الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف أتصرف إذا أساء بعض قرابتي في تعامله معي؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله

أبي وأمي يحنون على إخوتي أكثر مني، لأنهم دائمو الشكوى، ويشعرون أهلي أن حياتهم صعبة، وأنا لا أفعل ذلك، وتفاصيل مشاكلي لا أحكيها لهم، مما أدى إلى أنهم يضغطون علي؛ مما تسبب لي في مشاكل نفسية، وأحياناً صحية.

لذا افتعلت أني سأقوم بالكشف على القلب لمروري بتعب، وهذا حدث بالفعل، لكني لم أقم بالكشف، وذلك بغرض أن يخففوا الضغط عني، ويشعروا بأن ما يفعلونه قد آذاني، فهل علي إثم في ذلك؟

شكراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ طارق حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلاً بك -أخي المبارك- في موقعك إسلام ويب، وإنا نسأل الله العظيم أن يبارك فيك، وأن يحفظك، وأن يصرف عنك شر كل ذي شر، إنه جواد كريم.

الأخ الكريم: بغض النظر عن أن أكثر الأبناء يضخمون عطية الأب لإخوانه، في الوقت الذي لا يبصرون عطاياه لهم بصورة منصفة، وبغض النظر كذلك عن ادعاء البعض -بل توهمهم- أن عاطفة الوالدين ساذجة لا تفرق بين الصحيح والدعي، وأن أحد الأبناء يمكنه بالبكاء أن يضحك عليهم، وآخر يمكنه بالشكوى أن يأخذ منهم ما لا يحق له، والثالث لأنه لا يتكلم لن يحظى بحقه! بغض النظر عن هذا كله، ننحن لن نناقشك فيه، وسنتجاوز هذه المسلمات، ونسلم لك -تنزلاً- بأن ما ورد في رسالتك هو على الحقيقة، بلا تضخيم ولا مبالغة، وأن إخوانك لكثرة الشكاوى يكون الضغط عليك أنت، لذا قمت -أخي- بادعاء المرض! ثم نسألك بعد ذلك: هل تعلم خطورة هذا الادعاء؟

هل تعلم أن هذا من التمارض الذي قد يبتلي الله صاحبه به؟! نسأل الله لنا ولك المعافاة.

التمارض -يا طارق- أي ادعاء المرض لعلة ما، وهذا من الكذب على الناس، بل عده بعض أهل العلم من النفاق العملي الظاهر، وقد حرمه العلماء، وبينوا أنه لا يجوز للمسلم أن يتظاهر بأمر مخالف للحقيقة.

ثم إنه قد أثر عن بعض الصحابة قولهم: (البلاءُ موكَّلٌ بالمنطق) فقد روى ابن أبي شيبة في المصنف عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (الْبَلاَءُ مُوَكَّلٌ بِالْقَوْلِ) وصحح إسناده الألباني.
وهذا معناه أن الادعاء قد يورث المرض، وإن كان صاحبه سليماً، ويشهد لذلك ما صح عن ‌ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على أعرابي يعوده، فقال: (لا بأس عليك، طهور إن شاء الله) قال الأعرابي: طهور؟ بل هي حمى تفور، على شيخ كبير، تزيره القبور، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (فنعم إذاً) وهلك الأعرابي بهذا الادعاء.

قال أبو الخير الهاشمي: (البلاء موكّل بالمنطق أي ربّما نطق الإنسان بما يكون فيه بلاء)، وقال الزمخشري: (يضْرب فِي كلمة، يتَكَلَّم بهَا الرجل، فَتكون باعثة للبلاء)، وقد أنشد القَاضِي بن بهْلول في ذلك فقال:

لَا تمزحن بِمَا كرهت فَرُبمَا * ضرب المزاح عَلَيْك بالتحقيق

وَقَالَ غَيره:
لَا ‌تنطقن ‌بِمَا ‌كرهت ‌فَرُبمَا * نطق اللِّسَان بحادث فَيكون

وَقَالَ آخر:
احفظ لسَانك أَن تَقول فتبتلى * إِن الْبلَاء مُوكل بالْمَنْطق

احذر -أخي- أن تستفتح على نفسك بشر، أو تقول كلمة عارضة فتكون سبب هلاك، فقد كان أهل العلم يحذرون من ذلك، روى ابن أبي الدنيا عن إبراهيم النخعي أنه قال: (إِنِّي لأَجِدُ نَفْسِي تُحَدِّثُنِي بِالشَّيْءِ، فَمَا يَمْنَعُنِي أَنْ أَتَكَلَّمَ بِهِ؛ إِلاَّ مَخَافَةَ أَنِ أُبْتَلَى بِهِ).

عليه فإننا ننصحك بما يلي:
1- الاستغفار مما كان، والتوبة منه، والعزم على عدم العودة.
2-الاجتهاد في مساعدة أهلك قدر الاستطاعة، مع احتساب الأجر عند الله، واعلم أن كل ما يختصك به أهلك مما هو ثقيل عليك اليوم، ستجد بركته في أولادك، وفي دنياك بركة، وفي آخرتك رفعة.
3- إن عجزت عن أمر فقل برفق ولين لا أقدر، دون أي ادعاء، أخي الكريم.

نسأل الله أن يحفظك من كل مكروه، وأن يسترك في الدنيا والآخرة، وأن يرزقك بر والديك، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً