الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أشعر بضيق شديد يزول بعد وقوع حدث خارجي..ما تفسير ذلك؟!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أشكركم جزيل الشكر على ما تقدمونه من فتاوى ونصائح، نسأل الله تعالى أن يبارك لكم في أعمالكم.

لدي مشكلة لاحظتها منذ أن تزوجت منذ 14 سنة إلى هذه اللحظة: أنا أعيش -بفضل الله- حياةً مستقرةً مع زوجي وأبنائي، أصلي، وأحافظ على أذكاري، والاستغفار، وأخاف الله في بيتي، ونفسي، وعملي، ولكن مشكلتي أنني في بعض الأحيان أشعر بضيق شديد، وانقباض في القلب، وغالبًا ما يتسبب في بكائي، ودائمًا ما أهرع للاستغفار، وقراءة القرآن، ولكن دائمًا ما يحصل شيء غريب: أحيانًا ينكسر شيء في المنزل، أو ينشق من المنتصف، أو تتعطل سيارتي، أو يحصل حادث سير مع زوجي، أو تحصل مشكلة لأحد أبنائي في المدرسة، وأحيانًا يكون الحدث خارج بيتي؛ كأن تحدث كارثة في إحدى الدول، وما إن يحدث هذا الشيء، يزول الشعور بالضيق وكأنه لم يكن.

سأكون شاكرةً وممتنةً لكم ما حييت على مساعدتي، مع العلم أني كثيرًا ما أقرأ سورة البقرة بنفسي في المنزل.

وجزاكم الله خير الجزاء.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ليال حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك في موقعك إسلام ويب، ونسأل الله الكريم أن يُنزل على قلبك سكينة لا تزول، ويبدّل ضيقك فرحًا، وهمّك يقينًا، ويجعلك مباركةً أينما كنت.

وأما ما ذكرت فهو أمرٌ يمرّ به بعض الصالحين، لكنه يحتاج إلى فهم حكيم، وموقف متزن، وميزان بين القلب والشرع والنفس على ما سنفصله في النقاط التالية.

أولًا: ما تمرين به ليس مرضًا نفسيًا، ولا وسواسًا قهريًا، بل هو نوع من الإدراك والتفاعل الوجداني الذي يُعطي صاحبه شعورًا داخليًا غير مفسَّر، ثم يقع بعدها أمرٌ خارجي، فيزول الشعور فجأةً.

وهذه الحالة تُشبه ما يسميه بعض العلماء بـ "الفراسة الإيمانية"، وهي: إن لم تكن مقرونةً باضطراب أو خوف شديد، فهي لا تدل على خلل، بل على رهافة قلب، وشعور مرهف؛ وقد روى الترمذي، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله -ﷺ-:" اتقوا فراسة المؤمن فإنّه ينظر بنور الله"، ثم قرأ (إِنَّ فِي ذَلكَ لآيَاتٍ للمُتُوسِّمِين).

ثانيًا: لماذا تشعرين بهذا الضيق، ثم يقع شيء بعده؟

هنا نحتاج إلى التفريق بين أمرين: الضيق كابتلاء إيماني، وارتباط الضيق بوقوع أمر خارجي، أما الضيق: فقد يكون منحةً من الله لك ليقوّي صلتك به، فتهرعين إلى الذكر والبكاء، فيكون هذا الضيق جسرًا للذكر، والتعلّق بالله، لا بلاءً في ذاته، وأما ارتباط الضيق بوقوع أمر خارجي: فهذا ليس بلازم، وإن تكرر؛ لذا لا تربطي الضيق دومًا بضرورة وقوع مصيبة، وهذه أهم نقطة؛ لأن القلب إذا اعتاد أن كل ضيقٍ يتبعه حادثٌ، قد يفتح على صاحبه باب الخوف، والانتظار، والتشاؤم، والمؤمن مأمورٌ بأن يُحسن الظن بالله في كل حال؛ فاحذري من أن تُصدّقي الفكرة: "إذا ضاق صدري فستحدث كارثة!" بل قولي: "إذا ضاق صدري، فالله يُحب أن يسمع مني، ويجعل لي بعد الضيق فرجًا.

ثالثًا: أسباب ممكنة لهذا الضيق: على أن هناك أسباباً أخرى قد تكون سببًا في الضيق منها:
- التراكم العاطفي والنفسي عبر السنوات: فقد تحملين داخلك تعبًا قديمًا، أو عبئًا من المسؤوليات، يظهر على هيئة "ضيق مفاجئ".
- ربما تأثرت بخبر ما، أو موقف صغير لم تلتفتي له بعقلك، لكنه ترسّب في قلبك.
- تغيرات فسيولوجية أو هرمونية طبيعية تؤثر على المزاج عند النساء، وخاصةً إن اقترنت بأحمال عاطفية.

رابعًا: مداومتك على سورة البقرة سبب عظيم للطمأنينة، فواصلي ذلك، ولكن مع إدخال نية: "اللهم اجعل بيتي بيت سكينة، وقلبي بيت يقين".

خامسًا: ما الذي يُنصح به عمليًا؟ حين يأتيك الضيق، لا تنتظري وقوع البلاء، بل أكثري من الدعاء، مع حسن ظنك بالله، وقولي: اللهم إن هذا القلب لك، فاملأه رضًا، وسكينةً، واصرف عنه شر كل ذي شر، وكرري أدعية بهذا المعنى مثل:"اللهم اجعل لي من كل همٍّ فرجًا، ومن كل ضيقٍ مخرجًا، ومن كل بلاءٍ عافية، وارزقني نفسًا مطمئنةً ترضى بقضائك، وتسلّم لأمرك".

احرصي على الرقية الشرعية الخفيفة لنفسك، وأولادك، وبيتك.

نسأل الله أن يحفظك، وأن يرعاك، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً