الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  3775 45 - حدثنا عبد الله بن يوسف ، حدثنا الليث ، قال : حدثني يحيى بن سعيد ، عن القاسم بن محمد ، عن ابن خباب ، أن أبا سعيد بن مالك الخدري - رضي الله عنه - قدم من سفر ، فقدم إليه أهله لحما من لحوم الأضحى ، فقال : ما أنا بآكله حتى أسأل ، فانطلق إلى أخيه لأمه ، وكان بدريا ، قتادة بن النعمان ، فسأله فقال : إنه حدث بعدك أمر نقض لما كانوا ينهون عنه من أكل لحوم الأضحى بعد ثلاثة أيام .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  الغرض من ذكره هنا لقوله : وكان بدريا ، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق - رضي الله تعالى عنه - وابن خباب هو عبد الله بن خباب بفتح الخاء المعجمة وتشديد الباء الموحدة الأولى ، مولى بني عدي بن النجار الأنصاري ، وأبو سعيد سعد بن مالك الخدري - رضي الله تعالى عنه - وفي الإسناد ثلاثة من التابعين على نسق واحد .

                                                                                                                                                                                  قوله : " من لحوم الأضحى " ويروى الأضاحي . قوله : " بآكله " على صيغة اسم الفاعل من أكل . قوله : " إلى أخيه لأمه " وهي أنيسة بنت قيس بن عمرو . قوله : " وكان بدريا " أي : وكان أخوه لأمه ، وهو قتادة ، ممن شهد غزوة بدر . قوله : " قتادة بن النعمان " يجوز فيه الرفع والنصب والجر ، أما الرفع فعلى أنه خبر لمبتدأ محذوف تقديره : هو قتادة بن النعمان ، وأما النصب فعلى أنه مفعول لفعل محذوف تقديره : أعني قتادة ، وأما الجر فعلى أنه بدل من أخيه ، وبقية نسب قتادة هو ابن النعمان بن زيد بن عامر بن سواد بن كعب ، وكعب هو ظفر بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس الأنصاري الظفري ، يكنى أبا عمرو ، وقيل : أبا عمر ، وقيل : أبا عبد الله ، عقبي بدري أحدي ، وشهد المشاهد كلها ، وأصيبت عينه يوم بدر ، وقيل : يوم الخندق ، وقيل : يوم أحد ، وهو الأصح ، فسالت حدقته على وجهه فأرادوا قطعها ، ثم أتوا النبي - صلى الله عليه وسلم - فرفع حدقته بيده حتى وضعها موضعها ، ثم غمزها براحته وقال : اللهم اكسه جمالا ، فمات وإنها لأحسن عينيه وما مرضت بعد ، وقال الهيثم بن عدي : فأتى رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - وعينه في يده ، فقال : ما هذا يا قتادة ؟ قال : هو كما ترى ، فقال : إن شئت صبرت ولك الجنة ، وإن شئت رددتها ودعوت الله تعالى فلم تفقد منها شيئا ، فقال : يا رسول الله ، إن الجنة لجزاء جليل وعطاء جميل ، ولكني رجل مبتلى بحب النساء ، وأخاف أن يقلن أعور فلا يردنني ، ولكن تردها وتسأل الله تعالى لي الجنة ، فأخذها [ ص: 107 ] رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - بيده وأعادها إلى مكانها ، فكانت أحسن عينيه إلى أن مات ، ودعا له بالجنة ، وقال عبد الله بن محمد بن عمارة قال : يا رسول الله ، إن عندي امرأة أحبها ، وإن هي رأت عيني خشيت أن تقذرني ، فردها رسول الله - صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - بيده فاستوت ، وعن ابن إسحاق من حديث جابر بن عبد الله وقال : أصيبت عين قتادة بن النعمان يوم أحد ، وكان قريب عهد بعرس ، فأتى النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - فأخذها بيده فردها ، فكانت أحسن عينيه وأحدهما نظرا ، وقال أبو معشر السندي : قدم رجل من ولد قتادة بن النعمان على عمر بن عبد العزيز - رضي الله تعالى عنه - فقال : ممن الرجل ؟ فقال :


                                                                                                                                                                                  أنا ابن الذي سالت على الخد عينه فردت بكف المصطفى أحسن الرد فعادت لما كانت لأول أمرها
                                                                                                                                                                                  فيا حسن ما عين ويا حسن ما رد

                                                                                                                                                                                  توفي قتادة في سنة ثلاث وعشرين ، وصلى عليه عمر بن الخطاب ، ونزل في قبره أخوه أبو سعيد الخدري ، وهو ابن خمس وستين سنة .

                                                                                                                                                                                  قوله : " إنه " أي : إن الشأن . قوله : " نقض " بالقاف والضاد المعجمة بمعنى ناقض . قوله : " لما كانوا ينهون عنه " أي : لما كانت الصحابة ينهون على صيغة المجهول من أكل لحوم أضاحيهم بعد ثلاثة أيام ، واحتج بهذا الحديث قوم على أنه يحرم إمساك لحوم الأضاحي والأكل منها بعد ثلاثة أيام ، واحتجوا أيضا بحديث علي - رضي الله تعالى عنه - قال : إن رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - نهانا أن نأكل من لحوم نسكنا بعد ثلاث ، وقال جماهير العلماء : يباح الأكل والإمساك بعد الثلاث ، والنهي منسوخ بقوله - صلى الله تعالى عليه وسلم - : كلوا بعد وادخروا وتزودوا ، على ما يجيء بيانه في كتاب الأضاحي مفصلا إن شاء الله تعالى .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية