الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  4861 88 - حدثنا فروة ، حدثنا علي بن مسهر ، عن هشام ، عن أبيه ، عن عائشة رضي الله عنها تزوجني النبي صلى الله عليه وسلم فأتتني أمي فأدخلتني الدار فإذا نسوة من الأنصار في البيت فقلن : على الخير والبركة وعلى خير طائر .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  قيل : ظاهر الحديث مخالف للترجمة ; لأن النسوة في الحديث هن الداعيات وفي الترجمة هن المدعو لهن ، وأجاب صاحب التوضيح بقوله : لعله أراد صفة دعائهن للعروس لأنه قال : ( فقلن على الخير ) إلى آخره ، قلت : نقل هذا عن ابن التين وليس بشيء ; لأن ظاهر اللفظ يخالفه ، وقال الكرماني : الأم هي الهادية للعروس المجهزة لأمرها فهن دعون لها ولمن معها وللعروس حيث قلن على الخير أي جئتن عليه أو قدمتن ونحو هذا ، فإن قلت : لم لا تكون اللام للنسوة للاختصاص يعني الدعاء المختص بالنسوة الهاديات للغير ، قلت : يلزم المخالفة بين اللامين اللام التي في العروس لأنها بمعنى المدعو لها والتي في النسوة لأنها بمعنى الداعية ، وفي جواز مثله خلاف ، انتهى كلامه ، ونقل بعضهم كلام الكرماني هذا برمته مع تغيير عبارته ثم قال : والجواب الأول أحسن ما يوجه به الترجمة ، ثم قال : وحاصله أن مراد البخاري بالنسوة من يهدي العروس سواء كن قليلا أو كثيرا وأن من حضر ذلك يدعو لمن أحضر العروس ولم يرد الدعاء للنسوة الحاضرات في البيت قبل أن يأتي العروس ويحتمل أن تكون اللام بمعنى الباء على حذف أي المختص بالنسوة ، ويحتمل أن يكون بمعنى من أي الدعاء الصادر من النسوة ، انتهى كلامه ، قلت : هذا كله تعسفات في تصرفهم وأكثر كلامهم خارج عن القانون فالترجمة موضوعة على الصحة وبينها وبين الحديث مطابقة ; لأن الألف واللام في قوله باب الدعاء بدل من المضاف إليه فتقديره باب دعاء النسوة الداعيات للنسوة اللاتي يهدين العروس فالمراد بالنسوة الداعيات هي النسوة من الأنصار اللاتي كن في بيت النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قبل مجيء العروس ، والمراد بالنسوة الهاديات هي أم عائشة ومن معها من النساء ; لأن العادة أن أم العروس إذا أتت بالعروس إلى بيت زوجها يكون معها نساء قليلات كن أو كثيرات فأم عائشة ومن معها والعروس هن مدعو لهن ، والنسوة من الأنصار اللاتي كن في البيت هن الداعيات ، لقوله فيه : ( فقلن على الخير ) إلى آخره ، وقول بعضهم يحتمل أن تكون اللام بمعنى الباء أو بمعنى من غير صحيح ، لأنهم ذكروا أن اللام الجارة تأتي لاثنين وعشرين معنى وليس فيها مجيئها بمعنى الباء ولا بمعنى من نعم ذكروا أنها تجيء بمعنى عن ونسبوه لابن الحاجب ورد عليه ابن مالك وغيره ، ثم الكلام في الحديث ، فنقول فروة بفتح [ ص: 147 ] الفاء وسكون الراء وفتح الواو ابن أبي المغراء بفتح الميم وإسكان الغين المعجمة وبالراء وبالمد أبو القاسم الكندي الكوفي مات سنة خمس وعشرين ومائتين ، وعلي بن مسهر بضم الميم على وزن اسم الفاعل من الإسهار أبو الحسن القرشي الكوفي تولى قضاء نواحي الموصل ، وهشام هو ابن عروة يروي عن أبيه عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله تعالى عنها .

                                                                                                                                                                                  وهذا مختصر من حديث مطول مضى بتمامه بهذا السند بعينه في باب تزويج عائشة قبيل أبواب الهجرة إلى المدينة .

                                                                                                                                                                                  قوله : ( فأتتني أمي ) وهي أم رومان بنت عامر بن عويمر بن عبد شمس ، قوله : ( فإذا نسوة ) قد ذكرنا أن كلمة إذا للمفاجأة ، ونسوة بكسر النون وبفتحها أيضا جمع نساء تقديره نسوة كائنة من نساء الأنصار ، قوله : ( فقلن على الخير ) قد مر تفسيره عن قريب ، قوله : ( وعلى خير طائر ) كناية عن الفأل ، وطائر الإنسان عمله الذي قلده ، وقال ابن الأثير : طائر الإنسان ما حصل له في علم الله عز وجل مما قدر له ، وقيل : الطائر الحظ .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية