الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ جور ]

                                                          جور : الجور : نقيض العدل ، جار يجور جورا . وقوم جورة وجارة ؛ أي : ظلمة . والجور : ضد القصد . والجور : ترك القصد في السير ، والفعل : جار يجور ، وكل ما مال ، فقد جار . وجار عن الطريق : عدل . والجور : الميل عن القصد . وجار عليه في الحكم وجوره تجويرا : نسبه إلى الجور ; وقول أبي ذؤيب :


                                                          فإن التي فينا زعمت ومثلها لفيك ولكني أراك تجورها

                                                          إنما أراد : تجور عنها فحذف وعدى ، وأجار غيره ; قال عمرو بن عجلان :


                                                          وقولا لها ليس الطريق أجارنا     ولكننا جرنا لنلقاكم عمدا

                                                          وطريق جور : جائر ، وصف بالمصدر . وفي حديث ميقات الحج : وهو جور عن طريقنا ; أي : مائل عنه ليس على جادته ، من : جار يجور ، إذا مال وضل ; ومنه الحديث : حتى يسير الراكب بين النطفتين لا يخشى إلا جورا ; أي : ضلالا عن الطريق ; قال ابن الأثير : هكذا روى الأزهري ، وشرح : وفي رواية لا يخشى جورا ، بحذف إلا ، فإن صح فيكون الجور بمعنى الظلم . وقوله تعالى : ومنها جائر ; فسره ثعلب فقال : يعني اليهود والنصارى . والجوار : المجاورة والجار الذي يجاورك . وجاور الرجل مجاورة وجوارا وجوارا ، والكسر أفصح : ساكنه . وإنه لحسن الجيرة : لحال من الجوار وضرب منه . وجاور بني فلان وفيهم مجاورة وجوارا : تحرم بجوارهم ، وهو من ذلك ، والاسم الجوار والجوار . وفي حديث أم زرع : ملء كسائها ، وغيظ جارتها ; الجارة : الضرة من المجاورة بينهما ؛ أي : أنها ترى حسنها فتغيظها بذلك . ومنه الحديث : كنت بين جارتين لي ; أي : امرأتين ضرتين . وحديث عمر قال لحفصة : لا يغرك أن كانت جارتك هي أوسم وأحب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منك ; يعني عائشة ; واذهب في جوار الله . وجارك : الذي يجاورك ، والجمع أجوار وجيرة وجيران ، ولا نظير له إلا قاع وأقواع وقيعان وقيعة ; وأنشد :


                                                          ورسم دار دارس الأجوار

                                                          وتجاوروا واجتوروا بمعنى واحد : جاور بعضهم بعضا ; أصحوا " اجتوروا " إذا كانت في معنى تجاوروا ، فجعلوا ترك الإعلال دليلا على أنه في معنى ما لا بد من صحته ، وهو تجاوروا . قال سيبويه : اجتوروا تجاورا وتجاوروا اجتوارا ، وضعوا كل واحد من المصدرين موضع صاحبه ، لتساوي الفعلين في المعنى وكثرة دخول كل واحد من البناءين على صاحبه ; قال الجوهري : إنما صحت الواو في اجتوروا ; لأنه في معنى ما لا بد له من أن يخرج على الأصل لسكون ما قبله ، وهو تجاوروا ، فبني عليه ، ولو لم يكن معناهما واحدا لاعتلت ; وقد جاء : اجتاروا معلا ; قال مليح الهذلي :


                                                          كدلخ الشرب المجتار زينه     حمل عثاكيل فهو الواثن الركد

                                                          التهذيب : عن ابن الأعرابي : الجار الذي يجاورك بيت بيت . والجار [ ص: 237 ] النفيح : هو الغريب . والجار : الشريك في العقار . والجار : المقاسم . والجار : الحليف . والجار : الناصر . والجار : الشريك في التجارة ، فوضى كانت الشركة أو عنانا . والجارة : امرأة الرجل ، وهو جارها . والجار : فرج المرأة . والجارة : الطبيجة ، وهي الاست . والجار : ما قرب من المنازل من الساحل . والجار : الصنارة السيء الجوار . والجار : الدمث الحسن الجوار . والجار : اليربوعي . والجار : المنافق . والجار : البراقشي المتلون في أفعاله . والجار : الحسدلي الذي عينه تراك وقلبه يرعاك . قال الأزهري : لما كان الجار في كلام العرب محتملا لجميع المعاني التي ذكرها ابن الأعرابي لم يجز أن يفسر قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : الجار أحق بصقبه ، أنه الجار الملاصق إلا بدلالة تدل عليه ، فوجب طلب الدلالة على ما أريد به ، فقامت الدلالة في سنن أخرى مفسرة أن المراد بالجار الشريك الذي لم يقاسم ، ولا يجوز أن يجعل المقاسم مثل الشريك . وقوله - عز وجل - : والجار ذي القربى والجار الجنب ; فالجار ذو القربى هو نسيبك النازل معك في الحواء ويكون نازلا في بلدة وأنت في أخرى فله حرمة جوار القرابة ، والجار الجنب أن لا يكون له مناسبا فيجيء إليه ويسأله أن يجيره ؛ أي : يمنعه فينزل معه ، فهذا الجار الجنب له حرمة نزوله في جواره ومنعته وركونه إلى أمانه وعهده . والمرأة جارة زوجها ; لأنه مؤتمر عليها ، وأمرنا أن نحسن إليها وأن لا نعتدي عليها ; لأنها تمسكت بعقد حرمة الصهر ، وصار زوجها جارها ; لأنه يجيرها ويمنعها ولا يعتدي عليها ; وقد سمى الأعشى في الجاهلية امرأته جارة فقال :


                                                          أيا جارتا بيني فإنك طالقه     وموموقة ما دمت فينا ووامقه

                                                          وهذا البيت ذكره الجوهري ، وصدره :


                                                          أجارتنا بيني فإنك طالقه

                                                          قال ابن بري : المشهور في الرواية :


                                                          أيا جارتا بيني فإنك طالقه     كذاك أمور الناس غاد وطارقه

                                                          ابن سيده : وجارة الرجل امرأته ، وقيل : هواه ; وقال الأعشى :


                                                          يا جارتا ما أنت جاره     بانت لتحزننا عفاره

                                                          وجاورت في بني هلال إذا جاورتهم . وأجار الرجل إجارة وجارة ; الأخيرة عن كراع : خفره . واستجاره : سأله أن يجيره . وفي التنزيل العزيز : وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ; قال الزجاج : المعنى إن طلب منك أحد من أهل الحرب أن تجيره من القتل إلى أن يسمع كلام الله فأجره ؛ أي : أمنه ، وعرفه ما يجب عليه أن يعرفه من أمر الله تعالى الذي يتبين به الإسلام ، ثم أبلغه مأمنه لئلا يصاب بسوء قبل انتهائه إلى مأمنه . ويقال للذي يستجير بك : جار ، وللذي يجير : جار . والجار : الذي أجرته من أن يظلمه ظالم ; قال الهذلي :


                                                          وكنت إذا جاري دعا لمضوفة     أشمر حتى ينصف الساق مئزري

                                                          وجارك : المستجير بك . وهم جارة من ذلك الأمر ; حكاه ثعلب ؛ أي : مجيرون ; قال ابن سيده : ولا أدري كيف ذلك إلا أن يكون على توهم طرح الزائد حتى يكون الواحد كأنه جائر ثم يكسر على فعلة ، وإلا فلا وجه له . أبو الهيثم : الجار والمجير والمعيذ واحد . ومن عاذ بالله ؛ أي : استجار به أجاره الله ، ومن أجاره الله لم يوصل إليه ، وهو سبحانه وتعالى يجير ولا يجار عليه ؛ أي : يعيذ . وقال الله تعالى لنبيه : قل إني لن يجيرني من الله أحد ; أي : لن يمنعني من الله أحد . والجار والمجير : هو الذي يمنعك ويجيرك . واستجاره من فلان فأجاره منه . وأجاره الله من العذاب : أنقذه . وفي الحديث : ويجير عليهم أدناهم ؛ أي : إذا أجار واحد من المسلمين حر أو عبد أو امرأة ، واحدا أو جماعة من الكفار وخفرهم وأمنهم ، جاز ذلك على جميع المسلمين لا ينقض عليه جواره وأمانه ; ومنه حديث الدعاء : كما تجير بين البحور ; أي : تفصل بينها ، وتمنع أحدها من الاختلاط بالآخر والبغي عليه . وفي حديث القسامة : أحب أن تجير ابني هذا برجل من الخمسين ؛ أي : تؤمنه منها ، ولا تستحلفه وتحول بينه وبينها ، وبعضهم يرويه بالزاي ؛ أي : تأذن له في ترك اليمين وتجيزه . التهذيب : وأما قوله - عز وجل - : وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم ; قال الفراء : هذا إبليس تمثل في صورة رجل من بني كنانة ; قال وقوله : وإني جار لكم ; يريد أجيركم ؛ أي : إني مجيركم ومعيذكم من قومي بني كنانة فلا يعرضون لكم ، وأن يكونوا معكم على محمد - صلى الله عليه وسلم - فلما عاين إبليس الملائكة عرفهم فنكص هاربا ، فقال له الحارث ابن هشام : أفرارا من غير قتال ؟ فقال : إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب . قال : وكان سيد العشيرة إذا أجار عليها إنسانا لم يخفروه . وجوار الدار : طوارها . وجور البناء والخباء وغيرهما : صرعه وقلبه ; قال عروة بن الورد :


                                                          قليل التماس الزاد إلا لنفسه     إذا هو أضحى كالعريش المجور

                                                          وتجور هو : تهدم . وضربه ضربة تجور منها ؛ أي : سقط . وتجور على فراشه : اضطجع . وضربه فجوره ؛ أي : صرعه مثل كوره فتجور ; وقال رجل من ربيعة الجوع :


                                                          فقلما طارد حتى أغدرا     وسط الغبار خربا مجورا

                                                          وقول الأعلم الهذلي يصف رحم امرأة هجاها :


                                                          متغضف كالجفر باكره     ورد الجميع بجائر ضخم

                                                          قال السكري : عنى بالجائر العظيم من الدلاء . والجوار : الماء الكثير ; قال القطامي يصف سفينة نوح - على نبينا وعليه الصلاة والسلام - :


                                                          ولولا الله جار بها الجوار

                                                          أي : الماء الكثير . وغيث جور : غزير كثير المطر ، مأخوذ من هذا ، ورواه الأصمعي : جؤر له صوت ; قال [ جندل بن المثنى ] :

                                                          [ ص: 238 ]

                                                          لا تسقه صيب عزاف جؤر

                                                          ويروى غراف . الجوهري : وغيث جور مثال هجف ؛ أي : شديد صوت الرعد ، وبازل جور ; قال الراجز :


                                                          زوجك يا ذات الثنايا الغر     أعيا فنطناه مناط الجر
                                                          دوين عكمي بازل جور     ثم شددنا فوقه بمر

                                                          والجور : الصلب الشديد . وبعير جور ؛ أي : ضخم ; وأنشد :


                                                          بين خشاشي بازل جور

                                                          والجوار : الأكار . التهذيب : الجوار الذي يعمل لك في كرم أو بستان أكارا . والمجاورة : الاعتكاف في المسجد . وفي الحديث : أنه كان يجاور بحراء ، وكان يجاور في العشر الأواخر من رمضان ؛ أي : يعتكف . وفي حديث عطاء : وسئل عن المجاور يذهب للخلاء يعني المعتكف . فأما المجاورة بمكة والمدينة فيراد بها المقام مطلقا غير ملتزم بشرائط الاعتكاف الشرعي . والإجارة في قول الخليل : أن تكون القافية طاء والأخرى دالا ونحو ذلك ، وغيره يسميه الإكفاء . وفي المصنف : الإجازة - بالزاي - وقد ذكر في " أجز " . ابن الأعرابي : جرجر إذا أمرته بالاستعداد للعدو . والجار : موضع بساحل عمان . وفي الحديث ذكر الجار هو - بتخفيف الراء - مدينة على ساحل البحر بينها وبين مدينة الرسول - صلى الله عليه وسلم - يوم وليلة . وجيران : موضع ; قال الراعي :


                                                          كأنها ناشط حم قوائمه     من وحش جيران بين القف والضفر

                                                          وجور : مدينة ، لم تصرف لمكان العجمة . الصحاح : جور اسم بلد يذكر ويؤنث .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية