للسارق توبة وإن عجز عن الأداء

0 439

السؤال

أنا كنت مسرفا جدا في المعاصي, لدي مسروقات كثيرة من المسلمين وغير المسلمين وعلي ديون ربوية أيضا. معظم المسروقات كانت من غير المسلمين عبر بطاقات الائتمان المسروقة. قررت التوبة تماما وتزكية نفسي برد حقوق الآخرين والتخلص من الديون الربوية حتى لا يكون بيني وبين الخلق شيء. كل المسروقات لا أعلم أصحابها لأنها تمت عبر الشبكة العنكبوتية بالاختراقات وغيرها.
أنا شاب لست متوسط الحال, حالي كحال الآخرين ولا أستطيع رد المسروقات مرة واحدة عن طريق صرفها لأوجه الخير واحتساب الأجر لأصحابها سواء كان مسلما أو كافرا. الأمر سيتطلب سنين فالأموال تزيد عن عشرة آلاف دولار هذا دون الديون الربوية التي علي. الآن أنا محتار, وكلما أريد أن أتوب أتذكر الحقوق التي بيني وبين الخلق فأصاب بإحباط شديد, سؤالي هو:
ما الفائدة من التوبة الصادقة ويوجد خلفي كبيرة الربا؟ أنا أقول لنفسي أولا: تخلص من الربا وحقوق الآخرين حتى تطهر نفسك من الذنوب المتعلقة بحقوق الناس, ثم تتوب توبة تامة كاملة لله حيث ما يتبقى على رقبتك شيء إلا الذي بينك وبين الله وعندها أشد وأجد في العبادة وأزهد عن الدنيا. أنا ودي أتوب حاليا, لكن كلما أحاول أجد وأطيع الله كما ينبغي, أشعر بإحباط لما أرى من حقوق علي وبما سيقتصه الناس مني يوم القيامة, فأشعر بالحزن الشديد فعندها أحافظ على الفروض فقط أما النوافل والسنن لا أفعلها لأني أشعر كأني أبني بنيانا بتعب وهناك من الجهة الأخرى ما هو يهدمها ألا وهو الربا وغيره. فقلت لنفسي, أحافظ على الفروض وتبت عن السرقة, وأجد وأكد لأرد الديون والحقوق لأهلها عن طريق صرفها لأوجه الخير لله والله يتولاها. عندها سيهدأ بالي وسأبدأ بالجد الحقيقي تجاه الله وأتوب توبة صادقة لا رجعة بعدها أبدا وأكرس نفسي وكل حياتي لله, حتى عندما أتوفى ويأتي يوم الحساب, أكون على الأقل رددت الحقوق إلى أهلها ويكون الله أعطاهم الأجر فما يقتصون مني بإذن الله... ثم أنا أحب أن أكون عند الله على درجة الصديقين والشهداء, والذي يريد أن يصل لهذه المنزلة عليه أن يرد كل الحقوق إلى أهلها, ولا يكون عليه ديون ربوية, وأن يكون ماله حلالا, الخ....فمن المستحيل المسلم أن يصل لدرجة الصديقين والشهداء وهو عليه ديون, وعليه مسروقات مالية لازم يردها, وحقوق - الذي يريد أن يصل لهذه المرتبة العالية لازم يكون مطيعا لله ومكرسا حياته لله تماما بالإضافة أن لا يكون بينه وبين الخلق شي أبدا.....
أمامي على الأقل 3 سنوات لأرد المسروقات والديون الربوية التي علي, حتى يهدأ بالي وأعبد الله بطمأنينة ورجاء حيث بنفس الوقت يكون ليس لدي بيني وبين الخلق شيء أبدا...
فبالله عليكم, دلوني وأرشدوني, ليس لي إلا الله ثم أنتم بأن تبينوا لي على ميزان الشرع.
إني منتظر ردكم بفارغ الصبر ومترقب, أرجو الرد لو تكرمتم.
بارك الله فيكم وسدد خطاكم إلى الصواب دوما.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فنسأل الله أن يتم عليك نعمة التوبة والاستقامة، وأن يجنبك كيد الشيطان ووسوسته. فإن باب التوبة مفتوح بفضل الله تعالى لكل إنسان مهما بلغت ذنوبه، ما لم تطلع الشمس من مغربها، أو يعاين الموت ويتيقنه.

وقد وعد الله تعالى من يقترف أكبر الكبائر كالشرك والقتل والزنا، بأن يبدل سيئاتهم حسنات، إن هم تابوا وآمنوا وعملوا الصالحات، قال تعالى: والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما * يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا * إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما * ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا (71) [الفرقان: 68-71].

وكذلك الحال في السرقة، فقد قال الله تعالى بعد ذكر السرقة وبيان حدها: فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم {سورة المائدة: 39} قال ابن كثير: أي من تاب بعد سرقته وأناب إلى الله، فإن الله يتوب عليه فيما بينه وبينه، فأما أموال الناس فلا بد من ردها إليهم أو بدلها عند الجمهور اهـ.

فالتوبة من السرقة لابد فيها من رد الحقوق لأصحابها، وقد سبق بيان ذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 3519، 3739، 3051.

ولكن ليس معنى ذلك أن العاجز عن الأداء ليس له توبة، بل يبقى ذلك في حكم الدين في ذمته، فإن استطاع أن يستحل أصحاب الحقوق فعل وبرئت ذمته، وإن لم يحلوه فهو في حكم الغارم، يأخذ من الزكاة ما يقضي به ديونه. فإن لم يجد بقيت في ذمته دينا حتى يؤديه، ولو على دفعات وفترات من الزمان، طال أو قصر، بحسب استطاعته، وقد سبق بيان ذلك في الفتويين: 6420، 40782.

فإن مات قبل أدائها وكان صادقا في نية ردها لأصحابها ـ أدى الله عنه كالمدين، فقد قال صلى الله عليه وسلم: من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه. رواه البخاري. وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 7576.

ومعلوم أن حال السارق أهون بكثير من حال القاتل، فليس إتلاف الأموال كإزهاق النفوس، وإن كان كلاهما من حقوق الآدميين، ولكن قد قال صلى الله عليه وسلم: أول ما يقضى بين الناس بالدماء. متفق عليه. فإن كانت التوبة من القتل مقبولة فتوبة السارق أولى بالقبول.

واعلم أخي الكريم أنه لا يمكن أن يحول بين التائب وبين التوبة حائل مقبول شرعا ولا عقلا، فإن الله يغفر الذنوب جميعا، ولا يكلف نفسا إلا وسعها، فمن حقق شروط التوبة في ما بينه وبين الله من حقوق، من الإقلاع عن الذنب، والندم على ما فرط منه، والعزم على عدم العودة، وحقق ما يستطيعه من شرط التوبة من الذنوب التي تتعلق بحقوق الآدميين، وهو أداؤها أو الاستحلال منها، قبلت توبته، وبرئت ذمته، بفضل الله تعالى.

ومن يضمن لك أخي أن تعيش ثلاث سنوات أو ثلاث لحظات حتى ترد الحقوق إلى أصحابها ثم تتوب إلى الله، ثم من يضمن لك أنك تستطيع لا محالة رد تلك الحقوق في تلك الفترة، وأيهما أفضل أن تلقى الله تعالى وقد فعلت ما بمقدورك من تحقيق شروط التوبة والسعي للوفاء بما بقي عليك منها، أم تلقى الله تعالى مكبلا بالحقين حق الله تعالى وحق العباد؟ لعلك إذا تأملت هذا علمت علم اليقين أن المسألة لا تعدو أن تكون حيلة شيطانية.

فاستعذ بالله وتب إليه توبة نصوحا، وادع الله تعالى أن ييسر لك قضاء تلك الديون.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات