الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أختي تدعي أنها صالحة وأن لها إلهامات إلهية!!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا قلق جداً على أختي، في البداية كانت تقول عندما يتوفى أي شخص من أسرتنا: إنها تشعر بضيق شديد في صدرها قبلها بساعات، وتعتقد أن هذا إلهام من الله.

لكنني قرأت أن مثل هذه الأمور قد تكون من الله، وقد تكون من الشيطان الذي يسترق السمع، ثم يوصل تلك المعلومات إلى أختي، فيضيق صدرها وتصدق أنها كرامة، وأخشى أن يتطور هذا الأمر في المستقبل، فيوسوس لها الشيطان بأمور أشد خطرًا.

كذلك ترى أنها صالحة؛ لأن قلبها سليم، بخلاف بقية الناس، وتبدأ بتفسير كل حلم تراه عبر ChatGPT، وتقول إن ما يأتيها في المنام يُعد رؤيا صادقة إن تحققت فيها ثلاثة أمور:
- ألا تشعر بالقلق، أو الكابوس أثناء النوم.
- أن تستيقظ وهي تشعر براحة شديدة.
- أن تتذكر تفاصيل الحلم بدقة، حتى بعد مرور شهور، وتشعر أن الحلم ذو معنى ويحتاج إلى تفسير.

هذا كل ما يحدث معها، أرجو منكم أن تساعدوني في فهم حالتها، وهل ما تشعر به هو من الله أم من الشيطان؟ وهل هناك علاج أو توجيه مناسب؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد القادر حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -أخانا الحبيب- في استشارات إسلام ويب، نشكر لك تواصلك بالموقع، كما نشكر لك حرصك على تجنيب أختك ما يضرها في دينها، ونسأل الله تعالى أن يزيدك هدىً وصلاحًا، وأن يرد أختك إلى الصواب ردًّا جميلًا.

أولًا: مما لا شك فيه أن الغيب لا يعلمه إلَّا الله، هكذا قال الله تعالى في كتابه: {قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} [النمل: 65]، وقال سبحانه: {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ} [الأنعام: 59]، وكما قالت عائشة -رضي الله تعالى عنها-: "مَن حَدَّثَكَ أَنَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ فَقَدْ كَذَبَ".

ولكن ورد الحديث بأن الشياطين قد تسترق السمع ممَّا يأمر الله تعالى به، وتسمعه الملائكة، فتلقي ما سمعته في أُذن وليّها من الإنس، فيكذب معها مئة كذبة، وهؤلاء الصنف من الناس أمرهم مكشوف، وحالهم واضح، وأولياء الله -سبحانه وتعالى- وأحبابه هم أبعد الناس عن الوقوع في المحرمات، ولو كانت من الصغائر، فضلًا عن أن تكون من قبيل الوقوع في ادعاء الغيب، والإشراك بالله تعالى، فالفرق بين الفريقين ظاهرٌ واضح.

وأمَّا تزكية أختك لنفسها، ورؤيتها لنفسها صالحة؛ فهذا أيضًا من العلامات الواضحة الظاهرة بأن الشيطان يريد أن يغويها، ويخرجها عن الطريق الصحيح، فإن المؤمن الصالح الواعي بدينه يعلم أن النفس أمَّارة بالسوء، وأنها مخزن الأضرار لظلمها وجهلها، كما قال الله عز وجل: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [الأحزاب: 72].

وإذا كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعلم الصحابة الكرام أن يقول أحدهم: "اللَّهُمَّ عَلِّمْنِي رُشْدِي وَقِنِي شَرَّ نَفْسِي"، فكيف بمن بعدهم من الناس؟! وقد نهانا الله سبحانه وتعالى في كتابه عن تزكية النفس، فقال: {فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ} [النجم: 32]، أي لا تخبروا عنها باتصافها بالخير والصلاح ونحو ذلك؛ فهذه التزكية ممنوعة، فينبغي أن تنصح أختك وتذكّرها بهذه المعاني من كتاب الله، ومن حديث رسوله -صلى الله عليه وسلم-.

وأمَّا بشأن الأحلام: فالأحلام قد تكون صادقة إذا كانت رؤيا من الله، وقد تكون مجرد تحزين من الشيطان، وقد تكون من أحاديث النفس، وهكذا قسمها الرسول في أحاديث كثيرة.

وكون الرؤيا تقع في الواقع على ما رآها الرائي، لا يدل ذلك على شيء؛ فقد يرى الإنسان شيئًا ثم يقع كما رآه، فلا يدل ذلك على صلاح ولا على فساد، وإن كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- قد أشار في أحاديث إلى أنه في آخر الزمان يكون أصدق الناس أصدقهم رؤيا، ولكن هذا في المفاضلة في صدق الرؤيا، وليس في أصل صدق الرؤية، فقد تقع الرؤيا الصادقة من إنسان غير صالح.

فلا ينبغي للإنسان أن يغترّ بما قد يراه في المنام مما يوافق الواقع، وليحذر الإنسان استدراج الشيطان له ليوقعه في تزكية نفسه، ورؤيته أن له فضلًا وكمالًا؛ مما يؤدي إلى إخلاله بحقوق الله تعالى عليه، والتقصير في حقوق العباد فيهلك.

نصيحتنا لك: أن تسمع أختك المواعظ الدينية التي تتحدث حول هذه الموضوعات التي فتحناها لك الآن، ولعل الله تعالى أن ينفعها بما تبذله.

نسأل الله تعالى أن يقدّر لنا ولكم الخير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً