الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر الفتنة بين جند بغداد ومحمد بن عبد الله

وفي هذه السنة كانت وقعة بين جند بغداد وأصحاب محمد بن عبد الله بن طاهر .

وكان سبب ذلك أن الشاكرية وأصحاب الفروض اجتمعوا إلى دار محمد يطلبون أرزاقهم في رمضان ، فقال لهم : إني كتبت إلى أمير المؤمنين في إطلاق أرزاقكم ، فكتب في الجواب ، إن كنت تريد الجند لنفسك فأعطهم أرزاقهم ، وإن كنت تريدهم لنا فلا حاجة لنا فيهم ، فشغبوا عليه ، وأخرج لهم ألفي دينار ، ففرقت فيهم ، فسكتوا .

ثم اجتمعوا في رمضان أيضا ، ومعهم الأعلام والطبول ، وضربوا الخيام على باب حرب ، وعلى باب الشماسية وغيرهما ، وبنوا بيوتا من بواري وقصب ، وباتوا ليلتهم ، فلما أصبحوا كثر جمعهم ، وأحضر محمد أصحابه ، فباتوا في داره ، وشحن داره بالرجال ، واجتمع إلى أولئك ( المشغبين ) خلق كثير ، بباب حرب ، بالسلاح والأعلام والطبول ، ورئيسهم أبو القاسم عبدون بن الموفق ، وكان من نواب عبيد الله بن يحيى بن خاقان ، فحثهم على طلب أرزاقهم وفائتهم .

فلما كان يوم الجمعة أرادوا أن يمنعوا الخطيب من الدعاء للمعتز ، فعلم الخطيب ( بذلك ) ، فاعتذر بمرض لحقه ، ولم يخطب ، فمضوا يريدون الجسر ، فوجه إليهم ابن طاهر عدة من قواده في جماعة من الفرسان والرجال ، فاقتتلوا ، فقتل بينهم قتلى ، ودفعوا أصحاب ابن طاهر عن الجسر ، فلما رأى الذين بالجانب الشرقي أن أصحابهم أزالوا أصحاب ابن طاهر ( عن الجسر ) حملوا يريدون العبور إلى أصحابهم ، وكان ابن [ ص: 236 ] طاهر قد أعد سفينة فيها شوك وقصب ، فألقى فيها النار ، وأرسلها إلى الجسر الأعلى فأحرقت سفنه ، وقطعته ، وصارت إلى الجسر الآخر ، فأدركها أهل الجانب الغربي ، فغرقوها ، وعبر من [ في ] الجانب الشرقي إلى الغربي ، ودفعوا أصحاب ابن طاهر إلى باب داره ، وقتل بينهم نحو عشرة أنفس ، ونهب العامة مجلس الشرط ، وأخذوا منه شيئا كثيرا من أصناف المتاع .

ولما رأى ابن طاهر أن الجند قد ظهروا على أصحابه أمر بالحوانيت التي على باب الجسر أن تحرق ، فاحترق للتجار متاع كثير ، فحالت النار بين الفريقين ، ورجع الجند إلى معسكرهم بباب حرب ، وجمع ابن طاهر عامة أصحابه ، وعبأهم تعبئة الحرب خوفا من رجعة الجند ، فلم يكن لهم عودة ، فأتاه في بعض الأيام رجلان من الجند ، فدلاه على عورة القوم ، فأمر لهما بمائتي دينار ، وأمر الشاه بن ميكال وغيره من القواد في جماعة بالمسير إليهم ، فسار إلى تلك الناحية ، وكان أبو القاسم ، وابن الخليل ، وهما المقدمان على الجند ، قد خافا بمضي ذينك الرجلين ، ( وقد تفرق الناس عنهما ) ، فسار كل واحد منهما إلى ناحية .

وأما ابن الخليل فإنه لقي الشاه بن ميكال ومن معه ، فصاح بهم ، وصاح به أصحاب محمد ، وصار في وسطهم ، فقتل ، وأما أبو القاسم فإنه اختفى ، فدل عليه فأخذ وحمل إلى ابن طاهر ، وتفرق الجند من باب حرب ، ورجعوا إلى منازلهم ، وقيد أبو القاسم وضرب ضربا مبرحا ، فمات منه في رمضان .

التالي السابق


الخدمات العلمية