الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              1260 1324 - فصدقت -يعني : عائشة - أبا هريرة وقالت : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقوله . فقال ابن عمر رضي الله عنهما : لقد فرطنا في قراريط كثيرة . فرطت [الزمر : 56] ضيعت من أمر الله .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ثم ذكر حديث نافع : حدث ابن عمر أن أبا هريرة يقول : من تبع جنازة فله قيراط . فقال : أكثر علينا أبو هريرة . فصدقت -يعني : عائشة - أبا هريرة وقالت : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقوله . فقال ابن عمر : لقد فرطنا في قراريط كثيرة .

                                                                                                                                                                                                                              الشرح :

                                                                                                                                                                                                                              أما أثر زيد فأخرجه ابن أبي شيبة عن معاوية ووكيع عن هشام ، عن أبيه ، عن زيد بن ثابت : إذا صليتم على الجنازة فقد قضيتم ما عليكم فخلوا بينها وبين أهلها .

                                                                                                                                                                                                                              وحديث أبي هريرة : أخرجه مسلم والأربعة ، وفي لفظ : "من اتبع [ ص: 627 ] جنازة مسلم إيمانا واحتسابا وكان معها حتى يصلي عليها " . ولمسلم : "من خرج مع جنازة من بيتها " . وليس في الحديث أن أبا هريرة رفعه ، نعم ، أخرجه مسلم مصرحا به ، وقول أبي مسعود وخلف والحميدي والطرقي رواه نافع عن أبي هريرة غير جيد ، إذ في مسلم ، روايته : أن نافعا قال : قيل لابن عمر : إن أبا هريرة يقول : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فذكره ، فقال ابن عمر : أكثر علينا أبو هريرة . فبعث إلى عائشة فصدقته .

                                                                                                                                                                                                                              وفيه من حديث داود بن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه أنه كان قاعدا عند ابن عمر إذ طلع عليه خباب -صاحب المقصورة- قال : يا عبد الله بن عمر ، ألا تسمع ما يقول أبو هريرة . قال : إنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحديث ، وفيه : فأرسل خبابا إلى عائشة يسألها . وزعم خلف أن خبابا رواه عن أبي هريرة . وقال الحميدي : ليس له في "الصحيح " عن أبي هريرة . ولابن أبي شيبة من حديث الوليد بن عبد الرحمن فقال له ابن عمر : انظر ما تقول .

                                                                                                                                                                                                                              ولابن زنجويه في "فضائله " من حديث سعيد بن أبي سعيد عن [ ص: 628 ] أبي هريرة . فذكره . وفيه : فدخل عبد الله على حفصة فقال : أسمعت هذا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ فقالت : نعم . فقال عبد الله : لقد فرطنا في قراريط كثيرة .

                                                                                                                                                                                                                              وسيأتي في الباب بعده من حديث سعيد بن أبي سعيد : وروى ابن أبي شيبة من حديث سالم البراد عن ابن عمر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من صلى على جنازة فله قيراط ، ومن شهدها حتى يقتضى قضاؤها فله قيراطان ، القيراط مثل أحد " .

                                                                                                                                                                                                                              قال الترمذي في "علله الكبير " : سألت محمدا عن هذا الحديث فقال : رواه عبد الملك بن عمير ، عن سالم ، عن أبي هريرة وهو الصحيح ، وحديث ابن عمر ليس بشيء . ابن عمر أنكر على أبي هريرة حديثه . قال : وسألته عن حديث أبي صالح عن ابن عمر فقال : إنما هو عن أبي هريرة .

                                                                                                                                                                                                                              قوله : وحديث ابن عمر ليس بشيء .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله : أكثر أبو هريرة . لم يتهمه بالكذب ، بل خشي السهو ، أو يكون لم يسمعه أبو هريرة من النبي -رضي الله عنه- .

                                                                                                                                                                                                                              وحديث الباب دال على ما ترجم له . واختلف العلماء في الانصراف من الجنازة هل يحتاج إلى إذن أم لا ؟ فروي عن زيد بن ثابت ، وجابر بن عبد الله ، وعروة بن الزبير ، والقاسم بن محمد ، والحسن ، وقتادة ، وابن سيرين ، وأبي قلابة أنهم كانوا ينصرفون إذا وريت الجنازة ،

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 629 ] ولا يستأذنون وهو قول الشافعي وجماعة من العلماء ، ولمالك وأصحابه جواز الانصراف قبل الصلاة عليها وبعدها دون إذن -وسيأتي في الباب بعده- وقالت طائفة : لا بد من الإذن في ذلك .

                                                                                                                                                                                                                              وروي عن عمر ، وابن مسعود ، وابن عمر ، وأبي هريرة ، والمسور بن مخرمة ، والنخعي أنهم كانوا لا ينصرفون حتى يستأذنوا .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن عبد الحكم عن مالك قال : لا يجب لمن يشهد جنازة أن ينصرف عنها حتى يؤذن له ، إلا أن يطول ذلك .

                                                                                                                                                                                                                              والقول الأول أولى بالصواب بدليل قوله - صلى الله عليه وسلم - : "من شهد " الحديث ، فلفظة (حتى ) : حض وترغيب لا لفظ حتم ووجوب ، ألا ترى قول زيد السالف . وحديث جابر مرفوعا : "أميران وليسا بأميرين : المرأة تحج مع القوم فتحيض ، والرجل يتبع الجنازة فيصلي عليها ، ليس له أن يرجع حتى يستأمر أهل الجنازة " أخرجه البزار ، وعلته أبو سفيان ، ورواه عمرو بن [ ص: 630 ] عبد الجبار من حديث أبي هريرة أيضا مرفوعا مثله ولم يتابع عليه ، ذكره العقيلي وأخرجه ابن أبي شيبة موقوفا .

                                                                                                                                                                                                                              وكذا عن ابن مسعود من قوله . وللدارقطني من حديث عائشة مرفوعا : "إذا صلى الإنسان على الجنازة انقطع ذمامها إلا أن يشاء أن يتبعها " . ثم قال : المحفوظ عن هشام ، عن أبيه موقوفا ليس فيه عائشة ، ولابن أبي شيبة عن إبراهيم ، وطلحة اليامي ، وعن جابر موقوفا : ارجع إذا بدا لك . وقاله ابن سيرين ، والحسن ، وابن جبير ، وابن عمر .




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية