الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أكثر الخُطّاب يتقدمون لأختي وقلّما يتقدم لي أحد، فماذا أفعل؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله

عمري 26 سنة، مهندسة، متوسطة الجمال، وملتزمة، منذ صغري أتمنى أن أكبر وأتزوج وأكوّن أسرة.

تقدم لي ثمانية خطاب، ولم يعجبني معظمهم، ولم أتزوج؛ لأني لم أعجبهم أيضًا، رغم أن أهاليهم يعجبون بي.

أتمنى من الله أن أتزوج عاجلًا غير آجل، ولقد قل عدد الخُطاب جدًا، وأكثرهم يتقدمون لأختي الصغرى فائقة الجمال! أعرف أنها أرزاق، لكن كلام الناس يجرحني كثيرًا!

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ راما حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

بارك الله فيك –أختي العزيزة– وأشكر لك حسن ظنك وتواصلك مع الموقع، سائلاً الله تعالى أن يفرّج همك، ويرزقك الصبر والرضا بالقدر، ويرزقك الزوج الصالح، والنجاح والسعادة في حياتك عامة.

وبخصوص رسالتك، والتي ولا شك تفهّمتُها وتعاطفتُ معها، وإن ممَّا يُسهم في دفع أسباب الهموم والقلق والأحزان استحضار الآتي:
- أن الحياة الدنيا قد طُبعت على الابتلاء، قال تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ} [البلد: 4]، وصح في الحديث: «مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلَا وَصَبٍ وَلَا هَمٍّ وَلَا حُزْنٍ وَلَا أَذًى وَلَا غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا إِلَّا كَفَّرَ اللهُ ‌بِهَا ‌مِنْ ‌خَطَايَاهُ».

ويقول الشاعر:
طُبِعَـتْ علـى كَـدَرٍ وأنـت تريـدهـا ... صـفواً مـن الأقـــذاءِ والأكــدارِ
ومـكـلِّـفُ الأيَّــامِ ضـدَّ طـباعـها ... متطـلِّـبٌ فــي الـماءِ جَـذوةَ نـارِ

- تنمية وتقوية جانب الإيمان وعظمة الله تعالى في قلوبنا، قال تعالى: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} [التغابن: 11]، والمعنى أنه بالإيمان بالله يقوى جانب الرضا والقناعة وسكون النفس واستقرارها، والشعور بالطمأنينة والسعادة وراحة البال.

- استحضار فضيلة وفريضة الصبر على البلاء، قال تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10]، والمعنى أن أجر الصابرين غير محدود ولا معدود بحال أبداً، وفي الحديث: «وَمَنْ يَتَصَبَّرْ ‌يُصَبِّرْهُ ‌اللهُ، ... وَلَنْ تُعْطَوْا عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ».

- استحضار فضيلة وفريضة الشكر للنعماء، وهي – ولا شك – نِعم كثيرة وغزيرة، {وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} [إبراهيم: 34]، {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى: 11]. تذكّري – عافاك الله – أنك على حظ طيّب ومقبول من الجمال والعمر، ونِعَم أخرى كثيرة والحمد لله، ولم يبتلك بألوان المِحَن العظيمة في المرض والفقر والجوع والخوف والظُلم، كما حصل لكثير غيرنا، سلمنا الله وعافانا أجمعين.

- استحضار عقيدة الإيمان بالقدر خيره وشرّه، حلوِه ومرّه من الله تعالى، والرضا بالقضاء، وفي الحديث: «واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك»، «رُفِعت الأقلام وجَفّت الصُحف»، وكما تعلمين فإن الزواج وكذا الجمال قسمة ونصيب، مثل الرزق والمال والصحة والعقل وغيرها.

- حسن الظن بالله تعالى وتعزيز الثقة بالنفس، كما صح عند مسلم: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف...)، وفي المقابل ضرورة الحذر من آفات اليأس والقنوط من رحمة الله (إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون) (ومن يقنط من رحمة ربّه إلا الضالون).

- تذكُّر أن كل محنة وفتنة في طيّها المنحة والنعمة (وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شرٌ لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون)، فما يدريك فلعل الخير في التأخير.

- ضرورة الإلحاح على الله تعالى بالدعاء، وصلاة الاستخارة، ولزوم الذكر، والصلاة، والطاعة، وقراءة القرآن؛ كون ذلك من أعظم ما يستجلب به عون وتوفيق الرحمن، ويُستدفع به الشرور والهموم والأحزان، ووساوس النفس الأمّارة بالسوء والهوى والشيطان، قال تعالى: (أمّن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء)، (ألا بذكر الله تطمئن القلوب)، (ومن يتقِ الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب).

- احذري – حفظك الله – من آفات المقارنة بالأخريات، وقد صح عنه صلى الله عليه وسلّم: (إذا نظر أحدكم إلى من فُضِّل عليه في المال والخَلق – أي الجمال – فلينظر إلى من هو أسفل منه، ولا ينظر إلى من هو فوقه؛ فإن ذلك جدير ألّا تزدروا نعمة الله عليكم) متفق عليه.

- الحذر من المبالغة في حمل الهم والحزن، أو المبالاة بنظرة الناس وكلامهم؛ حيث إن ذلك لا يقدّم ولا يؤخّر ولا يزيد ولا ينقص.

- ولمّا كان الشرع والعقل يتوافقان ولا يتعارضان، بل يسند بعضهما بعضاً، فمن المتقرر عقلاً أن المِنَح الإلهية والعطايا الربّانية أنواع، فمنها الجمال في العقل والدين والخُلق والصحة والمال وغيرها، كما أن الجمال نسبي؛ حيث تختلف نظرة الناس في تقويم الجمال كما هو واقعك، وتذكّري مزايا في جمال الشكل والصورة لديك قد حباك الله بها، وفي واقعنا أيضاً ما يشهد على تعلُّق أزواج كثيرين بزوجات قليلات الحظ من جمال الصورة؛ لتعلّقه بمزايا في الأدب والعفّة والحياء، وحس المرح والدعابة لدى الزوجة، وخفّة الروح، وكرم النفس، وهدوء الطبع، ومزايا في مهارات النظافة والطباخة والخدمة، أو بجمال القامة أو العقل أو الخلق أو الثقافة أو النسب والحسب، والمال والوظيفة.

وفي الحديث : (تنكح المرأة لأربع: لمالها وجمالها وحسبها ودينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك) متفق عليه.
والمعنى أن الصفات الأربع المذكورات مطلوبات ومرغوبات لدى الرجال، لكن المسلم العاقل من يقدّم صفة الدين عليها؛ حيث قال تعالى: (فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله) أي طائعات لله ولأزواجهن، وحافظات لأزواجهن في المال والسر والعِرض ونحوها. فاحرصي – حفظك الله – على التحلّي والتميّز بذلك طاعةً لله تعالى ورغبة في ثوابه وجنّته ومرضاته، وكم ابتُليَت نساء كثيرات جميلات في الصورة والشكل بالفشل في الزواج، والطلاق لعدم توفُّر الحظ الكافي من الجمال في الجوانب الأخرى، وعكسه عكسه، بل وكم من امرأة ثيّب أو عانس حَظيَت بالسعادة وراحة البال، ما لم تحظَ به نساء متزوجات حصل لهن بالزواج متاعب نفسية كثيرة.

"جمال الوجه مع قُبح النفوس ** كقنديلٍ على قبر المجوسِ".
"ليس الجمال بمئزرٍ ** فاعلم ولو حُلّيت بُردا
إن الجمال مآثرٌ ** ومناقبٌ أورثن حمداً".

- أوصيك – أختي الفاضلة – بالمحافظة والعناية بجمال دينك وخُلقك، وعفّتك وثقافتك وروحك أولاً، مع العناية بأنوثتك؛ فالمرأة برقّتها ودلالها وأنوثتها وحيائها، ومن الجميل أيضاً أن تعتني بزيادة جمال مظهرك، بأن تترددي في الأحيان على محلّات التجميل النسائية، وتتعلمي طرق التجميل وتعتني بنفسك.

- ومن المهم أن تشغلي نفسك بما يعود عليك بالفائدة في دينك ودنياك، حققي طموحك في مواصلة تعليمك والنجاح في مجالك، وتنمية ثقافتك وتوسيع مداركك، ومتابعة المحاضرات والبرامج المفيدة والنافعة.

- وأولاً وأخيراً: فلا أجمل وأفضل وأكمل من تذكيرك بما سبق، بضرورة اللجوء إلى الله تعالى والإلحاح عليه سبحانه بالدعاء (أمّن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء)، ولزوم الأذكار والصلاة والاستعانة بالله تعالى والتوكل عليه وتقواه (استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين)، (ومن يتقِ الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيءٍ قدراً).

أسأل الله تعالى أن يفرّج همك، ويكشف غمّك، ويشرح صدرك، وييسر أمرك، ويلهمك رشدك، ويرزقك الصبر والتوفيق والنجاح في حياتك عامة، والزوج الصالح، والحياة السعيدة والآمنة الكريمة والمطمئنة.

والله الموفق والمستعان.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً