الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تقدمت لفتاة تخلى عنها خطيبها لكنه رجع إليها، ما النصيحة؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

تعرفت على زميلتي في العمل، وكانت على علاقة بشخص لمدة 4 سنوات، وتقدم لخطبتها وتمت الأمور على خير، ولكن بعد فترة قصيرة استفزها بالكلام، حيث وعدها بشيء ثم تراجع عنه بعد الخطوبة؛ مما دفعها إلى فسخها.

أنا كنت صديقها وشاهدت حالتها النفسية المتدهورة، حيث أصبحت تعاني من الضيق، وتبكي كثيرًا، وكنت سندها بعد الله، وازدادت علاقتنا بعد سنة، واعدتها بالزواج عندما أعمل وأجمع المال، وأني سأذهب لطلبها من أهلها.

نصحتها بالحجاب والقرب من الله، فأنا أطبق معها سنة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، وهي وافقت، والأمور جيدة -الحمد لله-، وبعد سنة عاد خطيبها السابق، وأظهر ندمه على ما فات، وأنه كان يعاني من بعض المشاكل حينها، وبدأ بالبكاء أمامها، وأحضر أهله لطلب السماح منها، وأنه مستعد لعمل كل ما تريده لتعود له، والفتاة أخبرتني بأنها أصبحت لا تحمل له أي مشاعر.

أفيدوني أرجوكم، فلو عادت له وكان من نصيبها سأحزن كثيرًا لأني أحبها، فما النصيحة؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ سائل حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -أخانا الفاضل- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام والحرص على السؤال، ونسأل الله أن يهدينا جميعًا لأحسن الأخلاق والأعمال، فإنه لا يهدي لأحسنها إلَّا هو.

لا شك أن الذي يخطب فتاة ويتعلق بها، ثم يتنكّر لها ويُسيء إليها يقع في خطأ كبير، والإنسان ما ينبغي أن يفعل مع بنات الناس ما لا يرضاه لنفسه، وما لا يرضاه لأخته، ولا لخالته، ولا لعمّته، ولا لبنته، فأعراض الناس ليست لعبة، وكما تدين تُدان، والعبث بالمشاعر عواقبه وخيمة، ونسأل الله أن يُعين شبابنا على فهم هذا الأمر، وحتى لا يُلحقوا الضرر بغيرهم؛ لأن هذا لونٌ من الظلم، والظلم ظلمات يوم القيامة، والله تعالى قد يُعاقب بالنية السيئة قبل وقوع الفعل، ولنا في قصة أصحاب الجنة عبرة؛ إذ أقسموا ألا يدخلنّها مسكين، فأصبحت كالصريم.

وعليه: نحن ننصحك الآن أمام هذا الموقف -بعد هذه المقدمة- بضرورة أن تتوقّف في هذه العلاقة، لتكون أولًا في إطارها الشرعي؛ لأن الإنسان يرفض أي علاقة في الخفاء، وأنت -ولله الحمد- عرفت الفتاة، وعرفت ما فيها، وأردت أن تُساندها، لكن كل ذلك ينبغي أن يكون وفق المداخل الشرعية.

والمدخل الشرعي للوصول إلى تأسيس أسرة يكون عبر المجيء للبيوت من أبوابها، والذي فهمناه من تواصلك معها ووعدك لها أنه لم يكن بعلم أهلك أو بعلم أهلها، وحتى لو كان كذلك فإن هذه العلاقة غير رسمية، إلى الآن لا توجد علاقة رسمية، لأنك إذا خطبتها لا يجوز لأي إنسان أن يخطب على خطبة أخيه، لكن طالما كان مجرد كلام ورجع الشاب الأول وهو نادم يبكي يُريد أن يُعيد الأمور إلى وضعها الصحيح؛ فإن الإنصاف يقتضي أن نترك للفتاة رأيها وقرارها، ونترك لها الفرصة، فإذا أرادت أن تختار حياتها الأولى وتمضي فذلك لها، وإن أرادت أن ترفض وتستأنف حياة جديدة فذلك لها.

المرفوض الذي لا نريده هو تدخُّلك معها، الذي لا نريده الاستمرار في التواصل العاطفي معها؛ لأن هذا التواصل ليس له غطاء شرعي، لا يجوز لك ولا لغيرك أن يتوسّع في الكلام مع الفتاة، دون أن يكون هناك رابط شرعيّ، لا مانع أن يقال: (أريد أن أتزوجك)، لكن بعد ذلك ينبغي أن يطرق باب أهلها، ويُخبر أهلها وأهله، حتى يتأكد أن الأمر في الإمكان.

ونحن نقدّر ما قد يكون قد امتلأ في نفسك من مشاعر ودّ تجاهها، ولكن نحب أن نقول: الأخطر والأصعب هو أن يستمر الإنسان في حياةٍ لا يعرف لها نهايات، ويجري وراء السراب، أو يدخل في علاقة قد تُرفض من طرف الفتاة، أو من طرف أهل الشاب.

وعليه أرجو أن يكون هناك توقف ونُصح للفتاة، من أنك -إن شاء الله- عندما تتهيأ لن تفضّل غيرها عليها، ولكن لا تُريد أيضًا أن تقف في طريقها إذا أرادت أن تختار حياتها، ثم بعد ذلك تجتهد في أن تكون العلاقة بينكما وفق أحكام هذا الشرع الذي يمنع الخلوة، ويمنع الحديث العاطفي، إلَّا أن يكون له غطاء شرعيّ، وحتى الخطبة لا تُبيح التوسُّع في الكلام العاطفي، فالخطبة ما هي إلَّا وعدٌ بالزواج، لا تُبيح للخاطب الخلوة بمخطوبته، ولا الخروج بها، ولا التوسُّع معها في الكلام العاطفي، و-الذي فهمناه- أنه حتى مسألة الخطبة لم تحصل، إنما مجرد كلام، مجرد وعد.

ولذلك أرجو أن تترك الأمور تمضي في طريقها، والفتاة هي صاحبة القرار، عليها أن تستخير، وتستشير محارمها، ثم بعد ذلك تفعل ما فيه مصلحة لها، ونسأل الله أن يُقدّر لك ولها وله الخير، ثم يُرضيكم بما قدّره الله؛ لأن هذه من نعم الله علينا، من نعم الله تعالى أن يُقدّر للإنسان ما فيه خير له، ثم يُرضيه به، ونسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً