الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أشعر بالغيرة ممن استشهد في سبيل الله!!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

كثيراً ما يراودني شعور الغيرة ممن استشهد في سبيل الله، ليس فقط لعظيم أجره، لكنني أقول في نفسي: هو لن يتأذى من كلام الناس إذا نهى عن منكر، أو أمر بمعروف، وأصلاً هو سبق من يفعل ذلك.

لا أعلم لماذا أحمل هماً لهذا الأمر، وخاصة أن لدي أسلوباً جيداً في النصح بشهادة غيري.

أتمنى المساعدة، جزاكم الله خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ فاطمة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بكِ مجددًا -ابنتنا العزيزة- في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله تعالى لك مزيدًا من التوفيق والسداد، ونشكر لكِ حرصكِ على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وقد سبق في استشارة سابقة أن بيَّنَّا لك أنه لا بد للإنسان من اكتساب المهارات والعلوم، التي يمارس من خلالها شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهي عبادة جليلة يُحبُّها الله تعالى، وخيرية هذه الأمة إنما استفادتها من خلال إيمانها بالله تعالى، والقيام بهذه الشعيرة، كما قال تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: 110] فهذه عبادة جليلة، لا شك فيها، والله تعالى بفضله وعلمه وحكمته يقسم الفضائل بين الناس، فيعطي هذا ما لا يعطيه ذلك، ويفتح لهذا من أبواب الخير ما لا يفتحه لذاك، وفضل الله واسع.

ومن فضل الله تعالى أن يكتب للإنسان أجر العمل، حتى وإن عجز عنه بمجرد نيته له وقصده إيَّاه، فإذا قصد الإنسان أن يفعل عملاً من أعمال الخير، ولم يتيسر له، فإن الله تعالى يرزقه أجر ذلك العمل بنيته، كما قال النبي ﷺ: «إِنَّمَا الدُّنْيَا ‌لِأَرْبَعَةِ ‌نَفَرٍ: عَبْدٍ رَزَقَهُ اللهُ مَالًا وَعِلْمًا، فَهُوَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ، وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ، وَيَعْلَمُ لِلهِ فِيهِ حَقًّا، فَهَذَا بِأَفْضَلِ الْمَنَازِلِ، وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللهُ عِلْمًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالًا، فَهُوَ صَادِقُ النِّيَّةِ، يَقُولُ: لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلَانٍ، فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ»، أو كما قال ﷺ.

فإذا علم الله تعالى منكِ الصدق في طلب الشهادة في سبيله، فإنه سيُبلُّغكِ منازل الشهداء وإن متّ في بيتكِ على فراشكِ، وفضل الله واسع، وهذا المعنى دلَّت عليه أحاديث كثيرة، هذا الذي ذكرناه واحد منها.

ولا ينبغي أن يكون لديكِ غيرة على مَن رزقه الله تعالى الشهادة، فإن هذه طاعة ينبغي أن تُحبِّيها، لأنها وقعتْ طاعةً لله، وحصل بها ما يُحبُّه الله، فينبغي أن تكوني مشاركةً في هذه المحبة، لأن من يُحبُّ الله تعالى فإنه يُحبُّ كلَّ شيءٍ يُحبُّه الله.

فلا ينبغي أن تأخذكِ الغيرة إن كنتِ تقصدين بالغيرة ضيق النَّفْسِ، وضيق القلب، وغليان دم القلب بسبب ما حصل، أمَّا إن كنتِ تقصدين بالغيرة أن تتمني أنتِ مثل ما حصل لهذا الشهيد، فهذه نيةٌ حسنة، وعملٌ قلبيٌ صالح، والله تعالى يأجركِ كما قلنا، ويُبلِّغُكِ منازل العاملين بذلك العمل بنيتكِ.

أمَّا ما ذكرته من تَعرُّضِ مَن يفعل عبادة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للأذى الذي سَلِمَ منه الشهيد، فالجواب أن الشهيد أيضًا قد تَعرَّض لأذىً كبير، وأيُّ أذىً أعظم من أن يُقتل الإنسان؟ وهو تحمَّلَ هذا ورضيَ، وسخيتْ نفسه، وجادت بأن تبذل الروح في سبيل الله، ولا شك ولا ريب أن أعلى أنواع الجُود أن يَجُود الإنسان بنفسه في سبيل الله تعالى.

أمَّا سلامته من أذى من يُؤذي بسبب النهي عن المنكر والأمر بالمعروف، فهذا أذىً بسيط، مَن مارس هذه الشعيرة وتعرَّضَ لهذا الأذى فإنه مأجور على صبره وتحمُّله لذلك الأذى، هذا أدّى عبادة وينال ثوابها، وهذا يُؤدي عبادة أخرى وينال ثوابها، والمهم أن يتقي الله تعالى كل واحدٍ مِنَّا، فيُؤدِّي فرائض الله تعالى عليه، ويَجْتنب ما حرَّم الله -سبحانه وتعالى- عليه، ويحاول أن يتقرب إلى الله تعالى بعد ذلك بالتَّنَفل بأنواع الطاعات التي يقدر عليها، وهو بذلك يسعى في الطريق الذي يُحبُّه الله.

نسأل الله تعالى لنا ولكِ مزيدًا من التوفيق والهداية.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً