الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

يوسوس لي الشيطان حول اختلافات أهل الفتاوى..هل من نصيحة؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

في الحقيقة لا أعرف من أين أبدأ سِوى أنّ أول سؤال سأطرحه هو: هل هناك نهي للنفس عن فعل شيء له مضارّ على صحة الإنسان؟ يعني عند كبت النفس عن فعل شيء تُريده، هل سيعود بالضرر على الجسم أم لا؟ قد يكون هذا باباً من أبواب الشيطان والوسوسة التي يجبُ أن أُواصل علاجها بالرقية الشرعية، هل هذا الاختيار الذي أصبح عندي سببه مرض؟

يُوسوس لي الشيطان حول الاختلافات الحاصلة مثلاً بين أهل الفتاوى، وعلاقة ذلك بالسعي نحو كسب المال الحلال، مثلاً يقول بعض العلماء بأنه لا يجوز بيع الهواتف الجوالة لمن غلب على الظن أنه سيستعملها في الحرام، ويقولون لا يجوز الجلوس في المقاهي والذهاب إلى الشواطئ، ولا يجوز الجلوس في مطعم فيه موسيقى؛ لأن الذهاب إلى الحرام يكون حراماً، وغير ذلك، وكُلّ ذلك يُشعرني بالقلق طوال الوقت.

هذه الأفكار تتنحى عني عندما أخرج للترفيه عن نفسي مثلاً في مقهى، أو في مطعم مع أحد الأشخاص، لكن عند جلوسي ومع حُبّي لزيادة معرفة الدين وتطبيقه أصبحتُ غير مُرتاح وأنا جالس في مقهى، مثلاً: فكيف هم النّاس المتدينون مع ذواتهم وفي حياتهم؟

لا أعرف هل كُلّ شيء يجب السؤال عن حُكمه في الإسلام، أم ذلك فيه مبالغة؟ لأنني أخشى أن آكل مالاً حرامًا يوماً ما، وعندما أجِد في حياتي الرّخاء لا أُفكّر في عديد الأمور، يعني قد أسلك مسلكاً ينتهي بي لأكل الحرام وأنا لا أعلم، فهل هنالك قاعدة أو طريق أبني عليه أهدافي؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ حمزة حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -ولدنا الحبيب- في استشارات إسلام ويب مجددًا.

نسأل الله تعالى لك التوفيق والتسديد، ونشكر لك حرصك على تعلُّم دينك ومعرفة الأحكام الشرعية قبل الإقدام على العمل، وهذا من توفيق الله تعالى لك، فـ (طلب العلم فريضة)، هكذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم-، والله تعالى أمر مَن لم يعلم بالرجوع إلى أهل العلم، فقال: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون}، والرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: (ألا سألوا إذا لم يعلموا، فإنما شفاء العيِّ السؤال) يعني: دواء الجهل هو السؤال والتعلُّم.

وكل تصرفات الإنسان لا بد من وجود حكم الله تعالى فيها، إمَّا بدلالة القرآن، أو السنّة، أو القياس على أحدهما، أو غير ذلك من الأدلة المعتبرة عند العلماء، فكلُّ تصرُّفٍ لابد أن تعرف حكمه قبل أن تفعله.

وأمَّا عندما يختلف العلماء بين مَن يقول بالجواز، ومَن يقول بالمنع؛ فإنك لست مكلَّفًا بأن تتبع واحدًا بعينه من الناس، ويكفيك أن تستفتي، وتسأل مَن تثق بعلمه، فمن تثق بأنه يُحدِّثُك عن علمٍ، ويُفتيك عن بصيرة، فيجوزُ لك أن تعمل بقوله، سواء كان قائلاً بالقول الأسهل، أو القول الأشد، وهذه القاعدة تأتي على كثير من المسائل والجزئيات التي ذكرتَها في سؤالك.

ولا يُطالب الإنسان المسلم بأن يُعطّل مصالحه الدنيوية لوجود منكرات في طريقه إلى هذه المصالح، أو حيث توجد هذه المصالح، إنما عليه أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر في حدود طاقته، كما قال الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم-: (من رأى منكم منكرًا فليُغيّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)، والتغيير باليد مختص بأهل القوة، والقوة غالبًا ما تكون للسلطات التي لها الحكم على الناس.

وأمَّا التغيير باللسان: هذا أيضًا يحتاج إلى علم وبصيرة لمن يُغيّر هذه المنكرات، وأمَّا التغيير بالقلب، فمعناه كراهة المنكر بالقلب، وكراهة مَن يفعله بقدر فعله لذلك المنكر، وهذا أمرٌ يتيسّر لكل أحدٍ أن يفعله، ولذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وذلك أضعف الإيمان).

إذا علمت هذا - أيها الحبيب - علمتَ أنه لا داعي للقلق الذي تشعر به طوال الوقت، وإن كان الإنسان المؤمن يتأذّى بلا شك حينما يرى المنكرات، ويتألّم قلبُه من أجلها، ولكن عليه أن يفعل ما كلَّفه الله تعالى به، والناس يتولى ربُّهم بعد ذلك جزاءهم وموافاتهم بأعمالهم، وقد قال الله سبحانه وتعالى: {ولا تزرُ وازرةٌ وزْرَ أخرى}.

نسأل الله تعالى أن يوفقك لكل خير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً