الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ما سبب شعوري المستمر بالضيق والملل وفقدان التركيز؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

في البداية، بدأت معي هذه الحالة عندما كنت في المرحلة الثانوية، كنت أشعر بالملل، وكلما بدأت المذاكرة شعرت بضيق في الصدر وملل شديد، كنت متفوقًا وأحب المواد العلمية، لكن في السنة الأخيرة من الثانوية حدث شيء غريب لم أفهمه؛ إذ ازداد شعوري بالملل والضيق، وعدم الرغبة في المذاكرة.

تفاقم هذا الشعور مع اقتراب الامتحانات، فقررت في السنة الأولى أن أتركها، ثم جاءت السنة الثانية، وازداد الأمر سوءًا؛ إذ شعرت بضيق شديد في الصدر وملل كبير، وعدم ارتياح نفسي، لدرجة أنني لم أكن أستطيع الجلوس أمام الكتاب حتى لخمس دقائق، وحتى القرآن الكريم لم أعد أستطيع قراءته، وكنت أبكي كثيرًا.

دخلت امتحان أول مادة، وكانت من المواد التي أحبها، ومع ذلك لم أستطع الإجابة، رغم أن الامتحان كان سهلًا، وخرجت من اللجنة ولم أكلم أحدًا، وبقيت يومين دون حديث مع أحد، ثم تركت الامتحانات للمرة الثانية، سألت نفسي: ما الذي أصابني؟ فأنا من المتفوقين، وبشهادة أساتذتي!

لجأت إلى بعض المشايخ، ظنًّا أن الأمر قد يكون مسًّا أو حسدًا، لكنهم أكدوا لي أنني سليم، ثم أرشدتني أختي إلى طبيب نفسي، فوصف لي دواءً اسمه (سيبرالكس 10 ملغ) وداومت عليه، وشعرت ببعض الارتياح، وبدأت أقاوم الملل والضيق، حتى إن وزني قلّ بشكل كبير، ثم دخلت الامتحان للمرة الثالثة، والحمد لله نجحت، والتحقت بجامعة الأزهر، لكن هذا الإحساس ظلّ ملازمًا لي.

نجحت بصعوبة في السنة الأولى والثانية من الكلية، وواصلت المتابعة مع طبيب التأمين الصحي، وكتب لي نفس الدواء، ثم طلبت منه تغييره؛ لأنه منتج دنماركي، فاستبدله بالبديل المصري (سيبرابرو)، ثم (اسيتا) الذي يحتوي على نفس المادة الفعالة (اسيتالوبرام) لكنني الآن لا أشعر بأي تحسن؛ ما زال ضيق الصدر والملل الشديد يلازمانني، وأجد صعوبة شديدة في الحفظ، حتى في حفظ القرآن الكريم، إضافة إلى ضعف في التركيز، وصعوبة في النوم، وكثرة التثاؤب، وعندما أستيقظ أشعر كأني لم أنم أصلًا، مع وجود صداع خفيف، يزداد عند الإكثار من المذاكرة، وعند دخول الامتحان، أجد صعوبة أحيانًا في تذكر بعض النقاط رغم أنني ذاكرتها جيدًا.

أريد حلًّا، أريد أن أكون مرتاحًا نفسيًّا، وأن أجتهد كما كنت في السابق، أعتذر على الإطالة، لكنني أردت أن أذكر كل شيء، وشكرًا لحسن إصغائكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ .. حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإن حالتك بدأت في مرحلة عمرية تُعرف بعدم الاستقرار النفسي، ففترة المراهقة لا شك أنها فترة تتصف بكثير من المتغيرات البيولوجية والنفسية والهرمونية والعاطفية، وهي فترة مهمة لتحديد هوية الإنسان وانتماءاته، والحمد لله، بالرغم من الصعوبات النفسية الكثيرة التي واجهتها، فقد استطعت أن تُنجز، والتحقت بجامعة الأزهر، وأعتقد أنك بهذا الإنجاز قد خطوت خطوات جيدة إلى الأمام.

أنا أقدّر الآن مشاعرك السلبية، وعدم مقدرتك على التركيز، وكذلك الضيق في الصدر والملل الفظيع، فكلها أعراض مرتبطة بحالة القلق الاكتئابي التي كنت تعاني منها في الأصل، ويُعرف أن هذه النوبات القلقية والاكتئاب كأمواج البحر، ترتفع وتنخفض حسب الظروف البيئية المحيطة بالإنسان، أو حسب تركيبته النفسية وشخصيته، وما أود أن أؤكد عليه هو: أن حالة الضيق والملل هذه، لا أريدك أن تعتبرها حالة ملازمة لك؛ فإن شاء الله هي حالة عابرة، وبإصرارك على النجاح ومقاومة الاكتئاب والقلق والتوتر، تستطيع -بإذن الله- أن تعدّل وتبدّل من مزاجك، ليصبح أكثر فعالية وإيجابية.

من ناحية العلاج الدوائي؛ الـ (اسيتالوبرام، Escitalopram) هو دواء جيد وفعّال، ويمكن أن ترفع جرعته حتى 20 ملغ في اليوم، وأنا أؤيد ذلك كثيرًا؛ لأن البحوث الحديثة دلّت على أن الجرعة العلاجية المفيدة هي 20 ملغ، تؤخذ يوميًا لمدة ثلاثة أشهر، ثم بعد ذلك تُخفّض إلى جرعة 10 ملغ، وتستمر عليها كجرعة وقائية.

أريدك أن تتناول دواءً آخر من الأدوية البسيطة، وهو -بفضل الله- متوفر في مصر، ويُعرف تجاريًا وعلميًا باسم (موتيفال، Motival)، تناوله بجرعة حبة واحدة ليلًا لمدة شهرين، ثم توقف عن تناوله.

هناك جوانب أخرى مهمة، فعليك بممارسة الرياضة، فقد وُجد أنها تزيل وتمتص الطاقات النفسية، ومن خلالها يستطيع الإنسان أن يشعر بالاسترخاء والتواؤم مع نفسه، والرياضة من أفضل ما يُحسّن التركيز، ولا شك أن أفضل ما يُحسّن التركيز هو القرآن الكريم، إذا قرأه الإنسان بتؤدة وتدبّر وتأمل، يشعر أن مستوى تركيزه قد تحسّن، وأنا أعلم أن الاكتئاب حين يضيق على الإنسان، قد يحرمه حتى من تلاوة القرآن، أو تقل لديه الرغبة، لكن الإنسان يجب أن يُجاهد نفسه، ويُصر على عمل ما هو نافع وخيّر له.

كما أنصحك بتحيّن أوقات مناسبة للمذاكرة والاطّلاع، وبعد صلاة الفجر وقت جميل جدًا، لأن الإنسان حين يستيقظ من النوم تكون أعضاؤه الجسدية ومكوناته النفسية في حالة استرخاء ونشاط وتحفّز، وأذكّرك بقول النبي ﷺ: «اللَّهُمَّ بَارِكْ لِأُمَّتِي ‌فِي ‌بُكُورِهَا»، فلا بد من الاستفادة من هذا الوقت.

أنصحك أيضًا بأن تتناول كوبًا من القهوة قبل الشروع في المذاكرة؛ حيث إن الكافيين يرفع من مستوى التركيز والاستيعاب، خاصة إذا تناوله الإنسان بكميات معتدلة، لا تتجاوز كوبين في اليوم، فهذا يكفي تمامًا.

هناك تمارين تُعرف بتمارين الاسترخاء، أعتقد أنها ستكون مفيدة لك، خاصة أنك تعاني -كما ذكرت- من الضيق والملل، ولممارسة هذه التمارين:

• اجلس على كرسي مريح في غرفة هادئة، أو اضطجع على السرير.
• أغمض عينيك وافتح فمك قليلًا.
• خذ نفسًا عميقًا وبطيئًا من الأنف، حتى تملأ صدرك بالهواء.
• قم بحبس الهواء في صدرك قدر 8 ثوانٍ، ثم أخرجه بقوة وبطء عن طريق الفم.
• كرّر أداء هذا التمرين خمس مرات متتالية، مرة في الصباح وأخرى في المساء، وذلك بشكل يومي لمدة ثلاثة أسابيع.
• بعد انتهاء هذه الفترة، اكتفِ بأدائه مرة واحدة يوميًا قبل النوم، يليها قراءة أذكار النوم، وبإذن الله ستجد أنك تنام نومًا هنيئًا، وستجد في الصباح أن مستوى تركيزك قد تحسّن كثيرًا.

إذًا بتغيير نمط حياتك، والإصرار على التفكير الإيجابي، وتطوير الذات، يمكنك أن تتجاوز هذه المرحلة، وأنت -بحمد الله- في سن مليئة بالطاقات، والمستقبل -بإذن الله- لك، فعش هذا بأمل ورجاء وتفاؤل، وواجه الحياة بقوة.

نشكر لك تواصلك معنا في استشارات إسلام ويب، وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً