الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر قتل أسفار

كان في أصحاب أسفار قائد من أكبر قواده يقال له مرداويج بن زيار الديلمي ، فأرسله إلى سلار صاحب شميران الطرم يدعوه إلى طاعته ، وسلار هذا هو الذي صار ولده فيما بعد صاحب أذربيجان وغيرها ، فلما وصل مرداويج إليه تشاكيا ما كان الناس فيه من الجهد والبلاء ، فتحالفا ، وتعاقدا على قصده ، والتساعد على حربه .

وكان أسفار قد وصل إلى قزوين ، وهو ينتظر وصول مرداويج بجوابه ، فكتب مرداويج إلى جماعة من القواد يثق بهم يعرفهم ما اتفق هو وسلار عليه ، فأجابوه إلى ذلك ، وكان الجند قد سئموا أسفارا لسوء سيرته ، وظلمه ، وجوره ، وكان في جملة من أجاب إلى مساعدة مرداويج مطرف بن محمد ، وزير أسفار ، وسار مرداويج وسلار نحو أسفار ، وبلغه الخبر ، وأن أصحابه قد بايعوا مرداويج ، فأحس بالشر ، وكان ذلك عقيب حادثته مع أهل قزوين ودعائهم ، وثار الجند بأسفار ، فهرب منهم في جماعة من غلمانه وورد الري ، فأراد أن يأخذ من مال كان ( عند [ ص: 731 ] نائبه ) بها شيئا ، فلم يعطه غير خمسة آلاف دينار ، وقال له : أنت أمير ولا يعوزك مال ، فتركه وانصرف إلى خراسان ، فأقام بناحية بيهق .

وأما مرداويج فإنه عاد من قزوين نحو الري ، وكتب إلى ماكان بن كالي ، وهو بطبرستان ، يستدعيه ليتساعدا ويتعاضدا ، فسرى ماكان بن كالي إلى أسفار ، وكان قد عسف أهل الناحية التي هو بها ، فلما أحس بماكان سار إلى بست ، وركب المفازة نحو الري ليقصد قلعة ألموت التي بها أهله وأمواله ، فانقطع عنه بعض أصحابه ، وقصد مرداويج فأعلمه خبره ، فخرج مرداويج من ساعته في أثره ، وقدم بعض قواده بين يديه ، فلحقه ذلك القائد وقد نزل يستريح ، فسلم عليه بالإمرة ، فقال له أسفار : لعلكم اتصل بكم خبري وبعثت في طلبي ؟ ( قال : نعم ) ! فبكى أصحابه ، فأنكر عليهم أسفار ذلك ، وقال : بمثل هذه القلوب تتجندون ! أما علمتم أن الولايات مقرونة بالبليات ؟

ثم أقبل على ذلك القائد وهو يضحك ، وسأله عن قواده الذين أسلموه وخذلوه ، فأخبره أن مرداويج قتلهم ، فتهلل وجهه وقال : كانت حياة هؤلاء غصة في حلقي ، وقد طابت الآن نفسي ، فامض في ما أمرت به ، وظن أنه أمر بقتله ، فقال : ما أمرت فيك بسوء ، وحمله إلى مرداويج ، فسلمه إلى جماعة أصحابه ليحمله إلى الري ، فقال له بعض أصحابه : إن أكثر ( من معك ) كانوا أصحاب هذا ، فانحرفوا عنه إليك ، ( وقد [ ص: 732 ] أوحشت أكثرهم بقتل قوادهم ) فما يؤمنك أن يرجعوا إليه غدا ويقبضوا عليك ؟ فحينئذ أمر بقتله وانصرف إلى الري .

وقيل في قتله : إنه لما عاد نحو قلعة ألموت نزل في واد هناك يستريح ، فاتفق أن مرداويج خرج يتصيد ، ويسأل عن أخباره ، فرأى خيلا يسيرة في واد هناك ، فأرسل بعض أصحابه ليأخذ خبرها ، فرأوا أسفار بن شيرويه في عدة يسيرة من أصحابه ، يريد الحصن ليأخذ ما له فيه ويستعين به على جمع الجيوش ، ويعود إلى محاربة مرداويج ، فأخذوه ومن معه ، وحملوه إلى مرداويج ، فلما رآه نزل إليه فذبحه .

واستقر أمر مرداويج في البلاد ، وعاد إلى قزوين بعد قتل أسفار ، فأحسن إلى أهلها ، ووعدهم الجميل .

وقيل : بل دخل أسفار إلى رحى ، وقد نال منه الجوع ، فطلب من الطحان شيئا يأكله ، فقدم له خبزا ولبنا ، فأكل منه هو وغلام له ليس معه غيره ، فأقبل مرداويج إلى تلك الناحية ، فأشرف على الرحى فرأى حوافر الدواب ، فسأل عنها ، فقيل له : قد دخل فارسان إلى هذه الرحى ، فكبس مرداويج الرحى ، فرآه وقتله .

التالي السابق


الخدمات العلمية