الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

فكرة أنني سأفقد عقلي تلازمني منذ أشهر..كيف أتخلص منها؟!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أولًا: شكرًا لكم على كل ما تقدمونه لنا من نصائح، وشكراً خاصاً للدكتور/ محمد عبد العليم، إجاباتك تثلج الصدر، وتشفي النفس.

باختصار شديد، مشكلتي أن فكرة أنني سأفقد عقلي تلازمني منذ ٦ أشهر، أفكر بالأمر كل دقيقة، تجدني أحاول أن أقنع نفسي أنني شخص عاقل، وهذا ما يدخلني في دوامة من التوهان، أحيانًا أشعر بأني أقرب إلى الجنون، لماذا لا تذهب هذه الفكرة من رأسي؟

أشعر أنني لا أستوعب دائمًا، أقارن إحساسي بين الحاضر وقبل المرض، سيلان من الأفكار والأحاسيس غير المنطقية، هذه الفكرة تصيبني بالخوف من مستقبلي، أخاف أن أفقد بصيرتي، ليس لدي أي أعراض مرض النفسي سوى مراقبة التفكير خوفًا من فقدان العقل، كيف أنزع هذا التفكير؟ رغم أنني أقوم بكل واجباتي اليومية، أعمل، أسافر، أمارس الرياضة، ولكن الفكرة تلازمني طوال اليوم، كيف أتأكد أنني بصحة عقلية جيدة ولن أصاب بشيء في عقلي؟ هل هذا وسواس أم نوبة هلع؟ مع العلم أن الأمر بدأ منذ أن رأيت خبر وفاة أحدهم بسكتة قلبية.

ليس لدي أي خوف من الموت، أو خوف من الأمراض، خوفي الوحيد هو فقدان عقلي، لقد تعبت من مراقبة عقلي طوال الوقت! هذه المراقبة بحد ذاتها تشعرني أنني على وشك الجنون؛ لأنها شيء غير منطقي، أحس أنني بنصف عقل، أريد أن أتوقف عن محاولة إقناع نفسي أنني بخير، أحيانًا أشعر أنني نسيت كيفية التفكير.

شكرًا، وبارك الله فيكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ mohamed حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

لا شك أن هذه فكرة وسواسية، وقطعًا الوساوس دائمًا تكون أحياناً سخيفة ومتسلطة، وطبعًا الوساوس مكتسبة وليست أمرًا فطريًا، ربما -يا أخي- تكون قرأت شيئًا عن الأمراض العقلية، أو قابلت شخصًا مختلاً عقليًا، أو مريضاً، أو سمعت بأي موضوع للاضطرابات العقلية، وليس من الضروري -يا أخي- أن يتذكر الإنسان الحادث المعين الذي أدى إلى ظهور الوساوس عنده في فترة لاحقة؛ حيث إن الأمر يمكن أن يكون أمرًا بسيطًا في لحظته، لكن يخزن على مستوى العقل الباطني، ويصبح فكرة شديدة وملازمة ومطبقة.

ويا أخي الكريم: الذي يظهر لي أيضًا أن مستوى القلق لديك مرتفع أصلاً، ربما يكون هذا أمرًا ملازمًا للبناء النفسي لشخصيتك، وهذا طبعًا -يا أخي- ليس عيبًا أبداً، على العكس، القلق كثيرًا ما يكون مفيدًا للإنسان إذا وجهه التوجيه الصحيح؛ لأن القلق طاقة إيجابية، إلا أنها إذا فاضت عن الحد، أو أننا لم نستغله، أو لم نوظفه على الوجه المطلوب، في هذه الحالة يتحول القلق إلى خوف، إلى توتر، إلى طاقة نفسية سلبية.

وأنت مثلًا كانت إثارة نوبة الوسواس لديك بعد أن سمعت خبر وفاة أحد الأشخاص بسكتة قلبية، فهذا حدث كبير قطعاً، وبما أنك أصلاً قابل للقلق والخوف، والخوف -يا أخي- ليس دليلًا على الجبن أو ضعف الشخصية، الخوف يكون مكتسباً، ويكون لشيء معين جداً، فالإنسان يمكن أن يكون مروضًا للأسود، ولكنه يخاف من القط، فإذًا أنت لديك الاستعداد لتلك القابلية لسرعة التأثر وللاستجابات السلبية، و-يا أخي الكريم- هذا ليس عيبًا أبدًا، وليس ضعفًا في تكوينك.

طبعاً وساوس الخوف من الاضطراب العقلي أو من الجنون، يتم علاجه عن طريق الأدوية؛ لأن الأدوية المضادة للوساوس ذات فاعلية معينة، وفائدة كبيرة جداً في إضعاف مثل هذا الوسواس، وطبعاً الأدوية تعمل من خلال الموصلات الدماغية الهرمونية المركزية، أو ما يسمى بالموصلات العصبية، ومن أهمها مادة السيرتونين، والنورادرينالين، والدوبامين، ويقال إن الوسواس هو عدم توازن في إفراز السيرتونين، ولذا وجد أن الأدوية التي تعمل من خلال منع استرجاع السيرتونين تفيد كثيراً في علاج الوساوس، وبجانب العلاج الدوائي طبعاً هنالك العلاجات الأخرى، العلاجات السلوكية الاجتماعية، والعلاج السلوكي يقوم على مبدأ أن أتدارس الوسواس، لكن لا أتعمق فيه، لا أحلله، وبعد ذلك تبدأ في تحقيره، تحقر الفكرة.

التمرين الثاني: أن تصرف انتباهك عنها، من خلال الإتيان بفكرة أخرى مخالفة، فكرة جميلة، فكرة طيبة في أي شيء من شؤون حياتك، وتركز على هذه الفكرة، وتدريجيًا سوف تجد أن الفكرة الوسواسية قد تقلصت.

والتمرين الثالث: ما نسميه بالتنفير، تنفر الفكرة الوسواسية من خلال أن تربطها بشعور أو تفاعل ليس مقبولاً لنفس الإنسان، ومن التمارين البسيطة جداً هو أن تجلس أمام الطاولة مثلًا في البيت في مكان هادئ داخل الغرفة، وتقوم بالضرب بيدك على سطح الطاولة، لتحس بالألم، ألم شديد، وتربط هذا الألم في نفس اللحظة بالفكرة الوسواسية، أو يمكنك أن تطبق هذا التمرين أيضًا من خلال أن تضع الرباط المطاطي الذي تربط به الأوراق المالية، تضعه على رسغك، ويجب أن يكون من النوع القوي، من النوع السميك، وقم بجذبه بشدة ثم أطلقه، قطعاً سوف تحس بألم، واربط هذا الألم مع الفكرة الوسواسية، أرى بعض الإخوة يضعون هذا الرباط في أيديهم، ومتى ما وجدوا فرصة لتطبيق التمرين يطبقونه، أيضاً هذا من التمارين الجميلة جداً.

إذاً التمرين الأول هو: تحقير الفكرة الوسواسية وتجاهلها، والتمرين الثاني هو: صرف الانتباه من خلال الإتيان بفكرة مخالفة -فكرة جميلة-. والتمرين الثالث هو: التنفير.

أخي الكريم: أيضًا من المهم جدًا أن تدعو، الدعاء مهم جدًا، أذكار الصباح والمساء على وجه الخصوص، وأذكار النوم، أذكار اليقظة، هذه حقيقة تشعر الإنسان بطمأنينة كبيرة، نسأل الله تعالى أن يحفظك، وأن يعافيك، وأن لا تصاب بهذه الأسقام، -أخي الكريم- هذا في حد ذاته يجعل الإنسان أكثر طمأنينة، وحسن إدارة الوقت، والتخلص من الفراغ أيضاً ذو فائدة علاجية كبيرة جداً.

إذا استطعت أن تذهب إلى طبيب نفسي -أخي الكريم-، وقطعاً لديك زملاء فلا بأس في ذلك، وإن لم تستطع سأصف لك أحد الأدوية الممتازة جداً، الدواء يسمى السيرترالين، واسمه التجاري زوالفت، أو لسترال، أو ربما تجده في بلادكم تحت مسمى تجاري آخر، تبدأ في تناول السيرترالين بجرعة نصف حبة، أي 25 ملغ يومياً لمدة 10 أيام، بعد ذلك اجعلها حبة واحدة، أي 50 ملغ يومياً لمدة أسبوعين، ثم اجعلها 100 ملغ يومياً، وهذه جرعة وسطية مناسبة في حالتك، علماً بأن الجرعة الكلية هي 200 ملغ في اليوم، لكن لا أعتقد أنك سوف تحتاج إليها، استمر على جرعة 100 ملغ هذه لمدة ثلاثة أشهر، ثم اجعلها 50 ملغ يومياً لمدة ثلاثة أشهر أخرى، ثم 25 ملغ يومياً لمدة أسبوعين، ثم 25 ملغ يوماً بعد يوم لمدة أسبوعين، ثم توقف عن تناول الدواء تماماً.

أخي الكريم: هذه هي الطرق التي تتخلص من خلالها من هذا الوسواس، وأنا متفائل جدًا أنه يمكنك علاجه بصورة فعالة جدًا، بارك الله فيك، وجزاك الله خيراً، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً