السؤال
السلام عليكم.
بارك الله فيكم، وحفظكم، ونفع بكم الإسلام والمسلمين.
أبلغ من العمر 27 عاما، مواظبة على صلاتي مذ كنت في العاشرة من عمري، ولم أتكاسل عنها يوما، ولكن منذ عامين حدثت الكثير من المشاكل؛ من ضغط هائل في الدراسة، ثم العمل، وأصيبت أمي وفرد آخر من عائلتي بالسرطان، وانتقلت أنا وعائلتي للسكن في مكان جديد، وتم تشخيص حالتي حديثا بالفيبروميالجيا؛ والذي يجعلني أعاني من الألم بشكل دائم، ولم تساعدني الأدوية، رغم أنني جربت الكثير منها، كما أنني مصابة بالاكتئاب منذ سنوات، ولكن أصبحت حالتي أسوأ، وأتابع مع طبيبة نفسية، وقد وصفت لي الأدوية التي تساعدني -والحمد لله-.
المشكلة الآن أنني بدأت منذ بضعة أشهر أتوقف عن الصلاة لثلاثة أو أربعة، ثم أعود وأقضي الصلاة التي فاتتني، وأنوي ألا أعود لذلك مرة أخرى، ثم يحدث الأمر مرة أخرى، وصرت أشعر بالرعب من هذا الأمر؛ خصوصا أنه يزداد سوءا مع الوقت، وأخشى أن أموت وأنا على هذه الحال.
أرجو نصحكم، وشكرا لكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ رحمة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أهلا بك -أختنا الكريمة- في موقعك إسلام ويب، وإنا نسأل الله الكريم أن يبارك فيك، وأن يحفظك، وأن يقدر لك الخير حيث كان، وأن يرضيك به.
لا يخفاك -أختنا- أن الدنيا دار ابتلاء وكدر، والله يبتلي عباده لحكم يجهلونها، أو يجهلون بعضها، وما أنت فيه من ابتلاء ترينه عظيما وشديدا، هو بالنسبة لغيرك عافية، ولله في كل شيء حكمة وتقدير؛ فمريض القلب هو في عافية بالنسبة لمريض السرطان، ومريض السرطان الذي يجد الدواء هو في عافية بالنسبة لغيره ممن لا يجد علاجا، ومريض السرطان الذي لا يجد علاجا هو في عافية عند المرضى.
الشاهد إن كان الابتلاء في المرض فهناك من هو أشد منك حالا وصبر، وإن كان في المال فهناك من هو أفقر منك ورضي، وكلما افترض العبد ذلك وجد الدافعية عنده للصبر، فلسنا وحدنا المبتلين، بل هي سنة الله في أرضه، قال ربي: (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا)، وقال الله: (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين*الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون*أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون).
وقد علمنا النبي -صلى الله عليه وسلم- أن أكمل الناس إيمانا أشدهم ابتلاء، فقال: " أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلب اشتد به بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على قدر دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة".
فالابتلاء فتنة مرادة كما قال تعالى: ( ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون)، وقال تعالى: ( آلم* أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون)، لكن عظم أجر الصابر عند الله عظيم، فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط".
ثم اعلمي أن كل نعيم دون الجنة محقور، وكل بلاء دون النار عافية، وإذا سلم دينك فما يضرك بعده شيء، وإذا ذهب دينك فما ينفعك بعده شيء، وإنا نسأل الله أن يصبرك على ما ابتلاك، وأن يوجد لك منه فرجا ومخرجا.
أختنا الفاضلة: لا نخفيك سرا إذا قلنا لك إن مصابك بترك الصلاة لهو أشد ألف مرة من كل ابتلاءات الدنيا، فانتبهي لصلاتك، واعلمي أن الشيطان يستخدم معك أسلوب التبرير؛ ليخفف من وطأة ما فعلت على نفسك، والحق أن ما فعلته كان عظيما؛ فترك الصلاة من أعظم الذنوب، وأكبر الكبائر، بل وينافي إسلام العبد وعبوديته لله تعالى؛ ففي صحيح مسلم من حديث جابر: (إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة)، وقال عمر -رضي الله عنه-: "لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة"، ويقول التابعي عبدالله بن شقيق: "لم يكن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يرون شيئا تركه كفر غير الصلاة".
الأخت الفاضلة: إن ترك الصلاة وتأخيرها من أسباب الوقوع في أسر الشيطان؛ فعن أبي الدرداء -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة، إلا قد استحوذ عليهم الشيطان، فعليك بالجماعة، فإنما يأكل الذئب القاصية)، وفي الصحيحين عن ابن مسعود قال: (ذكر عند النبي -صلى الله عليه وسلم- رجل نام ليلة حتى أصبح قال: ذاك رجل بال الشيطان في أذنيه).
لذا عليك بالتوبة الآن الآن، والعزم على عدم العودة مهما كانت بك الآلام، ويعينك على الصلاة تعلق القلب بها؛ فإن القلب إذا تعلق بشيء استجاب له البدن، فكانت في الصلاة له راحة وسكينة (أرحنا بها يا بلال).
وحتى يتعلق القلب بالصلاة نوصيك بما يلي:
1- الابتعاد عن المعاصي قدر الاستطاعة، وإن حدث -لا قدر الله- فعليك بكثرة الاستغفار، والأوبة السريعة.
2- الانخراط في عمل جماعي عن طريق بعض الأخوات الصالحات، إما في حفظ القرآن، أو متابعة بعض المحاضرات الدعوية، أو أي عمل شرعي لا يتعارض مع واجباتك الحياتية.
3- الاهتمام بالنوافل، والمحافظة عليها، فإن ذلك من أهم العوامل التي تجعلك تحافظين على أداء الفرائض في أوقاتها، وقد قال أهل العلم: أول ضياع الفرض ضياع النفل.
4- القراءة حول أهمية الصلاة، وأجر المحافظة عليها، وعقوبة تاركها، أو المتكاسل عن أدائها في أوقاتها.
5- كذلك من أهم الأمور التي تعينك على تعلق القلب بها: كثرة الشوق إلى الله ورسوله، ومحبته، وهذا يتطلب منك التعرف على أسماء الله وصفاته، وكذلك التعرف على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالقراءة أو السماع؛ فإن القلب معين للبدن إذا امتلأ محبة لأي عمل.
6- كثرة الأذكار ترقق القلب، فاحرصي -بارك الله فيك- على أن يكون لك ورد من الأذكار: من التسبيح، والتهليل، والصلاة على رسول الله، ولو كان قليلا، المهم أن يكون دائما.
7- وأخيرا الدعاء، وخاصة في جوف الليل أن يوفقك الله لهذا الخير العظيم، وأن يشغلك بطاعته ومحبته.
وفي الختام: نسأل الله أن يوفقك لكل خير، وأن يقدره لك، ونحن سعداء بتواصلك معنا، والله الموفق.