الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ما هي مرتبة الصِّدِّيقيَّة، وهل باستطاعة المرء الوصول إليها؟

السؤال

السلام عليكم.

سبق لي أن قرأت عن مكانة "الصديقية"، وأطمح إلى محاولة الوصول إلى هذه المرتبة، لكنني لا أعلم هل هذا الهدف ممكن التحقيق أم أنه نادر؟

على سبيل المثال: ماذا أفعل؟ أنا أحاول القراءة في سِيَر السلف، مما يشجعني على الاجتهاد في طلب العلم، وأتدرّب على استغلال الوقت، وأحرص على حفظ أحاديث النبي ﷺ، كما أُحاول الالتزام بفعل الأوامر واجتناب النواهي، لكنني لست على أكمل وجه، وأعدّ نفسي مقصّرة.

أرغب في نصيحة تجعل الطريق أمامي واضحًا؛ لأنني حتى الآن لم أفهم السبيل الحقيقي للوصول إلى مكانة "الصديقية".

شكرًا لكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ فاطمة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بكِ -أختنا الفاضلة- في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكِ لصالح القول والعمل.

هنيئًا لكِ هذه الهمة العالية، ونسأل الله أن يرزقك الإخلاص والاستقامة كما يحب ربنا ويرضى.

أختنا الكريمة: لا شك أن مرتبة الصِّدِّيقيَّة هي أعلى مراتب الدين بعد النبوة، وهي منزلة رفيعة ليست مستحيلة، بل يمكن بلوغها بالاجتهاد والصبر والمداومة على الطاعات، وحقيقة الصديقية أنها صفة تجمع خصال الخير كلها في القول والعمل والاعتقاد؛ فالصِّدِّيق داوم على الاستقامة على طاعة الله تعالى، واجتنب معاصيه، وارتقى في الإخلاص حتى أصبح يعبد الله، ويستشعر مراقبته في كل صغيرة وكبيرة، كأنه يراه، ولهذا كان الصدق ظاهرًا في لسانه، حاضرًا في قلبه، منعكسًا على أفعاله وأقواله وأخلاقه وتعامله مع الأخرين.

وتُنال الصديقية بالمداومة على الأعمال الصالحة، والإكثار من تزكية النفس، والترقي بها في مدارج الكمالات البشرية وفق هدى الله وشريعته وسنة نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم-.

لا يعني ذلك أن من بلغ هذه المرتبة يصبح كاملًا، أو معصومًا من الخطأ، وإنما يكون صاحب قلب حي يقظ؛ فإذا زلّت قدمه، أو وقع في تقصير؛ بادر دون تأخير أو تسويف إلى محو ذلك بالاستغفار والتوبة والرجوع إلى الله، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُون)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إنه ليُغانُ على قلبي، وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة" رواه مسلم.

فالتقصير والضعف طبيعة بشرية، لكن المؤمن الصادق لا يتمادى في المعصية، ولا يغرق في الشهوات، بل يلزم الاستغفار، ويكثر من الأعمال الصالحة التي تجلو القلب، وتصلح ما فسد من النفس، ويبقى في مجاهدة دائمة، وسعي لا ينقطع حتى يبلغ مراتب عليا من تزكية النفس، فتكون نفسه أقرب إلى الهداية والاستقامة من الغواية والضلال، ففي الحديث القدسي قال الله تعالى(.. وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه) رواه البخاري، وقال سبحانه: "وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ".

وخلاصة القول -أختنا الفاضلة-: إن منزلة الصديقية هي أسمى المنازل بعد النبوة، يبلغها المؤمن بملازمة الصدق ظاهرًا وباطنًا؛ ظاهرًا في أقواله وأفعاله، وباطنًا في إخلاصه وخشيته ومراقبته لله تعالى، وهي لا تعني العصمة من الزلل، ولكنها يقظة وسلامة القلب التي تدفع صاحبها للعودة إلى الله سريعًا إذا قصر، ومحو أثر التقصير بكثرة الاستغفار وفعل الصالحات، ويبلغها المؤمن الصادق بالمداومة والمجاهدة والصبر والإخلاص لله.

نسأل الله أن يوفقنا وإياكِ لكل خير، وأن يجعلنا من عباده الصادقين.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً