الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أبي قاس ومتشدد جدا، فهل من الممكن أن يتغير؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

قبل أن أتطرق في الموضوع الأساسي أو إخباركم بالظروف القاسية التي عاشها أبي، جدتي كانت متسلطة على جدي وطاغية كبرى، فأبي أخذ تلك النظرة أي أن النساء مخادعات ولا يؤتمن عليهن، وفي ظل هذه الظروف كانوا إخوته أيضا سريعوا الانفعال، هذا كله عايشته وأنا صغيرة أنا وإخوتي؛ لأننا كنا نسكن في دار جدي وجدتي، فكان هذا المنزل لا يخلو إطلاقا من المشاكل، وهي ليست بالبسيطة بل أكثر من ذلك، وأقل ما يستخدم فيها الأسلحة البيضاء بالمختصر جوا مشحونا سلبا، هذا ما عايشته في فترة طفولتي بمرور بعض الأعوام من زواج أمي وأبي.

انتقلنا إلى منزل منفرد أي بعيدا عن بيت جدي وهنا بدأت قصة جديدة، أبي قلبه طيب ولكن ما مر به من مشاكل ولد له الحقد والكره في قلبه، فهو شديد الغضب ومتهور آسفة لقولي هذا، ولكنها حقيقة مؤلمة جدا، المهم عند انتقالنا للعيش وحدنا أنا وأمي وثلاث بنات أخوات وأخ عانينا في طفولتنا كثيرا من الضرب، والشتم والسب، وفعلنا أمورا في طفولتنا لا يعملها الرجال البالغون وهذا كله من طرف والدنا، وكذلك أمي كانت صابرة ومحتسبة، وتحملته بصفاته لعل الله يهديه.

الآن أنا في المرحلة الجامعية وكذلك أختاي، أما أخي وأختي الصغرى فهما في المرحلة الثانوية، كان في اعتقادي أن أبي سيصلح الله من حالة ويصلح من نفسه، ولكن هذا الأمر فاق كل توقعاتي أنا وكل أفراد عائلتي، لقد زاد طغيانه كثيرا، وأصبح يحقد على أمي لأتفه الأمور، فهي تعمل معه يدًا بيد كالرجل وأكثر.

أخي الآن عمره 17 سنة، يجعله يعمل أعمالا ليست بحجم سنه والله قلبي يتقطع عليه، نعم ظروفنا قاهرة والحمد لله، ولكن أبي يقتلك في اليوم مليار قتلة بسبب كلماته القاسية هذا ما يعانيه كل من أخي وأمي يوميا ونحن أيضا، لسانه أقسى من يده، وبالرغم من أننا في الجامعة لكنه ما زال يضربنا.

ما أردت قوله أنني أرى أمي تذوب كالشمع أمام عيني وأخي أيضا، وأنا لا أستطيع فعل شيء لأنه والدي، ولكن أيعقل هذا، أحس أنني أعيش كمذلولة.

أبي يتمنى لنا الصلاح لا أكذب عليكم في ذلك، فهو طيب ولكنه لا يعرف كيف يوصل حبه وكيف ينصح، الضرب عنده بمكانة النصح.

سؤالي: إذا كان أبي يضرب أمي أمامنا ويصرخ عليها فهل من حقي التدخل والدفاع عنها؟ لأنني حاولت ذلك وحدث مالا يحدث عقباه.

ونتيجة للضغوطات اتجه أخي للتدخين ثم لإدمان المخدرات ولا ألومه في ذلك، لأن كل ذلك بسبب الضغوطات التي تعرض لها فهي ليست هينة وخاصة أنه في سن المراهقة.

صدقوني أبي لن يغير من عقليته، فطريقة نصحه استراتيجية، ويعبر عن طريقته في التربية بالكلام الجارح والضرب والصراخ، فقط أريد حلا لهذا لقد تعبت والله.

جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ م. د حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -ابنتنا الفاضلة- في موقعك، أسأل الله أن يلهمك السداد والرشاد، وأن يُصلح الأحوال، وأن يهدي والدك، وأن يردَّ شقيقك إلى الصواب، وأن يُعين الوالد على الصبر، وأن يُصلح الأحوال، وأن يحقق لنا ولكم السعادة والآمال.

لا شك أن الظروف القاسية التي مرَّبها الأب في بيت الجد تركت آثار عليه، ولكن نحن دائمًا الإنسان إذا كانت عليه آثار سالبة ألَّا يُطبِّق وعُيد تكرار نفس الأسلوب في أبنائه أو أبناء أبنائه، كما يحدث عند بعض الناس، ونحمد الله تبارك وتعالى الذي وفقكم حتى وصلتم الجامعة وبدأتم تتفهمون مثل هذه الأمور، ونحن ننتظر من المتعلمين والمتعلِّمات الذين وصلوا لمستويات عالية أن يكون لهم دور في النصح ودور في تفهم ما يحدث.

إذا كانت الظروف قاهرة فمن حق الوالد أن يطلب المساعدة، لكن ليس من حقه أن يُسيء أو يُجرّح ويضرّ، وأيضًا أنت نشكر لك الاعتراف بأنه طيب، فاختاري الأوقات المناسبة التي ليس فيها شِجار، وعبّري عن والدك عن اهتمامكم به، وعن تقديركم لما يمرُّ به، والصعوبات التي يُعانيها، وإذا خلوتِ بالوالدة أيضًا صبّريها وشجّعيها على تفادي ما يجلب الشِّجار. إذا كان الوالد بهذه الطريقة، سريع الضرب، سريع العدوان على الآخرين فأحسن طريق هو أن نتفادى الأمور التي تُغضبه، نتفادى الأمور التي تعكّر صفوه، وبالتالي سنفوز بقليل من الهدوء، وستتحسَّن الأوضاع.

وأمَّا بالنسبة للأخ الذي يريد أن يذهب ويتناول التدخين والمخدرات: هذا ليس عذرًا، بل هذا هو الدخول إلى الفعل في المحرمات والمشكلات الفعلية، أرجو أن تأخذي بيده وتمنعي سقوطه، وهذا دور كبير، فأنت الكُبرى – كما فهمنا من الاستشارة بالنسبة له أو تكبيره سِنًّا – فتعاوني مع أختك ومع الأسرة ومع الوالدة في ردِّه عن هذا الطريق، هذا النفق المظلم.

مهما كانت المعاناة والصعوبات التي يُواجهها فإن الإنسان يفهم والده، وقد يكون الوالد قاسيًا، لكن يظلُّ والدًا، له الحقوق، ونحتمل منه، والبشارة من الله تبارك وتعالى لمن صبر على أذى والديه وقام بما عليه في قول الله: {ربكم أعلم بما في نفوسكم إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفورًا}، فالإنسان إذًا ينبغي أن يحتمل من الوالد، يصبر عليه، لأنه يظلُّ والدًا، ويجتهد في أن يقوم بما عليه، وأحسن طريق لإصلاح الوالد وإصلاح الأسرة هو الإقبال على طاعة الله، وليس الذهاب إلى عالم المخدرات، ليس هذا مبرَّرًا، المؤمن لمَّا تأتيه الضغوط يلجأ إلى الله، والإنسان الغافل لمَّا تأته الضغوط يذهب به الشيطان إلى المخدرات وإلى المشكلات الفعلية، لكن المؤمن يرضى بقضاء الله وقدره.

نحن نقدّر صعوبة ما يحصل، ونشكر لك هذا الوعي الذي دفعك للسؤال، وأرجو أن تتوجّهوا إلى الله أولاً، ثم تتعاونوا على طاعة الله، ثم توفروا الدعم المعنوي والتشجيع للوالدة، ونحن نشكرها على صبرها وتضحياتها ولكن ينبغي أن تتفادى ما يُغضب الوالد، وتتفادى ما يجعل الوالد يضربها أمامكم، ثم ذكرتِ أن الوالد طيب، فادخلي له من هذا المدخل، وحاولي أن تُشعريه بأهميته، وأنه تعب، وأنه كذا، وتُبيِّني له خطورة ما يحصل من المشاجرات عليكم كبنات وأبناء داخل هذه الأسرة، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يُصلح لنا ولكم النية والذرية، ونسأله تبارك وتعالى أن يتقبّل مِنَّا ومنكم الصيام والقيام، وأن يُعيننا على طاعته، لأن الطاعة واللجوء إلى الله تبارك وتعالى هي أقصر طرق الإصلاح والتصويب في حياتنا الأسرية وفي حياتنا الخاصة.

والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً