الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          فصل وخمس فيها مقدر ، أولها الموضحة التي توضح العظم ، أي : تبرزه ، وفيها خمسة أبعرة . وعنه : في موضحة الوجه عشرة ، والأول المذهب . فإن عمت الرأس ونزلت إلى الوجه ، فهل هي موضحة أو موضحتان ؛ على وجهين . وإن أوضحه موضحتين بينهما حاجز ، فعليه عشرة من إبل ، فإن خرق ما بينهما ، أو ذهب بالسراية ، صارا موضحة واحدة ، وإن خرقه المجني عليه أو أجنبي ، فهي ثلاث مواضح ، وإن اختلفا فيمن خرقه ، فالقول قول المجني عليه ، ومثله لو قطع ثلاث أصابع امرأة ، فعليه ثلاثون من الإبل ، فإن قطع الرابعة عاد إلى عشرين ، فإن اختلفا في قاطعها ، فالقول قول المجني عليه . وإن خرق ما بين الموضحتين في الباطن ، فهل هي موضحة أو موضحتان ؛ على وجهين ، وإن شج جميع رأسه سمحاقا إلا موضعا منه أوضحه فعليه أرش موضحة .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          فصل .

                                                                                                                          ( وخمس فيها مقدر ) من الشرع فوجب المصير إليه ( أولها الموضحة ) والجمع المواضح ( التي توضح العظم ، أي : تبرزه ) ولو بقدر إبرة ، ذكره ابن القاسم والقاضي ، والواضح : البياض ، يعني : أنها أبدت وضح العظم ، أي : بياضه ( وفيها خمسة أبعرة ) أي : أجمعوا على أن أرشها مقدر ، قاله ابن المنذر ، وفي كتاب النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم : وفي الموضحة خمس من الإبل رواه [ ص: 5 ] الشافعي والنسائي ، وعن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، مرفوعا ، قال : وفي المواضح خمس من الإبل رواه أحمد وأبو داود والترمذي ، وقال : حديث حسن ، والعمل على هذا عند أهل العلم ، وقال غيره : إسناده ثقات .

                                                                                                                          وقد تقدم موضحة المرأة والعبد ، وظاهره أن موضحة الرأس والوجه سواء ، وهو كذلك في ظاهر المذهب للعموم ، ويشمل : الصغيرة والكبيرة ، والبارزة والمستترة بالشعر ; لأن اسم الموضحة يشمل الجميع ( وعنه : في موضحة الوجه عشرة ) من الإبل ، وهي قول سعيد بن المسيب ; لأن شينها أكثر ، وموضحة الرأس يسترها الشعر والعمامة ( والأول المذهب ) لأنه قول أبي بكر وعمر ، ولأن موضحة الوجه موضحة فكان أرشها خمسة أبعرة كغيرها ، وكثرة الستر لا عبرة به بدليل التسوية بين الصغيرة والكبيرة ، وعلم مما سبق أنه لا شيء مقدر في الوجه والرأس ، وهو قول الأكثر ; لأن اسم الموضحة إنما يطلق على الجراحة المخصوصة في الوجه والرأس ، وقول الخليفتين : الموضحة في الوجه والرأس سواء ; لأن الشين فيهما أكثر وأخطر ، فلا يلحق بهما غيرهما ( فإن عمت الرأس ونزلت إلى الوجه ، فهل هي موضحة أو موضحتان ؛ على وجهين ) كذا أطلقهما في المحرر ، أحدهما : واحدة قدمه في الفروع وجزم به في الوجيز لأنه أوضحه في عضوين ، فكان لكل منهما حكم نفسه ، كما لو أوضحه في الرأس ونزل إلى القفا ، وأطلق في المغني والكافي : إذا كان بعضها في الرأس وبعضها في الوجه وإن لم تعم الرأس فيها الوجهان ، وهو الذي يقتضيه الدليل ( وإن أوضحه موضحتين بينهما حاجز فعليه عشرة من إبل ) لأنهما موضحتان ( فإن خرق ما بينهما ) [ ص: 6 ] صارا موضحة واحدة كما لو أوضح الكل من غير حاجز يبقى بينهما ( أو ذهب بالسراية ) قبل الاندمال ( صارا موضحة واحدة ) لأن سراية الجناية لها حكم أصل الجناية ، بدليل ما لو أتلف ما بينهما بنفسه ( وإن خرقه المجني عليه ) أي : المجروح ( أو أجنبي ، فهي ثلاث مواضح ) لأنه استقر عليه أرش الأولتين بالاندمال ، ثم لزمته الثالثة بالخرق ، فإن اندملت إحداهما وزال الحاجز بفعله أو سراية الأخرى فعليه أرش موضحتين ; لأن سراية فعله كالفعل وأما إذا خرقه أجنبي فعلى الأول أرش موضحتين وعلى الثاني أرش موضحة ، لأن فعل أحدهما لا ينبني على فعل الآخر فانفرد كل واحد منهما بجنايته ( وإن اختلفا فيمن خرقه ، فالقول قول المجني عليه ) لأن سبب أرش موضحتين قد وجد والجاني يدعي زواله والمجني عليه ينكره ، والقول قول المنكر ، وفي الترغيب : يصدق من يصدقه الظاهر بقرب زمن وبعده ، فإن تساويا فالمجروح ، قال : وله أرشان ، وفي ثالث وجهان ( ومثله ) أي : مثل ما إذا أوضحه موضحتين بينهما حاجز ، ثم خرق ما بينهما ( لو قطع ثلاث أصابع امرأة فعليه ثلاثون من الإبل ، فإن قطع الرابعة عاد إلى عشرين ) لأن جراح المرأة تساوي جراح الرجل إلى الثلث ، فإذا زادت صارت على النصف ( فإن اختلفا في قاطعها فالقول قول المجني عليه ) أي : في بقاء الثلثين عليه ( وإن خرق ما بين الموضحتين في الباطن ، فهل هي موضحة أو موضحتان ؛ على وجهين ) أحدهما : يلزمه أرش موضحتين لانفصالهما في الظاهر ، والثاني : يلزمه أرش واحدة ، قدمه [ ص: 7 ] في الرعاية والفروع ، وجزم به في الوجيز لاتصالهما في الباطن ، فإن أوضحه جماعة موضحة ، فهل يوضح من كل واحد بقدرها أو يوزع ؛ فيه الخلاف .

                                                                                                                          فرع : لو أوضح رأسه ومد السكين إلى قفاه فدية موضحة ، وحكومة لجرح القفا ، ويراعى نسبة الموضحة في العبد والذمي ، ويتعدد الأرش بتعدد موضحة ( وإن شج جميع رأسه سمحاقا إلا موضعا منه أوضحه ؛ فعليه أرش موضحة ) لأنه لو أوضح الجميع لم يلزمه أكثر من أرش موضحة ، فلأن لا يلزمه في الإيضاح في البعض وشج الباقي - أكثر من ذلك ؛ بطريق الأولى ، وكذا لو شجه شجة بعضها هاشمة وباقيها دونها ، لم يلزمه أكثر من ذلك .




                                                                                                                          الخدمات العلمية