الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 394 ] والمعقول من الكتاب والسنة أنه إذا كان إنما لم يقع به الطلاق لأنه منكر من القول وزور، فكل قول هو منكر أو زور لا يقع به طلاق، والطلاق المحرم منكر من القول؛ لأنه محرم، وكل محرم منكر، وكونه منكرا يوجب أن لا يترتب أثره عليه.

وقد يقال: هو زور، لكونه اعتقد أنه يملك إيقاعه، وهو كاذب في هذا الاعتقاد، فإن الله لم يملك أحدا ما هو محرم، فكل قول أو فعل محرم فإن الله نهى عنه، ولم يأذن فيه، ولم يجعل العبد مالكا له.

والظهار لما كان محرما لم يملك أحد أن يظاهر، ولم يبحه، وإذا ظاهر لم يترتب على الظهار موجبه، وهو التحريم الموجب لزوال الملك ووقوع الطلاق، كما كانوا عليه في الجاهلية، بل جعل عليه كفارة إذا اختار بقاء امرأته ووطئها، لكونه حرمها، وهو قد فرض التحلة، وإن اختار أن يفارقها ويطلقها فقد أنشأ طلاقا شرعيا مباحا، وذلك له، ولا كفارة عليه، بل عليه أن يستغفر الله من الظهار، فإنه ذنب.

والكفارة لا تجب بكل ذنب، كما لو حرم الحلال بيمين أو غير يمين فإنه منهي عن ذلك بقوله: لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ، وقوله: لم تحرم ما أحل الله لك ، ومع هذا فلا كفارة عليه إلا إذا عاد فاستحل ما حرمه، دون ما إذا اجتنبه، وذلك أنه إذا اجتنبه وطلق المرأة، ففي هذا من الحرج والضرر عليه ما يشبه جزاء ذلك الذنب، فلا بد من التكفير أو اجتناب ما حرمه، وهو في المرأة بطلاقها، [ ص: 395 ] وكانوا قبل أن يشرع الله الكفارة يتعين اجتناب ما حرموه، لا يباح بكفارة.

وهذا الذي ذكرناه من أن الكفارة لا تجب إلا إذا عاد، هو قول جمهور المسلمين من السلف والخلف ، وحكي عن طائفة أن الكفارة تجب بمجرد الظهار، حكي ذلك عن مجاهد والثوري. قال الحاكي عنهما: والمراد من العود هو العود إلى ما كانوا عليه في الجاهلية من نفس الظهار.

وهذا القول في تفسير العود هو معروف عن ابن قتيبة، فإنه لما أنكر على من قال: إنه لا يقع بلفظ واحد، قال : وإنما تأويل الآية أن أهل الجاهلية كانوا يطلقون بالظهار، فجعل الله حكم الظهار في الإسلام خلاف حكمه عندهم في الجاهلية، وأنزل قوله: والذين يظاهرون من نسائهم يريد في الجاهلية ثم يعودون لما قالوا في الإسلام، أي يعودون لما كانوا يقولونه من هذا الكلام. وهذا كما قد قيل في قوله في الصيد: عفا الله عما سلف أي في الجاهلية، ومن عاد أي في الإسلام فينتقم الله منه .

قلت: وهذا قول ضعيف، فإنه قال: ثم يعودون لما قالوا ، فلا بد من عود بعد الظهار، والعود إلى ما كانوا عليه في الجاهلية هو نفس الظهار. [ ص: 396 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية