بقيت دون تغيير في كلماتها ونحوها وتراكيبها منذ أربعة عشر قرنا مضت.

4- إن اللغة العربية فيها من القواعد الرصينة والأساليب البلاغية ما يضبط الدلالة على المعاني الكثيرة المعتادة.

5- معظم مشتقاتها تقبل التصريف، إلا فيما ندر منها، وهذا يجعلها في طوع أهلها أكثر من غيرها، ويجعلها أيضا أكثر تلبية لحاجة المتكلمين.

ولعل من أخص ما ميز اللغة العربية استعمالها الدقيق للفظ، حتى أن هذه الدقة في الاستعمال اللغوي قد عنيت بها كثير من كتب اللغة قديما، فأسست بذلك منهجا في الدرس اللغوي [2] .

ومن ضروب الدقـة ما يظـهر فـي اقـتران الألفـاظ بعضها بـبعض، فقد خصص العرب ألفاظا لألفاظ، وقرنـوا كلمات بأخرى، ولم يقرونها بغيرها، ولو كان المعنى واحدا، فقد قالوا في وصف شدة الشيء:

- ريح عاصف

- برد قارس

- حر لافح [ ص: 55 ]

وفي الوصف بالامتلاء:

- كأس دهاق

- بحر طام

- نهر طافح

- واد زاخر

- فلك مشحون

- مجلس غاص.

يقول الدكتور محمد المبارك رحمه الله في مؤلفه (فقه اللغة) : " إن دقة التعبير والتخصيص، سبيل من سبل الفكر العلمي الواضح المحدد، تحتاج إليه كل أمة في تربية أبنائها على التفكير الواضح الدقيق، الذي يعدهم للعمل والبحث العلمي " .

والتخصيص اللغوي، والدقة في التعبير، أمور لا بد منها للصحفي لوصف دقائق الأشياء، وإبراز خصوصياتها وطبيعتها الـمتميزة، وكذلك للتعبير عن الـمشاعر والعواطـف والانفـعالات، والألـوان فـي شتى صورها..

يقول الأستاذ محمد مراح [3] : لقد وجدنا المصطلحات الآتية: (في كتاب التربية البدنية ) كرة القدم: (ضربة مرمى - ضربة جزاء – [ ص: 56 ] ضربة البداية) ، ومن الجدير بالذكر أن هذه المصطلحات، قد وردت على أحد المـجامع اللغـويـة العربـيـة، فاسـتـقر الـرأي فـيها على استبدالها كالآتي: (ركلة هدف، ركلة العقوبة، ركلة البداية) ، والملاحظ استبدال (ضربة) -بـ (ركلة) ، ومرد هذا الاستبدال دقة الاستعمال اللغوي، وقد ورد في " الصحاح للجواهري " : " الركل: الضرب بالرجل الواحدة " .

إننا الآن ندفع ثمن ما أصاب لغتنا العربية إبان عصور الانحطاط، الحقبة الاستعمارية، وإذا نحن لم نجتهد ونكد لاستدراك الأمر، فإن الأجيال القادمة ستصلهم لغتنا -بدون شك- وهي في أسوأ حال.

وكما يقول الدكتور محمد المبارك في كتابه (خصائص العربية ) : " إن العربية قد أصيبت في عصور الانحطاط بمرض العموم، والغموض، والإبهام، كنتيجة لافتقاد وظيفتها الهادفة في هذه العصور، فضاعت الفروق الدقيقة بين الألفاظ المتقاربة، فغدت مترادفة، وكثر استعمال الألفاظ في المعاني المجازية وصرفت عن معانيها الأصيلة، فضاع الفكر بين الحقيقة والخيال، وزالت الخصائص المميزة والفروق الفاصلة، وأصبح لكل موضوع مهما تكرر قوالب من اللغة ثابته، وأداة اللفظ لا تتغير، وتعابير مصوغة لكل مناسبة أو موضوع، تنقل وتلصق كلما تكررت تلك المناسبة، أوعرض ذلك الموضوع: وصف حديقة، أو تعزية صديق، أو التعبير عن فرح، أو طرب، لم يتغير الكلام، أيا كانت تلك الحديقة، وفي أي بلد، وأيا كانت مناسبة التعزية أو الفرح، وفي ذلك قتل لخصائص اللغة العربية ومزاياها الإعلامية، من إبراز المقومات والمزايا الخاصة والدقائق الخفية " . [ ص: 57 ]

ونحن اليوم أحوج ما نكون إلى بعث اللفظ الدقيق من لغتنا، وإحياء الفروق بين الألفاظ، لتكون لدينا لغة تصلح أن تكون أداة للإعلام العربي في مواجهة التقدم الهائل، وانطلاق وسائل الاتصال بالجماهير [4]

إن العربية التي قال عنها أحد أعلام الفكر الإسلامي: إنها اللغة التي لا يحيط بها علما إلا نبي، لا يمكنها بأي حال من الأحوال أن تكون أداة عرقلة للتعبير الصحفي، فهي تحتمل قوة الوصف، وغور الإحساس، وشدة التنوع، ودقة المقصد، وأصالة الشيء.

ومن الأكيد أن الصحفي الذي يكون زاده اللغوي ضحلا، سينتج -بلا ريب - نصوصا مشوهة، تنقصها الصلابة والدقة وقوة التعبير، وقد نعيب لغتنا والعيب فينا.. وهكذا، فإن اللغة العربية جعلت للصحفيين ذلولا فما عليهم إلا المشي في مناكبها. [ ص: 58 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية