الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  3877 139 - حدثني عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا عبدة ، عن هشام ، عن أبيه ، عن عائشة رضي الله عنها - إذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر ، قالت : ذاك يوم الخندق .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في قوله " قالت : ذاك يوم الخندق " ، وعبدة - بفتح العين وسكون الباء الموحدة - ابن سليمان الكلابي الكوفي ، وكان اسمه عبد الرحمن ولقبه عبدة فغلب عليه ، يروي عن هشام بن عروة عن أبيه عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله تعالى عنهم .

                                                                                                                                                                                  والحديث أخرجه مسلم في آخر الكتاب عن أبي بكر بن أبي شيبة ، وأخرجه النسائي في التفسير عن هارون بن إسحاق ، وهذه الآية الكريمة في سورة الأحزاب ، وتمامها : وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا

                                                                                                                                                                                  قوله " إذ جاؤوكم " بدل من قوله " إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا " الآية ، وأراد بالجنود الأحزاب ; قريش وغطفان ويهود قريظة والنضير ، وأراد بالريح الصبا ، قال صلى الله عليه وسلم : نصرت بالصبا .

                                                                                                                                                                                  قوله " من فوقكم " ; أي من فوق الوادي من قبل المشرق عليهم مالك بن عوف النضري وعيينة بن حصن الفزاري في ألف من غطفان ومعهم طلحة بن خويلد الأسدي وحيي بن أخطب في يهود بني قريظة .

                                                                                                                                                                                  قوله " ومن أسفل منكم " ; يعني من الوادي من قبل المغرب ، وهو أبو سفيان بن حرب في قريش ومن معه ، وأبو الأعور السلمي من قبل الخندق ، وكان سبب غزوة الخندق فيما قيل إجلاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بني النضير عن ديارهم ، وقال ابن إسحاق : نزلت قريش بمجتمع السيول في عشرة آلاف من أحابيشهم ومن تبعهم من بني كنانة وتهامة ، ونزل عيينة في غطفان ومن معهم من أهل نجد إلى جانب أحد بباب نعمان ، وخرج رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - والمسلمون حتى جعلوا ظهورهم إلى سلع في ثلاثة ألف ، والخندق بينه وبين القوم ، وجعل النساء والذراري في الآطام ، وقال ابن إسحاق : ولم يقع بينهم حرب إلا مراماة بالنبل ، لكن كان عمرو بن عبد ود العامري اقتحم هو ونفر معه خيولهم من ناحية ضيقة من الخندق حتى صاروا بالسبخة فبارزه علي رضي الله تعالى عنه فقتله ، وبرز نوفل بن عبد الله بن المغيرة المخزومي فبارزه الزبير رضي الله تعالى عنه فقتله ، ويقال قتله علي ، ورجعت بقية الخيول منهزمة ، وأقام المشركون فيه بضعا وعشرين ليلة قريبا من شهر ، والقصة طويلة ، وآخر الأمر بعث الله الريح في ليالي شاتية شديدة البرد حتى انصرفوا .

                                                                                                                                                                                  قوله " وإذ زاغت الأبصار " عطف على قوله " إذ جاءوكم من فوقكم " ، والتقدير واذكر حين زاغت الأبصار أي حالت عن سننها ومستوى نظرها حيرة وشخوصا ، وقيل عدلت عن كل شيء فلم تلتفت إلا إلى عدوها لشدة الروع .

                                                                                                                                                                                  قوله " وبلغت القلوب الحناجر " ، هذا موجود في بعض النسخ ; أي زالت عن أماكنها حتى بلغت الحلوق ، قالوا : إذا انتفخت الرئة من شدة الفزع أو الغضب أو الغم الشديد ربت وارتفع القلب بارتفاعها إلى رأس الحنجرة ، ومن ثمة قيل للجبان انتفخ منحره .

                                                                                                                                                                                  قوله " وتظنون بالله الظنونا " ، قال الحسن : ظنونا مختلفة ; ظن المنافقون أن محمدا وأصحابه يستأصلون ، وظن المؤمنون أنهم يبتلون ، قرأ نافع وأبو عمرو وعاصم " الظنونا " بالألف في الوصل والوقف لأن ألفها ثابتة في مصحف عثمان وسائر مصاحف أهل البلدان ، وعليه تعديل رؤوس الآي ، وقرأ حمزة بغير ألف في الحالين الوصل والوقف ، [ ص: 183 ] والباقون بالألف في الوقف دون الوصل ; لأن العرب تفعل ذلك في قوافي أشعارهم ومصاريعها فتلحق الألف في موضع الفتح عند الوقف ولا تفعل ذلك في حشو الأبيات ، فحسن إثبات الألف في هذا الحرف لأنها رأس الآية تمثيلا لها بالبواقي ، وكذلك الرسولا والسبيلا .

                                                                                                                                                                                  قوله " قالت : ذاك " ; أي قالت عائشة رضي الله تعالى عنها " ذاك " إشارة إلى ما ذكر من مجيء الكفار من فوق ومن أسفل وزيغ الأبصار وبلوغ القلوب الحناجر ، ويروى " ذلك " بزيادة اللام .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية