الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وإن كانت يمينه على زوجاته أو أصدقائه أو إخوته لا يحنث ما لم يكلم الكل مما سمي ) لأن المنع لمعنى في هؤلاء فتعلقت اليمين بأعيانهم ، ولو لم يكن له إلا أخ واحد فإن كان يعلم به حنث وإلا لا كما في الواقعات ، وألحق في النهر الأصدقاء والزوجات .

قلت : وهي من المسائل الأربع التي يكون فيها الجمع لواحد كما في الأشباه . وأما الأطعمة والثياب والنساء فيقع على الواحد إجماعا لانصراف المعرف للعهد إن أمكن وإلا فللجنس ، ولو نوى الكل صح والله تعالى أعلم .

التالي السابق


( قوله لأن المنع لمعنى في هؤلاء ) فإن الإضافة فيهم إضافة تعريف فتعلقت اليمين بأعيانهم ، فما لم يكلم الكل لا يحنث ، وفي الأول إضافة ملك لأنها لا تقصد بالهجران وإنما المقصود المالك ، فتناولت اليمين أعيانا منسوبة إليه وقت الحنث ، وقد ذكر النسبة بلفظ الجمع ، وأقله ثلاثة كذا في الاختيار ونحوه في البحر .

قلت : وهو مخالف للعرف فإن أهل العرف يريدون عدم الكلام مع أي زوجة منهن ومع من كان له صداقة مع فلان ط .

قلت : وقدمنا أول الأيمان قبيل قوله كل حل عليه حرام عن القنية إن أحسنت إلى أقربائك فأنت طالق فأحسنت إلى واحد منهم يحنث ولا يراد الجمع في عرفنا . ا هـ . ( قوله فإن كان يعلم به ) أي يعلم بأنه واحد حنث لأن الجمع قد يراد به الجنس كلا أشتري العبيد ، لكن الفرق هنا أن إخوة فلان خاص معهود بخلاف العبيد ( قوله وألحق في النهر ) أي بالإخوة بحثا والظاهر أنه لا خصوصية للأصدقاء والزوجات بل الأعمام ونحوهم والعبيد والدواب وغيرهم كذلك لما قلنا .

مطلب الجمع لا يستعمل لواحد إلا في مسائل

( قوله من المسائل الأربع إلخ ) ذكرها في شرحه على الملتقى آخر كتاب الوقف ، وزاد عليها حيث قال : فائدة : الجمع لا يكون أي لا يستعمل للواحد إلا في مسائل : وقف على أولاده وليس له إلا واحد ، فله كل الغلة بخلاف بنيه . وقف على أقاربه المقيمين ببلد كذا فلم يبق منهم إلا واحد . حلف لا يكلم إخوة فلان وليس له إلا واحد . حلف لا يأكل ثلاثة أرغفة من هذا الحب أو الخبز وليس منه إلا رغيف واحد . حلف لا يكلم الفقراء أو المساكين أو الناس أو بني آدم وهؤلاء القوم أو أهل بغداد حنث بواحد كما في الأطعمة والثياب والنساء ، ثم أطال في ذلك وفي الكلام على المسألة الأولى ، وأنها مخالفة لما في الخانية ثم وفق بينهما فراجعه وسيأتي إن شاء الله تعالى تمام الكلام عليها في الوقف .

( قوله وأما الأطعمة والثياب إلخ ) أي إذا كانت معرفة بأل مثل لا آكل الأطعمة ولا ألبس الثياب بخلاف أطعمة زيد وثيابه فلا بد من الجمعية كما مر وقوله لانصراف المعرف للعهد إلخ بيان لوجه الفرق .

[ ص: 803 ] مطلب تحقيق مهم في الفرق بين لا أكلم عبيد فلان أو زوجاته أو النساء أو نساء

أقول : والفرق بين هذه المسائل من المواضع المشكلة فلا بد من بيانه فنقول : قال في تلخيص الجامع وشرحه إن كلمت بني آدم أو الرجال أو النساء حنث بالفرد إلا أن ينوي الكل إلحاقا للجمع المعرف بالجنس ، فيصدق قضاء ، ولا يحنث أبدا لأن الصرف إلى الأدنى عند الإطلاق لتصحيح كلامه إذ ليس في وسعه إثبات كل الجنس ، وإذا نوى الكل فقد نوى حقيقة كلامه ، وأما الجمع المنكر كإن كلمت نساء فيحنث بالثلاث لأنه أدنى الجمع ، ولو نوى الزائد صدق قضاء وإن كان فيه تخفيف عليه لأن الزائد على الثلاث جمع حقيقة وله نية الفرد أيضا لجواز إرادته بلفظ الجمع نحو - { إنا أنزلناه } - لا نية المثنى ا هـ وقد صرح الأصوليون بأن المعرف يصرف للعهد إن أمكن وإلا فللجنس لأن أل إذا دخلت على الجمع ، ولا عهد تبطل معنى الجمعية كلا أشتري العبيد .

إذا علمت ذلك فنقول : إن الجمع المضاف إذا كان محصورا فهو من قسم المعرف المعهود ، فلا تبطل فيه الجمعية ولكن تارة يكتفى بأدنى الجمع كما في عبيد فلان ودوابه وثيابه ، وتارة لا بد من الكل كما في زوجاته وأصدقائه وإخوته ، وقد مر الفرق . وأما إذا كان غير محصور مثل لا أكلم بني آدم أو أهل بغداد ، أو هؤلاء القوم فإنه يكون للجنس لعدم العهد فيحنث بواحد ، ويشير إلى هذا الفرق ما في منية المفتي ، وعن أبي يوسف إن كان له من العبيد ما يجمعهم بتسليم واحد لم يحنث حتى يكلم الكل وإن كانوا أكثر من ذلك فكلم واحدا حنث ، وكذا في الثياب إن كان له منها ما يلبس بلبسة واحدة لا يحنث إلا بالكل وإن كان أكثر فبواحد ا هـ فهذا صريح في الفرق بين المضاف المحصور وغيره فصار المضاف المحصور مثل المعرف بأل المعهود لا بد فيه من الجمعية ، وغير المحصور مثل المنكر والمعرف بأل غير المعهود يكتفى فيه بالواحد وعليه يخرج المسائل المارة عن شرح الملتقى ، وبه يظهر صحة ما أجاب به صاحب البحر فيمن حلف أن أولاد زوجته لا يطلعون بيته فطلع واحد بأنه لا يحنث ولا بد من الجمع كما تقدم قبيل قول المصنف كل حل عليه حرام ، لكن كان المناسب أن يقول لا بد من طلوع الكل ، لأنه مثل زوجات فلان لا مثل عبيده وتقدم الفرق ، لكن العرف الآن خلاف هذا كما ذكرناه قريبا وظهر أيضا أن مسألة الوقف الصواب فيها ما في الخانية من التسوية بين الأولاد والبنين من أنه إذا لم يكن له إلا ولد واحد ، فالنصف له والنصف للفقراء إذ لا فرق بين قوله : على أولادي وقوله على بني فإن كلا منهما جمع مضاف معهود بخلاف قوله على ولدي فإنه مفرد مضاف شمل الواحد ، فكل الغلة له وبه يظهر أيضا أن الجمع المضاف المعهود إذا لم يوجد منه إلا فرد لا يبطل اللفظ بالكلية بل يبقى له مدخل في الكلام وإلا لم يستحق الولد شيئا ولذا حنث في لا أكلم إخوة فلان إذا لم يوجد غير واحد لكن هذا مع العلم وإلا كان المقصود هو الجمع لا غير كما مر فاغتنم تحقيق هذا المقام فإنه من مفردات هذا الكتاب والحمد لله على الإتمام والإنعام .




الخدمات العلمية