السؤال
أخي يائس من التوبة بعد أن وسوس له الشيطان بالكفر 10 مرات، وفعلها رغم قدرته على الابتعاد عن الوسواس، ولكنه اعتمد على رحمة الله، وقال له المفتي بسبب هذا، فالله لن يقبل توبتك، فهل هذا صحيح؟.
أخي يائس من التوبة بعد أن وسوس له الشيطان بالكفر 10 مرات، وفعلها رغم قدرته على الابتعاد عن الوسواس، ولكنه اعتمد على رحمة الله، وقال له المفتي بسبب هذا، فالله لن يقبل توبتك، فهل هذا صحيح؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن نطق بالكفر مختارا فهو كافر، لكن للتكفير شروط، وموانع، ومريض الوسواس قد يصل إلى درجة لا يتحكم فيما يتكلم به، فلا يؤاخذ، وراجع فتوى رقم: 168487، وما أحالت عليه.
وإن كان ظاهر سؤالك أنه يتحكم فيما يتكلم، ومع ذلك نطق متعمدا معتمدا على رحمة الله، وعلى كل فإنه لو وقع في الكفر صراحة، فمن يحول بينه وبين الإسلام، قال تعالى: قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف وإن يعودوا فقد مضت سنت الأولين {الأنفال:38}.
وقال تعالى: والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا {الفرقان:68ـ71}.
وقال تعالى: قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم {الزمر:53}.
وقال عمرو بن العاص رضي الله عنه: فلما جعل الله الإسلام في قلبي أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: ابسط يمينك فلأبايعك، فبسط يمينه، قال: فقبضت يدي، قال: مالك يا عمرو؟ قال: قلت: أردت أن أشترط، قال: تشترط بماذا؟ قلت: أن يغفر لي، قال: أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله؟ وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها؟ وأن الحج يهدم ما كان قبله؟ رواه مسلم.
فالمسلم إذا وقع في الكفر، ثم تاب تاب الله عليه، ولذا شرع الله استتابة المرتد قبل إقامة حد الردة عليه، رجاء استصلاحه، لكن النصيحة أن يبادر إلى الإيمان فورا، ولا يتأخر، وطريقه في الدخول في الإسلام، أن ينطق بالشهادتين ثم يتوب مما وقع فيه من الردة، فإنه إن كان يقول الشهادتين حال كفره، لم تكف للدخول في الإسلام، قال ابن قدامة في المغني: فأما من كفر بغير هذا ـ يعني جحد الوحدانية، أو جحد رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، أو جحدهما معا ـ فلا يحصل إسلامه إلا بالإقرار بما جحده، ومن أقر برسالة محمد صلى الله عليه وسلم وأنكر كونه مبعوثا إلى العالمين، لا يثبت إسلامه حتى يشهد أن محمدا رسول الله إلى الخلق أجمعين، أو يتبرأ مع الشهادتين من كل دين يخالف الإسلام وإن زعم أن محمدا رسول مبعوث بعد غير هذا، لزمه الإقرار بأن هذا المبعوث هو رسول الله، لأنه إذا اقتصر على الشهادتين، احتمل أنه أراد ما اعتقده، وإن ارتد بجحود فرض، لم يسلم حتى يقر بما جحده، ويعيد الشهادتين، لأنه كذب الله ورسوله بما اعتقده، وكذلك إن جحد نبيا، أو آية من كتاب الله تعالى، أو كتابا من كتبه، أو ملكا من ملائكته الذين ثبت أنهم ملائكة الله، أو استباح محرما، فلا بد في إسلامه من الإقرار بما جحده. انتهى.
ولا بد له من محاولة علاج الوسوسة، فإنها تفسد على المرء دينه، ودنياه، ونوصيه بأمرين:
1ـ ملازمة التضرع، والانكسار لله تعالى، ودعاؤه أن يصرف عنه ذلك، قال تعالى: وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكرى للعابدين وإسماعيل وإدريس وذا الكفل كل من الصابرين وأدخلناهم في رحمتنا إنهم من الصالحين وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين {الأنبياء:83ـ 88}.
2ـ طلب التداوي، فما أنزل الله داء إلا أنزل له دواء، كما في صحيح البخاري، وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 188793، 132309، 115966.
وفي الأخير: نحذر من القنوط من رحمة الله، فهو داء خطير وعواقبه وخيمة، ولا ندري ما الذي قصده المفتي؟ ولعله حصل اشتباه في السؤال أو الجواب، وإلا فالتوبة من الكفر صحيحة مشروعة باتفاق المسلمين.
والله أعلم.