عذاب القبر وضمة القبر

0 354

السؤال

هل حقا لا أحد سينجو من عذاب القبر؟ وحافظ القرآن لن ينجو منه هو أيضا؟ أنا لا أدري هل أنا مخطئة بالذي علمته، أم أني فهمت بشكل خاطئ؟ ولكن ما فهمته هو: أنه لا أحد ناج من عذاب القبر، إن كنت مخطئة فوضحوا لي، وأود أن أعرف ما هي أحاديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- التي تتكلم عن المتنعمين في القبر؟ وهل حافظ القرآن منهم؟ وإذا كانت الإجابة: نعم، فأريد أحاديث تتكلم عن ثواب الحافظ في قبره؟ والتي تتكلم عن المعذبين في القبر، وهل يوجد عبادات معينة تقي من عذاب القبر -بإذن الله-؟ فأنا والله لا أريد أن أذوق عذاب القبر ولو لثانية.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله أن يعيذنا من عذاب القبر.

وقد حصل عندك اشتباه بين عذاب القبر، وبين ضمة القبر؛ فعذاب القبر: يسلم منه كثير من المؤمنين، بينما ضمة القبر: لا ينجو منها أحد، ولكن فرق بين ضمة المسلم، وبين ضمة الكافر، فانظري الفتوى: 18370، والفتوى: 199509.

قال المناوي في فيض القدير: (إن للقبر ضغطة) أي: ضيقا لا ينجو منه صالح ولا طالح، لكن الكافر يدوم ضغطه، والمؤمن لا، والمراد به: التقاء جانبيه على الميت (لو كان أحد ناجيا منها نجا) منها (سعد بن معاذ) إذ ما من أحد إلا وقد ألم بخطيئة، فإن كان صالحا فهذه جزاؤه، ثم تدركه الرحمة، ولذلك ضغط سعد حتى اختلفت أضلاعه. وقيل: أصل ذلك أن الأرض أمهم: منها خلقوا فغابوا عنها طويلا، فتضمهم ضمة والدة غاب عنها ولدها، فالمؤمن برفق، والعاصي بعنف غضبا عليه. انتهى.

وأما الأحاديث عن المتنعمين في القبر: فمنها: ما جاء في الصحيحين عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار، فيقال: هذا مقعدك حتى يبعثك الله يوم القيامة.

وروى الترمذي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إذا قبر الميت - أو قال: أحدكم - أتاه ملكان أسودان أزرقان، يقال لأحدهما: المنكر، وللآخر: النكير، فيقولان: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: ما كان يقول: هو عبد الله ورسوله، أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، فيقولان: قد كنا نعلم أنك تقول هذا، ثم يفسح له في قبره سبعون ذراعا في سبعين، ثم ينور له فيه، ثم يقال له: نم، فيقول: أرجع إلى أهلي فأخبرهم، فيقولان : نم كنومة العروس الذي لا يوقظه إلا أحب أهله إليه، حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك، وإن كان منافقا قال: سمعت الناس يقولون، فقلت مثله، لا أدري، فيقولان: قد كنا نعلم أنك تقول ذلك، فيقال للأرض: التئمي عليه، فتلتئم عليه، فتختلف فيها أضلاعه، فلا يزال فيها معذبا حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك" قال الترمذي: حديث أبي هريرة حديث حسن غريب، وحسنه الألباني.

وروى ابن حبان، والحاكم عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: إن الميت إذا وضع في قبره إنه يسمع خفق نعالهم حين يولون عنه، فإن كان مؤمنا؛ كانت الصلاة عند رأسه, وكان الصيام عن يمينه, وكانت الزكاة عن شماله, وكان فعل الخيرات ـ من الصدقة, والصلة, والمعروف, والإحسان إلى الناس ـ عند رجليه, فيؤتى من قبل رأسه فتقول الصلاة: ما قبلي مدخل, ثم يؤتى عن يمينه فيقول الصيام: ما قبلي مدخل, ثم يؤتى عن يساره فتقول الزكاة: ما قبلي مدخل, ثم يؤتى من قبل رجليه فتقول فعل الخيرات ـ من الصدقة, والصلة, والمعروف, والإحسان إلى الناس ـ: ما قبلي مدخل, فيقال له: اجلس. فيجلس, وقد مثلت له الشمس, وقد أدنيت للغروب, فيقال له: أرأيتك هذا الرجل الذي كان فيكم ما تقول فيه, وماذا تشهد به عليه؟ فيقول: دعوني حتى أصلي. فيقولون: إنك ستفعل أخبرنا عما نسألك عنه، أرأيتك هذا الرجل الذي كان فيكم ما تقول فيه, وماذا تشهد عليه؟ قال: فيقول: محمد أشهد أنه رسول الله, وأنه جاء بالحق من عند الله. فيقال له: على ذلك حييت, وعلى ذلك مت, وعلى ذلك تبعث ـ إن شاء الله ـ, ثم يفتح له باب من أبواب الجنة فيقال له: هذا مقعدك منها, وما أعد الله لك فيها, فيزداد غبطة وسرورا, ثم يفتح له باب من أبواب النار فيقال له: هذا مقعدك منها, وما أعد الله لك فيها لو عصيته, فيزداد غبطة وسرورا, ثم يفسح له في قبره سبعون ذراعا, وينور له فيه, ويعاد الجسد لما بدأ منه, فتجعل نسمته في النسم الطيب, وهي: طير يعلق في شجر الجنة قال: (فذلك قوله ـ تعالى ـ: {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة} [إبراهيم: 27]) إلى آخر الآية [إبراهيم: 27] قال: وإن الكافر إذا أتي من قبل رأسه لم يوجد شيء, ثم أتي عن يمينه فلا يوجد شيء, ثم أتي عن شماله فلا يوجد شيء, ثم أتي من قبل رجليه فلا يوجد شيء, فيقال له: اجلس. فيجلس خائفا مرعوبا فيقال له: أرأيتك هذا الرجل الذي كان فيكم ماذا تقول فيه, وماذا تشهد به عليه؟ فيقول: أي رجل؟ فيقال: الذي كان فيكم. فلا يهتدي لاسمه حتى يقال له: محمد فيقول: ما أدري؟ سمعت الناس قالوا قولا فقلت كما قال الناس. فيقال له: على ذلك حييت, وعلى ذلك مت, وعلى ذلك تبعث ـ إن شاء الله ـ, ثم يفتح له باب من أبواب النار فيقال له: هذا مقعدك من النار وما أعد الله لك فيها, فيزداد حسرة وثبورا, ثم يفتح له باب من أبواب الجنة فيقال له: ذلك مقعدك من الجنة وما أعد الله لك فيه لو أطعته, فيزداد حسرة وثبورا, ثم يضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه, فتلك المعيشة الضنكة التي قال الله: (فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى) [طه: 123ـ 124]). حسنه الألباني.

وانظري حديث البراء بن عازب الطويل بالفتوى: 71977.

وهذه الأحاديث تشمل ذكر النعيم والعذاب معا. 

وأما ما يتعلق بالحافظ في قبره: فقد ذكر ابن حجر في المطالب العالية حديثا طويلا عزاه لأبي يعلى, وفيه: فإذا وضع في قبره جاءته الصلاة فكانت عن يمينه، وجاءه الصيام فكان عن يساره، وجاءه القرآن والذكر فكانا عند رأسه، وجاءه مشيه إلى الصلاة فكان عن رجله، وجاءه الصبر فكان في ناحية القبر. قال: فيبعث الله تعالى عذابا من العذاب، فيأتيه عن يمينه، فتقول الصلاة: وراءك، والله ما زال دائبا عمره كله، وإنما استراح الآن حين وضع في قبره، قال: فيأتيه عن يساره فيقول الصيام مثل ذلك، ثم يأتيه من رأسه، فيقول القرآن والذكر مثل ذلك، ثم يأتيه من عند رجله، فيقول مشيه إلى الصلاة مثل ذلك، قال: فلا يأتيه العذاب من ناحية يلتمس هل يجد مساغا إلا وجد ولي الله تعالى قد - أحد حسه-؟، قال فيندفع العذاب عند ذلك. فيخرج، ويقول الصبر لسائر الأعمال: أما أنا لم يمنعني أن أباشر أنا بنفسي إلا أني نظرت ما عندكم، فإن عجزتم كنت أنا صاحبه، فأما إذا أجزأتم عنه، فأنا له ذخر عند الصراط والميزان... ثم قال: ولكن هذا الإسناد غريب، لا نعرف أحدا روى عن أنس، عن تميم الداري -رضي الله عنهما- إلا من هذا الوجه، ويزيد الرقاشي سيئ الحفظ جدا، كثير المناكير، كان لا يضبط الإسناد فيلزق بأنس -رضي الله عنه- كل شيء يسمعه من غيره، ودونه أيضا من هو مثله، أو أشد ضعفا. انتهى.

والقرآن من فعل الخيرات المذكورة في الحديث -وكان فعل الخيرات عند رجليه. 

وقد بينا بالفتوى: 48438، أن سورة الملك تمنع صاحبها من عذاب القبر.

ودلت السنة أن القرآن شافع؛ ففي الحديث: الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة. يقول الصيام: أي رب إني منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه. ويقول القرآن: رب منعته النوم بالليل فشفعني فيه، فيشفعان. رواه أحمد، والحاكم، والطبراني، وصححه الألباني. وفي الحديث: القرآن شافع مشفع، وماحل مصدق، فمن جعله أمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلفه ساقه إلى النار. رواه ابن حبان، والطبراني, وصححه الألباني، لكن في بعض الأحاديث أن هذه الشفاعة بعد أن ينشق عنه قبره، فانظر الفتوى:19251، ففيها الحديث، وبعض الفضائل الأخرى للقرآن.

وقد ذكرنا بالفتوى: 30742،  بعض الأعمال المنجية من عذاب القبر.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة