الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أبي يظلمني في التعامل، فما جزائي إن صبرت عليه؟

السؤال

السلام عليكم.

هل سأعوض في الجنة بأبٍ آخر، عِوضًا عن أبي سيء المعاملة في الدنيا؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ هيام حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فأهلاً بك -أختنا الكريمة- في موقعك إسلام ويب، وإنا نسأل الله الكريم أن يبارك فيك وأن يحفظك، وأن يصلح حال والدك، وأن يرزقك فوق ما طلبت لنفسك.

وبخصوص سؤالك -أختنا- فاعلمي -بارك الله فيك- ما يلي:

أولًا؛ الجنة فيها فوق ما تشتهينه وتطلبينه وتأملينة فقد قال تعالى:" وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ". {الزخرف:71}، قال الطبري: لكم في الجنة ما تشتهي نفوسكم أيها المؤمنون، وتلذّ أعينكم: وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ـ يقول: وأنتم فيها ماكثون، لا تخرجون منها أبدا.
عن ابن سابط: أن رجلاً قال: يا رسول الله إني أُحِبُّ الخَيْلَ، فهل في الجنة خيل؟ فقال: إنْ يُدْخِلْكَ الجَنَّةَ إنْ شاءَ، فَلا تَشاءُ أنْ تَرْكَبَ فَرَسًا مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ تَطيرُ بِكَ فِي أيّ الجَنَّة شِئْتَ إلا فَعَلَتْ ـ فقال أعرابيّ: يا رسول الله إني أحبّ الإبلَ، فهل في الجنة إبل؟ فقال: يا أعرابيّ إنْ يُدْخِلْكَ اللهُ الجَنَّةَ إنْ شاءَ اللهُ، فَفِيها ما اشْتَهَتْ نَفْسُكَ، وَلَذَّتْ عَيْنَاك". رواه أحمد والترمذي.

وعليه فإن كان المقصد من السؤال أن تتبدل أخلاق الوالد، وأن تكون فوق ما تريدين من خير، فاطمئني وأبشري. فوالدك في الدنيا هو والدك في الجنة، ولكنها جنة لا كدر فيها ولا حزن.

ونحن -أختنا- نريد تجاوز ذلك لنسألك:
1- لماذا لم تحدثينا عن طريقة معاملة والدك لك؟ لنحكم نحن عليها ونضعها في إطارها المناسب من غير تهويل ولا تهوين!
2- لماذا لم تسألينا عن كيفية التعامل الصحيح مع والدك، حتى لو كان كما ذكرت من وصف؟!
3- لماذا لم تسألينا هل العبد مطالب ببر الآباء حتى لو أساؤوا إلى أولادهم؟!
4- ما هي درجات البر الواجبة في مثل هذه الحالة، وهل بعد ما دونها عقوقاً؟!

أختنا الكريمة: لماذا نحن نطرح عليك هذه الأسئلة؟! دعينا نجيب على هذا السؤال الذي يخصنا على أمل أن تراسلينا برسالة فيها تفصيل ما ذكرنا: أما جوابنا فاعلمي -بارك الله فيك- ما يلي:

1- يعمد الشيطان إلى زرع بذور الشقاق بين الأبناء ووالديهم لمآرب له خبيثة، ليس أقلها أن تكون الفتاة المبتورة عن أهلها عرضة لأي كاذب يضحك عليها بمعسول الكلام، فيضمن الشيطان بذلك ضياع دنياها.

2- هناك بعض المعايير التي يرسخها بعض الأبناء قد يكون خطأ، أو قد تكون مبالغًا فيه، فيظلمون الآباء، أو يضخمون أخطاء الآباء لذات الغرض السابق.

3- هذا لا يعني أننا نبرئ الآباء من الأخطاء، فكثير منهم كذلك، ولكنا نريد توصيف الحدث على ما هو عليه بدون تضخيم من الشيطان، وكيف يمكن التعامل الصحيح معه، بما لا يفسد قلبك أو علاقتك بربك.

4- نضيف إلى ما مر نقطة هامة، نرجو أن تكون راسخة عندك: الأب مهما كان سيئاً، إلا أن عاطفته الفطرية تجاه ابنته سيظل قائماً، فحبه لك فطرة، وحرصه عليك طبع مجبول عليه، وإذا كان المطلوب من المسلم الصبر على أذى غيره، ومقابلة سوء أعماله بالإحسان إليه، كما قال الله تعالى: (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ* وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ). {فصلت:34-36}. فقد بين القرآن أن من كان هذا سلوكه مع من أساء إليه، فقد فاز بالحظ العظيم، فكيف إذا كان هذا الصبر متوجهًا إلي أبيك.

فاصبري -أختنا- على الأذى، واعلمي أن هذا هو الطريق للجنة التي تأملينها، مع الدعاء له بالهداية والصلاح، وأخذ ما مر من تنبيهات مأخذ الجد.

وأخيراً: نرجو منك قراءة الأسئلة السابقة، ومن ثم الإجابة عليها، ودعينا نشاركك همك، ومن ثم نجتهد في نصحك، والله يرعاك ويوفقك ويصلحك ويبارك في عمرك، إنه جواد كريم، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً