الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  4845 71 - حدثنا إسماعيل ، قال : حدثني مالك ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، عن عبد الرحمن ومجمع ابني يزيد بن جارية ، عن خنساء بنت خذام الأنصارية ، أن أباها زوجها وهي ثيب فكرهت ذلك ، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرد نكاحه .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة ظاهرة ، وإسماعيل هو ابن أبي أويس ابن أخت مالك ، ومالك يروي عن عبد الرحمن ، وهو يروي عن أبيه القاسم ، والقاسم يروي عن عبد الرحمن وأخيه مجمع بضم الميم وفتح الجيم وكسر الميم في آخره عين مهملة ، وهما ابنا يزيد بالياء آخر الحروف ابن جارية بالجيم ابن عامر بن العطاف الأنصاري الأوسي من بني عمرو بن عوف وهو ابن أخي مجمع بن جارية الصحابي الذي جمع القرآن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، ومنه قيل : إن لمجمع بن يزيد صحبة ، وليس كذلك ، وإنما الصحبة لعمه مجمع بن جارية ، وليس لمجمع بن يزيد في البخاري سوى هذا الحديث ، وقد قرنه فيه بأخيه عبد الرحمن بن يزيد ، وعبد الرحمن ولد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فيما ذكره العسكري وغيره ، وهو أخو عاصم بن عمر بن الخطاب لأمه ، وقال ابن سعد : ولي القضاء لعمر بن عبد العزيز لما كان أمير المدينة ، ومات سنة ثلاث وتسعين ، وقيل : سنة ثمان ، ووثقه جماعة ، وما له في البخاري سوى هذا الحديث .

                                                                                                                                                                                  قوله : ( عن خنساء ) بفتح الخاء المعجمة وسكون النون وبالسين المهملة والمد بنت خذام بكسر الخاء المعجمة وتخفيف الذال المعجمة ، وقيل : اسم أبيه وديعة ، والصحيح أن اسم أبيه خالد ، ووديعة اسم جده ، وقال أبو عمر : خنساء بنت خذام ابن وديعة الأنصارية من الأوس ، وفي التوضيح : خنساء اسمها زينب بنت خذام ، وفي رواية لأبي موسى المديني في كتابه اسمها ربعة بدل خنساء واستغربه ، وفي رواية : أم ربعة ، ولعلها كنيتها ، وكان خذام من أهل مسجد الضرار ، ومن داره أخرج ، ووقع في طريق محمد بن إسحاق : خناس بضم الخاء وتخفيف النون على وزن فلان وهو مشتق من خنساء كما يقال : زناب في زينب . قوله : ( إن أباها زوجها وهي ثيب ) ووقع في رواية الثوري : ( إن أباها زوجها وهي بكر ) وقال أبو عمر : وذكر ابن المبارك عن الثوري عن عبد الرحمن بن القاسم عن عبد الله بن يزيد ابن وديعة عن خنساء بنت خذام : أنها كانت يومئذ بكرا ، والصحيح نقل مالك في ذلك ، وروى عبد الرزاق عن معمر عن سعيد بن عبد الرحمن الجحشي عن أبي بكر بن محمد أن رجلا من الأنصار تزوج خنساء بنت خذام فقتل عنها يوم أحد ، فأنكحها أبوها رجلا فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : إن أبي أنكحني وإن عم ولدي أحب إلي ، فهذا يدل على أنها ولدت من زوجها الأول ، وقال الواقدي : واسمه أنيس بن قتادة ، وقيل : اسمه أسير وأنه استشهد ببدر ، وروى الدارقطني والطبراني من طريق هشيم عن عمر بن أبي سلمة عن أبيه عن أبي هريرة أن خنساء بنت خذام زوجها أبوها وهي كارهة فأتت النبي [ ص: 130 ] صلى الله عليه وسلم ، فرد نكاحها ولم يقل فيه بكرا ولا ثيبا ، قال الدارقطني : رواه أبو عوانة عن عمر مرسلا ولم يذكر أبا هريرة .

                                                                                                                                                                                  وقد جاءت أحاديث بمثل حديث خنساء منها حديث عطاء عن جابر أن رجلا زوج ابنته بكرا ولم يستأذنها ، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم ففرق بينهما ، وأخرجه النسائي وقال : الصحيح إرساله ، والأول وهم ، ومنها أن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما تزوج ابنة خاله وأن عمها هو الذي زوجها ، الحديث ، وفيه : فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فرد نكاحها ، أخرجه الدارقطني ، ومنها حديث ابن عباس أن جارية بكرا أنكحها أبوها وهي كارهة فخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، رواه أبو داود بإسناده على شرط الصحيحين ، وقال أبو داود : والصحيح مرسل ، وقال أبو حاتم : رفعه خطأ . وقال ابن حزم : صحيح في غاية الصحة ولا معارض له ، وابن القطان صححه ، وقد احتج أصحابنا بحديث الباب وبهذه الأحاديث على أنه ليس للولي إجبار البكر البالغة على النكاح ، وفي التوضيح اتفق أئمة الفتوى بالأمصار على أن الأب إذا زوج ابنته الثيب بغير رضاها أنه لا يجوز ويرد احتجاجا بحديث خنساء وغيره ، وشذ الحسن البصري والنخعي فخالفا الجماعة ، فقال الحسن : نكاح الأب جائز على ابنته بكرا كانت أو ثيبا كرهت أو لم تكره ، وقال النخعي : إن كانت البنت في عياله زوجها ولم يستأمرها ، وإن لم تكن في عياله أو كانت نائية عنه استأمرها ، ولم يلتفت أحد من الأئمة إلى هذين القولين لمخالفتهما السنة الثابتة في خنساء وغيرها .

                                                                                                                                                                                  واختلف الأئمة القائلون بحديث خنساء إن زوجها بغير إذنها ثم بلغها فأجازت ، فقال إسماعيل القاضي : أصل قول مالك أنه لا يجوز وإن أجازته ، إلا أن يكون بالقرب كأنه في فور ، ويبطل إذا بعد ; لأن عقده بغير أمرها ليس بعقد ولا يقع فيه طلاق ، وقال الكوفيون : إذا أجازته جاز ، وإذا أبطلته بطل ، وقال الشافعي وأحمد وأبو ثور : إذا زوجها بغير إذنها فالنكاح باطل وإن رضيته لأنه صلى الله عليه وسلم رد نكاح خنساء ولم يقل إلا أن تجيزه ، واستدل به الشافعي رضي الله تعالى عنه على إبطال النكاح الموقوف على إجازة من له الإجازة وهو أحد قولي مالك ، واستدل به الخطابي على أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه في قوله : لا يزوج البكر البالغ إلا برضاها ، وذلك أن الثيوبة إنما ذكرت هنا ليعلم أنها علة الحكم . قلت : سبحان الله ، مقصود هؤلاء مجرد الحط على أبي حنيفة وذلك أن الثيوبة إذا كانت علة فلم لا يجوز أن تكون البكارة أيضا علة ، والحال أنها ذكرت أيضا في الحديث المذكور ، وجاء أيضا بدون هذين القيدين كما ذكرنا ، ولا نسلم أيضا أن العلة في الرد هي الثيوبة أو البكارة ، والظاهر أن العلة هي كراهة المنكوحة .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية