الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وأما أبو حنيفة ومن تابعه فإنهم استدلوا على حقن دمه بقوله صلى الله عليه وسلم أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله وحده فإن قالوا عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها ، وحسابهم على الله ، عز وجل وهذا قد قال لا إله إلا الله فوجب أن يكون دمه محقونا ، وأيضا وما رواه عثمان بن عفان - رضي الله عنه - أنه قال لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث : كفر بعد إيمان ، أو زنا بعد إحصان أو قتل نفس بغير نفس وهذا لم يفعل أحد هذه فوجب أن يكون محقون الدم ، قالوا : ولأنها عبادة تؤدى وتقضى ، فوجب أن لا يقتل بتركها كالصوم ، قالوا : ولأنها عبادة شرعية فوجب أن لا يستحق القتل بتركها كسائر العبادات .

                                                                                                                                            والدلالة على إباحة دمه قوله تعالى : فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم [ التوبة : 5 ] إلى قوله تعالى : فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم [ التوبة : 5 ] . فأمر بقتلهم ثم استثنى منهم من جمع شرطين : التوبة ، وإقامة الصلاة ، فعلم أن من أتى بأحدهما وهو التوبة دون الصلاة كان الأمر بقتله باقيا .

                                                                                                                                            وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ألا إني نهيت عن قتل المصلين فلما كان فعلها سببا لحقن دمه كان تركها سببا لإراقته ، ولأنها أحد أركان الإسلام الذي لا يدخله النيابة ببدل ولا مال ، فوجب أن يقتل بتركها كالإيمان ، ولأن الصلاة والإيمان يشتركان في الاسم والمعنى ، فأما اشتراكهما في الاسم فهو أن الصلاة تسمى إيمانا قال الله تعالى : وما كان الله ليضيع إيمانكم [ البقرة : 143 ] . يعني : صلاتكم ، وأما اشتراكهما في المعنى فمن وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن من لزمه الإيمان لزمه فعل الصلاة ، وقد لا يلزمه الصيام إذا كان شيخا هرما ، ومن لم يلزمه فعل الصلاة لم يلزمه الإيمان كالصبي والمجنون .

                                                                                                                                            والثاني : أن من هيئات الصلاة ما لا يقع إلا طاعة لله سبحانه كالإيمان الذي لا يقع إلا لله ، عز وجل ، فلما وجب اشتراكهما في الاسم والمعنى وجب اشتراكهما في الحكم ؛ ولأن الشرع يشتمل على أوامر ونواهي ، فلما قتل بفعل ما نهي عنه وإن كان معتقدا لتحريمه اقتضى أن يقتل بترك ما أمر به وإن كان معتقدا لوجوبه .

                                                                                                                                            فأما الجواب عن الخبر الأول فقد قال صلى الله عليه وسلم فيه " إلا بحقها " ، والصلاة من حقها ، كما قال أبو بكر رضي الله عنه في مانعي الزكاة .

                                                                                                                                            [ ص: 527 ] وأما الجواب عن الخبر الثاني وقوله : " لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث : كفر بعد إيمان " فأباح دمه بالكفر مع الإسلام ، ولا يكون ذلك إلا بترك الصلاة ، لأنه يكون مسلما وأحكام الكفر جارية عليه في إباحة الدم .

                                                                                                                                            وأما الجواب عن قياسهم على الصوم والعبادات فالمعنى فيه : أن استيفاء ذلك ممكن منه ، واستيفاء الصلاة غير ممكن كالإيمان .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية