الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                        صفحة جزء
                                        [ ص: 498 ] باب من استقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه من أصحابه، ثم استقبال الأنصار إياه ودخوله ونزوله وفرح المسلمين بمجيئه والآيات التي ظهرت في نزوله

                                        أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان، ببغداد قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن عتاب، قال: حدثنا القاسم بن عبد الله بن المغيرة، قال: حدثنا إسماعيل بن أبي أويس، قال: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة، عن عمه موسى بن عقبة قال: ويقال: لما دنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر من المدينة، وقدم طلحة بن عبيد الله من الشام، خرج طلحة عامدا إلى مكة كما ذكر له رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، خرج إما متلقيا لهما، وإما عامدا عمده بمكة، معه ثياب أهداها لأبي بكر من ثياب الشام، فلما لقيه أعطاه الثياب، فلبس رسول الله صلى الله عليه وسلم منها وأبو بكر.

                                        قال موسى بن عقبة: وزعم ابن شهاب أن عروة بن الزبير قال: إن الزبير لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم في ركب من المسلمين كانوا تجارا بالشام قافلين إلى مكة، فعارضوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فكسا الزبير رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر ثيابا بيضا.

                                        قال: وسمع المسلمون بالمدينة بمخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة، فكانوا [ ص: 499 ] يغدون كل غداة إلى الحرة ينتظرون حتى يؤذيهم حر الظهيرة، فانقلبوا يوما فلما أووا إلى بيوتهم أوفى رجل من يهود على أطم لأمر ينظر إليه، فبصر برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يزول بهم السراب مبيضين، فلم يملك اليهودي نفسه أن صاح بأعلى صوته: يا معشر العرب هذا صاحبكم الذي تنتظرون، فثار المسلمون إلى سلاحهم، فتلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقوه إلى بني عمرو بن عوف، وذلك يوم الاثنين لهلال شهر ربيع الأول.

                                        فقام أبو بكر رضي الله عنه، فذكر الناس، وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم صامتا، فطفق من جاء من الأنصار ممن لم يكن رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحسبه أبا بكر حتى إذا أصابت الشمس رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل أبو بكر حتى أظل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بردائه، فعرف الناس عند ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بعبد الله بن أبي ابن سلول وهو على ظهر الطريق، وهو في بيت، فوقف عليه النبي صلى الله عليه وسلم ينتظر أن يدعوه إلى المنزل، وهو يومئذ سيد الخزرج في أنفسها، فقال له عبد الله: انظر الذين دعوك فانزل عليهم، فذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفر من الأنصار وقوفه على عبد الله بن أبي والذي [ ص: 500 ] قال له: فقال له سعد بن عبادة: إنا والله يا رسول الله، لقد كنا قبل الذي خصنا الله به منك، ومن علينا بقدومك، أردنا أن نعقد على رأس عبد الله بن أبي التاج، ونملكه علينا.

                                        فعمد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وقوفه على عبد الله بن أبي إلى بني عمرو بن عوف، ومعه أبو بكر الصديق، وعامر بن فهيرة، فنزل على كلثوم بن الهدم، وهو أحد بني زيد بن مالك، وكان مسكنه في دار ابن أبي أحمد.

                                        وقد كان قدم على بني عمرو بن عوف قبيل قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعده ناس كثير من المهاجرين فنزلوا فيهم، فعد أسماء النازلين والمنزلين.

                                        ثم قال: ومكث رسول الله صلى الله عليه وسلم في بني عمرو بن عوف ثلاث ليال، ويقول بعض الناس: بل مكث أكثر من ذلك، واتخذ فيهم مسجدا، وأسسه وهو الذي ذكر في القرآن أنه أسس على التقوى.

                                        ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب يوم الجمعة فمر على بني سالم، فصلى فيهم الجمعة، وكانت أول جمعة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة حين قدم واستقبل بيت المقدس فلما أبصرته اليهود صلى إلى قبلتهم تذاكروا بينهم أنه النبي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل .

                                        [ ص: 501 ] ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم من بني سالم فقالوا: يا رسول الله فينا العدد والعدة والمنعة، وقال مجمع بن يزيد: مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا اثنتين وعشرين ليلة، وكانت الأنصار قد اجتمعت فتلقوه قبل أن يركب من بني عمرو بن عوف، فمشوا حول ناقته، لا يزال أحدهم ينازع صاحبه زمام الناقة شحا على كرامة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيما له، ولكلما مر بدار من دور الأنصار دعوه إلى المنزل، فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دعوها فإنها مأمورة، إنما أنزل حيث أنزلني الله تعالى" ، فلما انتهت به الناقة إلى باب بني أيوب بركت على الباب، فنزل فدخل بيت أبي أيوب فنزل عليه، فأنزله في سفل بيته وظهر أبو أيوب إلى أعلى البيت، فكان أبو أيوب في العلو ورسول الله صلى الله عليه وسلم في السفل، فتذكر أبو أيوب منزله فوق رأس النبي صلى الله عليه وسلم فبات ساهرا يكره أن يأتي النبي صلى الله عليه وسلم في الليل فيستأمره في التحويل ويعظم أن يكون منزله فوق رأس النبي صلى الله عليه وسلم فلم يزل ساهرا حتى أصبح، فأتاه فقال: يا رسول الله، إني أخشى أن أكون قد ظلمت نفسي.

                                        أني كنت ساكنا فوق رأس النبي صلى الله عليه وسلم فينتثر التراب من وطء أقدامنا عليك، وإن أطيب لنفسي أن أكون تحتك في أسفل البيت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "السفل أرفق بنا وبمن يغشانا" ، فلم يزل أبو أيوب يتضرع إليه حتى انتقل النبي صلى الله عليه وسلم إلى العلو، وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ساكنا في بيت أبي أيوب ينزل عليه القرآن ويأتيه فيه جبريل حتى ابتنى رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجده ومسكنه.

                                        التالي السابق


                                        الخدمات العلمية