الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
15754 6945 - (16187) - (4\11) عن وكيع بن حدس، عن عمه أبي رزين، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ضحك ربنا من قنوط عباده، وقرب غيره " قال : قلت : يا رسول الله، أويضحك الرب عز وجل؟ قال : " نعم " قال : لن نعدم من رب يضحك خيرا.

التالي السابق


* قوله : "ضحك" : كفرح .

* "ربنا" : - بالرفع - : فاعل ضحك .

قيل : الضحك من الله تعالى : الرضا ، وإرادة الخير ، وقيل : بسط الرحمة ، والإقبال بالإحسان ، أو بمعنى : أمر الملائكة بالضحك ، والإذن لهم فيه; كما يقال : قتله السلطان : إذا أمر بقتله .

وقال ابن حبان في "صحيحه" : هو من نسبة الفعل إلى الآمر ، وهو في كلام العرب كثير .

وقال بعض المحققين : إن مثل الضحك; مما هو من قبيل الانفعال ، إذا نسب إلى الله تعالى ، يراد به : غايته .

وقيل : بل المراد إيجاد الانفعال في الغير ، فالمراد هاهنا الإضحاك ، ومذهب [ ص: 260 ] أهل التحقيق أنه صفة سمعية يلزم إثباتها مع نفي التشبيه وكمال التنزيه; كما أشار إلى ذلك مالك ، وقد سئل عن الاستواء فقال : الاستواء معلوم ، والكيف غير معلوم ، والإيمان به واجب ، والسؤال عنه بدعة .

* "من قنوط عباده" : القنوط; كالجلوس : هو اليأس ، ولعل المراد هاهنا : هو الحاجة والفقر; أي : يرضى عليهم ، ويقبل عليهم بالإحسان إذا نظر إلى فقرهم وفاقتهم وذلهم ، وإلا فالقنوط من رحمته تعالى يوجب الغضب لا الرضا ، قال تعالى : لا تقنطوا من رحمة الله [الزمر : 53] ، وقال : ولا تيأسوا من روح الله [يوسف : 87] الآية ، إلا أن يقال : ذاك هو القنوط بالنظر إلى كرمه وإحسانه; مثل ألا يرى له كرما وإحسانا ، أو يرى قليلا ، فيقنط لذلك ، فهذا هو الكفر المنهي عنه أشد النهي ، وأما القنوط بالنظر إلى أعماله وقبائحه ، فهو مما يوجب للعبد تواضعا وخشوعا وانكسارا ، فيوجب الرضا ، ويجلب الإحسان والإقبال من الله تعالى ، ومنشأ هذا القنوط هو الغيبة عن صالح الأعمال ، واستعظام المعاصي إلى الغاية ، وكل منهما مطلوب محبوب ، ولعل هو هذا سبب مغفرة من أمر أهله بإحراقه بعد الموت حين أيس من المغفرة .

* "وقرب غيره" : ضبط - بكسر معجمة ، ففتح ياء - : بمعنى : تغير الحال ، وهو اسم من قولك : غيرت الشيء فتغير ، وضميره لجنس العبد ، والمراد : تغير حاله من القوة إلى الضعف ، ومن الحياة إلى الموت ، وهذه الأحوال مما يجلب الرحمة لا محالة في الشاهد ، فكيف لا تكون أسبابا عادية لجلبها من أرحم الراحمين؟

والأقرب أن الغير بمعنى : تغيير الحال وتحويله ، وبه تشعر عبارة "القاموس" ، لا تغير الحال وتحوله كما في "النهاية" ، والضمير لله .

[ ص: 261 ] والمعنى : أنه تعالى يضحك من أن العبد يصير من الخير بأدنى شر وقع عليه ، مع قرب تغييره تعالى الحال من شر إلى خير ، ومن مرض إلى عافية ، ومن بلاء ومحنة إلى سرور وفرحة ، لكن الضحك على هذا لا يمكن تفسيره بالرضا .

* "لن نعدم" : من عدمه; كعلمه : إذا فقده ، يريد : أن الرب تعالى إذا كان من صفاته الضحك ، فلا نفقد خيره ، بل كلما احتجنا إلى خيره ، وجدناه; فإنا إذا أظهرنا الفاقة لديه ، يضحك فيعطي .

وفي راوية ابن ماجه ما يقتضي أن الحديث حسن ، والله تعالى أعلم .

* * *




الخدمات العلمية