الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أشعر أحياناً أن الله يحبني وأحياناً ينعكس هذا الشعور!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا فتاة في عمر الـ 21 سنة، مشكلتي أنني أشعر بالضياع، وكأنني أعيش في عالمٍ آخر، رغم أنني أصلّي وأصوم، وأقرأ القرآن، بل بدأت بحفظه –والحمد لله–، فأنا منذ زمن أحب الله وأخشاه.

لكن في بعض الأوقات يراودني شعور أن الله يحبني، ثم أعود وأقول: "مستحيل أن يتقبل الله مني شيئًا، وسأُعاقب، ومصيري إلى النار، فما الفائدة من صلاتي وصيامي؟! الله لا يحتاج إليّ"، ثم أبدأ بالبكاء فجأة، وبعدها أضحك بلا سبب.

لا أستطيع السيطرة على مشاعري، ولا أستطيع البوح بما في داخلي لأي أحد، ودائمًا ما أقول لنفسي: "ما الفائدة من وجودي في هذه الحياة؟"، رغم أن الجميع يحبني ويقدّرني، إلا إنني أكره نفسي، وقد فكرت في الانتحار.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ رقية حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بكِ -ابنتنا العزيزة- في استشارات إسلام ويب.

أوّلًا، نُهنِّئُكِ بفضلِ اللهِ تعالى عليكِ وتوفيقِهِ لكِ، حين حبَّبَ إليكِ الصلاةَ والصومَ وقراءةَ القرآنِ، وهذا من عظيمِ فضلِ اللهِ تعالى عليكِ، فاشكري هذه النعمةَ الجليلةَ التي حُرِمَ منها أناسٌ كثيرون.

وأمّا الشعورُ الذي يراودُكِ بأنَّ اللهَ تعالى لا يُحبُّكِ، وأنَّ مصيرَكِ النارُ؛ فهذا كلُّهُ من فعلِ الشيطانِ ووساوسِهِ الخبيثةِ، يُريد أن يمنعَكِ من الاستمرارِ في هذا الطريقِ الذي يُوصِلُكِ إلى رضوانِ اللهِ وجنّتِهِ، فإنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قد أخبرَنا في أحاديثَ كثيرةٍ عن مكرِ الشيطانِ وكيدهِ، ومن ذلك قولُه ﷺ: "إنَّ الشَّيطانَ قَعَدَ لابنِ آدَمَ بأَطْرُقِهِ كلِّها" [رواه الإمام أحمد، وصحَّحه الألباني].

وأخطرُ ما يُحاولُ الشيطانُ أن يَجُرَّكِ إليه: هذه الفكرةُ الشيطانيّةُ الخبيثةُ، فكرةُ الانتحار؛ فإنَّ الانتحارَ ليس إلَّا انتقالًا إلى عذابِ اللهِ تعالى وسخطِهِ، والشيطانُ يُريد أن ينقُلَكِ هذه النقلةَ الخبيثةَ إذا استطاع، فاحذري كلَّ الحذرِ من الإصغاءِ إلى وساوسِهِ، واستعيذي باللهِ تعالى من شرورِ هذه الأفكارِ حين تداهمُكِ، وتوجَّهي إلى العملِ الذي ينفعُكِ عند اللهِ، فأنتِ في نعمةٍ جليلةٍ عظيمةٍ.

ومما يُؤكِّدُ لكِ أنَّ اللهَ تعالى أرادَ بكِ الخيرَ، وأنَّه يحبُّكِ، أنَّه وفَّقَكِ للصومِ والصلاةِ والأعمالِ الأخرى من أعمالِ الدِّينِ، فإذا هدى اللهُ تعالى الإنسانَ إلى أعمالِ دينِهِ، فهذا دليلٌ على أنَّه -سبحانه وتعالى- يُحبُّه، وهذا ليس خبرًا مِنَّا نحن، بل رسولُ اللهِ ﷺ قد أخبرَ بهذا فقال عليه الصلاة والسلام: "إنَّ اللهَ يُعطي الدُّنيا من يُحبّ ومن لا يُحبّ، ولا يُعطي الدِّينَ إلَّا لمن أحبَّ، فمَن أعطاه اللهُ عزَّ وجلَّ الدِّينَ فقد أحبَّه" [رواه الإمام أحمد، وصحَّحه الألباني].

هذا الحديثُ العظيمُ يُبيِّنُ لكِ نعمةَ اللهِ تعالى الكبيرةَ عليكِ، وأنَّ كلَّ ما تعيشينَهُ من الخيرِ علاماتٌ -إن شاء الله- على أنَّ اللهَ تعالى يُحبُّكِ، ومن علاماتِ حبِّهِ لكِ: ما يضعُهُ اللهُ لكِ من القَبولِ في نفوسِ الناسِ حولَكِ، وحُبِّهِم لكِ، فهذا أيضًا علامةٌ أخرى على محبَّةِ اللهِ تعالى لكِ، فإنَّ من أحبَّه اللهُ نادى جبريلَ: «إِنِّي ‌أُحِبُّ ‌فُلَانًا فَأَحِبَّهُ، فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنَادِي فِي السَّمَاءِ فَيَقُولُ: إِنَّ اللهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ» [رواه البخاري ومسلم]، هكذا أخبرَنا رسولُنا الكريمُ ﷺ.

فأنتِ -أيَّتُها البنتُ الكريمةُ- في حالةٍ حسنةٍ حسدَكِ الشيطانُ عليها؛ فهو يَغارُ جدًّا، وحريصٌ على أن يُخرجَكِ من هذه النعمةِ الكبيرةِ الجليلةِ، ليَجُرَّكِ إلى المصيرِ الذي يتمناه لكِ، فاحذري كلَّ الحذرِ من وساوسِ الشيطانِ وكيدِهِ ومكرِهِ.

وخيرُ ما نُوصيكِ به: التواصُلُ مع النساءِ الصالحاتِ، والفتياتِ الطيباتِ، ودوامُ الاشتغالِ بما ينفعُكِ من البرامجِ النافعةِ لكِ في دينِكِ أو في دنياكِ، فإنَّ الصحبةَ الصالحةَ خيرُ ما يُعينُ الإنسانَ على الاستمرارِ والثباتِ على الأعمالِ الصالحةِ.

نسألُ اللهَ -سبحانهُ وتعالى- أن يُوفِّقَكِ لكلِّ خيرٍ.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً