الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  5017 67 - حدثنا عمرو بن عباس ، حدثنا ابن مهدي ، حدثنا سفيان ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه قال : قال عروة بن الزبير لعائشة : ألم ترين إلى فلانة بنت الحكم طلقها زوجها ألبتة فخرجت ؟ فقالت : بئس ما صنعت ، قال : ألم تسمعي في قول فاطمة ؟ قالت : أما إنه ليس لها خير في ذكر هذا الحديث . وزاد ابن أبي الزناد ، عن هشام ، عن أبيه : عابت عائشة أشد العيب وقالت : إن فاطمة كانت في مكان وحش فخيف على ناحيتها ، فلذلك أرخص لها النبي صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  هذا طريق آخر في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها ، أخرجه عن عمرو بن عباس أبي عثمان البصري ، عن عبد الرحمن بن مهدي ، عن سفيان الثوري .

                                                                                                                                                                                  قوله : " عن أبيه " هو القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه .

                                                                                                                                                                                  قوله : " قال عروة بن الزبير " وفي بعض النسخ : قال عروة بدون ذكر أبيه .

                                                                                                                                                                                  قوله : " ألم ترين " ويروى على الأصل : ألم تري .

                                                                                                                                                                                  قوله : " إلى فلانة بنت الحكم " نسبها إلى جدها وهي بنت عبد الرحمن بن الحكم كما ذكر في الطريق الأول .

                                                                                                                                                                                  قوله : " ألبتة " همزتها للقطع لا للوصل ، والمقصود أنها بانت منه ولم يكن طلقها رجعيا .

                                                                                                                                                                                  قوله : " فخرجت " أي : من مسكن الفراق .

                                                                                                                                                                                  قوله : " بئس ما صنعت " وفي رواية الكشميهني بئس صنع أي : زوجها في تمكينها من ذلك ، أو بئس ما صنع أبوها في موافقتها .

                                                                                                                                                                                  قوله : " قال : ألم تسمعي " يحتمل أن يكون فاعل [ ص: 311 ] قال هو عروة كذا قال بعضهم .

                                                                                                                                                                                  ( قلت ) : فاعل قال هو عروة بلا احتمال فليتأمل .

                                                                                                                                                                                  قوله : " أما إنه " بفتح همزة أما وتخفيف ميمها وهي حرف استفتاح بمنزلة ألا ، وكلمة إن بعدها تكسر بخلاف أما التي بمعنى حقا فإنها تفتح بعدها والضمير في إنه للشأن .

                                                                                                                                                                                  قوله : " ليس لها خير " في ذكر هذا الحديث لأن الشخص لا ينبغي له أن يذكر شيئا عليه فيه غضاضة .

                                                                                                                                                                                  قوله : " وزاد ابن أبي الزناد " أي : زاد عبد الرحمن بن أبي الزناد بالنون واسمه عبد الله أبو محمد المدني فيه مقال ، فقال النسائي : لا يحتج بحديثه ، وقال ابن عدي : بعض رواياته لا يتابع عليها ، وقال يعقوب بن شيبة : ثقة صدوق وفي بعض حديثه ضعف ، وعن يحيى بن معين : أثبت الناس في هشام بن عروة استشهد به البخاري في ( صحيحه ) وروى له في غيره ، وروى له مسلم في مقدمة كتابه ، وروى له الأربعة ، ووصل هذه الزيادة المعلقة أبو داود عن سليمان بن داود ، أنبأنا ابن وهب ، أخبرني عبد الرحمن بن أبي الزناد فذكره .

                                                                                                                                                                                  قوله : " عابت عائشة " يعني على فاطمة بنت قيس ، وقالت يعني : عائشة .

                                                                                                                                                                                  قوله : " وحش " بفتح الواو وسكون الحاء المهملة وبالشين المعجمة أي : مكان خال لا أنيس به .

                                                                                                                                                                                  قوله : " فلذلك " أي : فلأجل كونها في مكان وحش أرخص لها بالانتقال وقد احترق ابن حزم هنا فقال : هذا حديث باطل لأنه من رواية ابن أبي الزناد وهو ضعيف جدا ورد بما ذكرنا ولا سيما قول يحيى بن معين : هو أثبت الناس في هشام بن عروة .

                                                                                                                                                                                  والحاصل من هذه الأحاديث بيان رد عائشة حديث فاطمة بنت قيس على الوجه الذي ذكرته من غير بيان العلة فيه ، وأن المطلقة المبانة لها النفقة والسكنى ، وقال صاحب ( الهداية ) : وحديث فاطمة رده عمر رضي الله تعالى عنه فإنه قال : لا ندع كتاب ربنا ولا سنة نبينا صلى الله عليه وسلم بقول امرأة ، لا ندري صدقت أم كذبت حفظت أم نسيت ، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : للمطلقة الثلاث النفقة والسكنى ما دامت في العدة ، ورده أيضا زيد بن ثابت وأسامة بن زيد وجابر وعائشة رضي الله عنهم ، وقال بعضهم : ادعى بعض الحنفية أن في بعض طرق حديث عمر : للمطلقة ثلاثا السكنى والنفقة ، ورده ابن السمعاني بأنه من قول بعض المجازفين فلا تحل روايته ، وقد أنكر أحمد ثبوت ذلك عن عمر أصلا ولعله أراد ما ورد من طريق إبراهيم النخعي عن عمر رضي الله تعالى عنه لكونه لم يلقه . انتهى .

                                                                                                                                                                                  ( قلت ) : ما المجازف إلا من ينسب المجازفة إلى العلماء من غير بيان ، فإن كان مستنده إنكار أحمد ثبوت ذلك عن عمر رضي الله تعالى عنه فلا يفيده ذلك لأن الذين قالوا بذلك يقولون بثبوت ذلك عن عمر ، فالمثبت أولى من النافي لأن معه زيادة علم ، وقد قال الطحاوي الذي هو إمام جهبذ في هذا الفن : لما جاءت فاطمة بنت قيس فروت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: إنما السكنى والنفقة لمن كانت عليها الرجعة ، خالفت بذلك كتاب الله تعالى نصا ; لأن كتاب الله تعالى قد جعل السكنى لمن لا رجعة عليها ، وخالفت سنة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم لأن عمر رضي الله تعالى عنه قد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم خلاف ما روت ، فخرج المعنى الذي منه أنكر عليها عمر ما أنكر خروجا صحيحا ، وبطل حديث فاطمة ، فلم يجب العمل به أصلا . انتهى . وأراد بقوله : قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم خلاف ما روت .

                                                                                                                                                                                  قوله : " سمعت النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم يقول : لها السكنى والنفقة أي : للمبتوتة ، وكذا روى جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال : المطلقة ثلاثا لها السكنى والنفقة رواه الدارقطني من حديث حرب بن أبي العالية ، عن أبي الزبير ، عن جابر ، عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فذكره .

                                                                                                                                                                                  فإن قلت : قال عبد الحق في ( أحكامه ) : وحرب بن أبي العالية لا يحتج به ضعفه يحيى بن معين في رواية الداروردي عنه ، وضعفه في رواية ابن أبي خيثمة والأشبه وقفه على جابر . انتهى .

                                                                                                                                                                                  ( قلت ) : حديث حرب بن أبي العالية في ( صحيح مسلم ) ، وأخرج له أيضا الحاكم في ( مستدركه ) ويكفي توفيق مسلم إياه ، وروى الطحاوي أيضا من حديث الشعبي عن فاطمة أنها أخبرت عمر بن الخطاب بأن زوجها طلقها ثلاثا فأتت النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فقال : لا نفقة لك ولا سكنى ، فأخبرت بذلك النخعي فقال : أخبر عمر بذلك فقال : سمعت النبي صلى الله تعالى عليه وسلم يقول : لها السكنى والنفقة .

                                                                                                                                                                                  ( فإن قلت ) لم يدرك إبراهيم عمر لأنه ولد بعده بسنتين .

                                                                                                                                                                                  ( قلت ) : لا يضر ذلك لأن مرسل إبراهيم يحتج به ولا سيما على أصلنا ، فافهم .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية